نفط المتوسّط يرسم خريطة تحالفات جديدة لدول المنطقة

خرج المستور الى العلن، ولم تكن المواجهة الإعلاميّة – الدبلوماسيّة التركيّة ضدّ إسرائيل مقتصرة على تحصيل الشرف نتيجة الاعتداء على سفينة "مرمرة"، بل نتيجة السياسة النفطيّة الإسرائيليّة التي تقوم على التفرّد والاستئثار.

تحاول أنقرة أن تفرض نفسها كمرجعيّة لنفط المتوسّط، دون أيّ مشاركة في اتّخاذ القرار من أيّ كان، حتى من الجانب الإسرائيلي، وتحاول توجيه الرسائل الإعلاميّة باتّجاه تل أبيب، فيما الرسائل العمليّة المباشرة باتّجاه قبرص ( اليونانيّة)، لمنعها من القيام بأيّ خطوة للتنقيب عن النفط في مياهها الإقليميّة، قبل ضمان حصّة قبرص (التركيّة). هناك خريطة مصالح جديدة في شرقي البحر المتوسط تطال قبرص، إسرائيل، لبنان، سوريا، ودوَلا أخرى. ويحاول التركي الظهور بمظهر القوّة والسيطرة، ويمكن ان تصحّ هذه المعادلة إذا كان الأميركي قد أذن له بذلك فعلا، وأصبح كتاب التفويض الصادر عن البيت الأبيض في جيب رئيس الوزراء رجب طيّب أردوغان، وليس في الأمر مبالغة إذ إنّ وزيرة الخارجيّة هيلاري كلينتون قد نصحت نظيرها التركيّ داود أوغلو بوجوب "بقاء الباب مفتوحا مع تل أبيب"، أي بمعنى آخر أن تكون تل أبيب الى جانب أنقرة في حراسة الحدود النفطيّة.

ويبدو لبنان في أسفل القائمة بعدما سبقه الجميع الى ترسيم حدوده النفطيّة والبدء بالتنقيب أو بالخطوات الممهّدة له، وأقرّ مجلس الوزراء أمس الأوّل المنطقة الاقتصاديّة، إنّها الخطوة الأولى، وبقيت مسافة الألف ميل التي يتوجّب عليه اجتيازها باعتماده أحد المسارين، الأوّل يتناول خارطة تحالفات جديدة، لا مكان فيها للقديم، ولا صلة لها بالصراع العربي – الإسرائيلي، ولا بالتصنيفات الفئويّة التي تنطوي على تمييز عنصري، بل علاقات ندّية تقتضيها لعبة المصالح، وتوزّع الحصص والمنافع، واحترام الخصوصيّات، والكوتات التي تحدّد طاقة كلّ دولة وحجم مخزونها من الغاز والنفط، ومردودها المالي – الاقتصادي.

والمسار الثاني ان يعرف كيف يوازن بين المبادئ والمصالح، وكيف يتمكّن من الوقوف في وجه إسرائيل وقبرص وتركيا لضمان مصالحه النفطيّة من دون التفريط بمواقفه من إسرائيل، ومن الصراع العربي – الإسرائيلي، ومن ما تشهده سوريا من تغيير في مسيرتها السياسيّة والأمنيّة والاقتصاديّة المفتوحة على كلّ الاحتمالات.

وتدعم الولايات المتّحدة المسار الأوّل. تريد الانتهاء ممّا يسمّى بالصراع العربي – الإسرائيلي، واستبداله بعلاقة حسن جوار بين الدول قائمة على الحوار والتفاهم والتضامن ليس فقط لحماية المصالح النفطيّة والاقتصاديّة المشتركة، بل لضمان حقوق الجميع بحيث يستفيد كلّ طرف من حقل الطاقة الخاص به، ويرسم السياسة التنمويّة التي يريد، شرط أن تكون شرايينها متّصلة بشرايين دول الجوار الاقتصاديّة والأمنيّة والتنمويّة.

ولا يمكن للبنان بواقعه الحاليّ أن يجاري هذا المسار الذي ترعاه الولايات المتّحدة ودول الغرب الأوروبّي – الأميركي، لأنّه حاليّا في صميم المحور الإيراني – السوري – حزب الله، ولأنّ الحزب رسم استراتيجيّة الدفاع عن النفط عندما هدّد وتوعّد إسرائيل من دون أن يقف على رأي الحكومة ومجلس الوزراء، وأيضا من دون استشارة الشركاء الآخرين في الوطن.

إنّ النفط اللبنانيّ دخل مع الأسف الشديد، صراع المحاور قبل أن ترسم الحدود المائيّة، وقبل أن يحدّد منطقته الاقتصاديّة، وحتى قبل أن ينتزع موافقة الأمم المتّحدة والمرجعيّات الدوليّة المعنيّة.

هناك وجه آخر من الحاجة الى المجتمع الدولي يتخطّى ملفّ المحكمة الدوليّة وتمويلها، والقرار 1701 ووجوب الدفع به نحو التنفيذ الكامل، وحماية اليونيفيل ودوريّاتها المتنقلة ما بين الجنوب وبيروت، وضبط الخروقات على طول الخط الأزرق. إنّ هذا الوجه يتناول ثروة لبنان النفطيّة، وكيفيّة ترسيمها والعمل على استخراجها والاستفادة منها من دون أن يؤدّي ذلك الى مواجهة مع قبرص، أو مع إسرائيل، أو تركيا.

إنّ جزءا حيويّا من المهمّة التي يضطلع بها رئيس الجمهوريّة العماد ميشال سليمان، أو تلك التي سيقوم بها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في كلّ من نيويورك وواشنطن تتّصل تحديدا في كيفيّة التوصّل الى اتّفاق فكّ اشتباك يتناول ملفّ النفط، ويجنّب لبنان أيّ مواجهة مع أيّ طرف إقليميّ غايتها وهدفها ابتزازه بثروته النفطيّة. هناك أمل في أن يكون مثل هذا الإنجاز متيسّرا، إلّا أنّ العارفين ببواطن الأمور يؤكّدون بأنّ ملفّ النفط إنّما هو جزء من كلّ، والثروة النفطيّة في المتوسّط سترسم حتما خارطة سياسيّة جديدة من التحالفات، لا يمكن للبنان أن يبقى بمعزل عنها، لكن إذا ما تلكّأ او تهاون لاعتبارات محلّية – إقليميّة فإنّه يكون قد عزل نفسه، وعليه في هذه الحالة أن يتحمّل النتائج.

السابق
حكومة معالجين وأطباء!
التالي
دولة الاعتراف