مذكرة من البيت الابيض

 جرى الكثير من الاحاديث في الاسابيع الاخيرة عن التعلق المطلق لاسرائيل بالتأييد الامريكي، ولكن لم يجرِ الحديث بما فيه الكافية عن التعلق الموازي، للقيادة الفلسطينية. فالفلسطينيون الذين اصروا على تجاهل مناشدات مبعوثي الرئيس الامريكي، ممن راهنوا على المواجهة المباشرة مع الدولة الوحيدة الكفيلة بان تساعدهم على الوصول الى تسوية، وتلقوا أمس درسا قصيرا في ما يمكن للرئيس أن يفعله، حتى اوباما. بدون أمريكا، لا يوجد ما يمكن أن يدفع اسرائيل. بدون محادثات مع اسرائيل، لا تسوية ولا سلام.
ليس انطلاقا من محبة نتنياهو حاضر اوباما أمس امام مستمعيه في أرجاء العالم، وبالاساس في الشارع الفلسطيني عن احتياجات الدولة الصغيرة والمحوطة بالاعداء. وواصل الرئيس الامريكي أمس التقاليد السياسية بعيدة المدى التي يتمسك بها الامريكيون، من اليمين ومن اليسار. مثله، درج اسلافه ايضا على ان يشرحوا للموفدين الى الجمعية العمومية حقائق الحياة. مثله، درجوا هم ايضا على تشجيع الامم المتحدة على العمل. مثله، هم ايضا شرحوا بانه اذا لم يكن عمل، فان الامم المتحدة ستصبح هيئة عديمة القيمة. ومثله، بالضبط مثله قصدوا بان تعمل الامم المتحدة، ولكن فقط وفقا للسياسة التي ترسمها الولايات المتحدة الامريكية. هكذا رونالد ريغان، الذين قرر بان الامم المتحدة غير ذات صلة طالما لا تقف متينة في وجه امبراطورية الشر السوفييتية. هكذا كلينتون، الذي استخدم الناتو عندما فهم بان لا امل بان تكون الامم المتحدة هي التي تعمل في دول يوغسلافيا. هكذا، بالطبع، بوش الابن، الذي ذهب الى الامم المتحدة قبيل الهجوم في العراق، وعندما رفضت – اقام ائتلافا التفافيا من الدول. ويتبين أن تماما مثلهم اوباما ايضا، الذي كان نبي غضب العمل الدولي المنسق، من وعد بان في عهده، الولايات المتحدة لن تسير وحدها ابدا.
على أي حال، ليس فقط نتنياهو وليس فقط ابو مازن وقفا امام ناظر الرئيس ومستشاريه عندما كتب الخطاب الطويل والملح الذي القاه الرئيس امس في الجمعية العمومية. فهم لم يكتبوا لجمهور المستمعين في القدس وفي رام الله ولا ايضا – مثلما زعم أمس – للجمهور الداخلي.
صحيح، الصوت اليهودي (والمال) هام لاوباما، وصحيح ان سنة الانتخابات التي على الابواب والاعتبارات السياسية الداخلية باتت تثقل على احاسيس الزعماء. ولكن الامريكيين، مع كل الاحترام لحقوق الانسان في ليبيا، الثورات في تونس ولجاري الارجل في اسرائيل وفي فلسطين، يهتمون الان بخطاب القاه اوباما اول أمس وليس بخطاب القاه أمس – بخطاب اعلن فيه الحرب ضد الاغنياء والمدافعين عنهم من الجمهوريين وليس بالخطاب الذي ابلغ فيه الفلسطينيين بانه حان الوقت للكف عن اللعب.
وعليه فينبغي فهم اقوال اوباما، قبل كل شيء، على خلفية علاقات امريكا مع المؤسسة الغريبة للامم المتحدة. فالبيت الابيض غيرّ اوباما، وفجأة تبين له أن رئيسا بلا قوة هو رئيس بلا تأثير، وان رئيسا يتخلى عن التأثير هو رئيس غير ذي صلة.
هكذا، اوباما الذي وعد في الماضي بان ينزل عن مؤسسة الرئاسة الامريكية بعضا من الادوات القانونية التي استخدمتها ادارة بوش في حربها ضد الارهاب لم يفِ بوعده بالضرورة. وهكذا، اوباما الذي خلق مظهر تحفظ على استخدام العنف في الدول الاجنبية أصبح الرئيس الذي يقر الاغتيالات اكثر من سلفه. وهكذا بالضبط، اوباما نفسه الذي اراد تعاونا دوليا – يريد الان ان يمسك بالخيوط.
المسؤولية عن ليبيا يسره ان يتقاسمها مع دول اخرى. وكذا المسؤولين عن امور اخرى ليس لامريكا رغبة في أن تحملها على ظهرها وحدها. ولكن عملية خطف للامم المتحدة، دخول بقدم فظة الى مسيرة سياسية يقودها الامريكيون، التفاف على الوساطة الامريكية – هذا لن يكون. اوباما تحدث امس للاسرائيليين والفلسطينيين وجمهوره الداخلي، ولكن اكثر من أي شيء آخر تحدث الى اعضاء الامم المتحدة. فقد ذكرهم بانه بدون أمريكا هذا لن ينجح. 

السابق
أسود: فريق 14 آذار يؤسس لسوابق دستورية تعطل الدستور
التالي
هكذا كنا