ألف رجال اطفاء لن ينجحوا

 شهدت اسرائيل من قبل اياما صعبة في ساحة الامم المتحدة. في حينه اعتمدت على القول الشهير لبن غوريون الذي جاء في احدى جلسات الحكومة في العام 1955 "اوم – شموم" (امم متحدة قفراء). بلعبة الكلمات المضحكة هذه تغلبت اسرائيل على عزلتها الدولية وتجاهلت موجات القرارات التي وصفت بانها "مناهضة لاسرائيل". ولكن الامور تغيرت في الخمسين سنة الاخيرة، العالم أصبح عالميا ومسطحا، والامم المتحدة نمت باربعة اضعاف ووسائل الاعلام تعظم كل بيان وكل قرار في الساحة الدولية. والنتيجة هي أنه بدلا من "اوم – شموم" بانتظار اسرائيل بوم في اوم.
في نهاية الاسبوع سيضرب نتنياهو وابو مازن الواحد بالاخر من على ساحة الامم المتحدة، ولكن، لشدة الاسف، في معركة النقاط فاز الفلسطينيون منذ الان. ففي التصويت المرتقب سيؤيد قرار الجمعية العمومية ما لا يقل عن 140 دولة. حيالها بضع دول ستمتنع، وفقط مجموعة صغيرة من الدول، منها الولايات المتحدة، كندا، المانيا، دول اخرى وبالطبع اسرائيل، ستعارض القرار.
خلافا للماضي، لن يكون ممكنا رد صيغة القرار او تمزيقه بدراماتيكية من على منصة الخطابة مثلما فعل في العام 1977 السفير حاييم هيرتسوغ رحمه بالله بقرار الصهيونية عنصرية. الاغلبية الساحقة التي ستؤيد الفلسطينيين تعبر عن موجة عطف تجاههم وبذات القدر ايضا عن نفاد الصبر تجاه اسرائيل وسياستها.
يجني الفلسطينيون الان ثمار التغيير الكبير في استراتيجيتهم التي بدأت، لشدة المفاجأة، بالذات في نقطة الدرك الاسفل العميق لنهاية الانتفاضة الثانية في 2005. عندما فهم الفلسطينيون بانهم لن ينجحوا في الحاق الهزيمة باسرائيل من خلال الارهاب وان الجمهور الاسرائيلي يمتص الضربات ولكنه لا ينهار، غيروا طرق الكفاح وانتقلوا الى الساحة الدبلوماسية العامة او ما نسميه نحن "هسبرا" (الاعلام الرسمي). وبدلا من البحث عن الاصابات المادية في "البطن الطرية" لاسرائيل الا وهي الجبهة الداخلية المدنية، استخدموا منظومة "قوة طرية"، التي تعتمد على مبادرات تنمية وبناء دولة داخل المناطق ووسائل المقاطعة، العقوبات واجتذاب الاستثمارات في الساحة الدولية.
اسرائيل التي كانت معتادة على حوار القوة او "القوة الشديدة"، وجدت نفسها متفاجئة ولن تتمكن من الرد على "السلاح الجديد". لن ننجح في قراءة ساحة الصراع الجديدة والوقوف متسلحين بأدوات كانت دوما في ترسانتها: الديمقراطية، حقوق الانسان والمواطن، قضية الصحافة وفوق كل شيء التطلع الى السلام. وعلى الرغم من أن أومن ايمانا كاملا بان التطلع للسلام هو من نصيب معظم الجمهور الاسرائيلي، فشلت اسرائيل بالحفاظ على هذه القيم. في عالم يميل الى تعزيز الضعيف حيال القوي والاقلية حيال الاغلبية، خسرنا في المعركة.
التراكض في اللحظة الاخيرة، وحالة الضغط التي نعيش فيها يشيران مثلما في الماضي الى قصر نظرنا في أن نرى السياقات في بداية الطريق والتخطيط للمدى البعيد. في ظل غياب استراتيجية وتفكير نسارع في اللحظة الاخيرة الى اطفاء الحريق – بعد أن اندلع وأحدث منذ الان الضرر. والامور صحيحة ليس فقط بالنسبة لهذه المسألة الفورية، بل وايضا نسبة الى مواضيع اخرى اصبحت فيها "الارتجال الاسرائيلي" علامة مميزة لنا. ولكن ما العمل، من أجل القيام بعمل جدي وذي اهمية مطلوب استعداد تنظيمي وفكري في ظل قراءة كاملة لنوايا الطرف الاخر واعتراضها قبل الاوان. الموقف من منظومة الاعلام الوطنية ومكانتها يدل على عدم الجدية والسطحية لدينا في هذا الموضوع. في مثل هذه الظروف كان ينبغي ايضا تعزيز الوفد الاسرائيلي الى الامم المتحدة منذ زمن بعيد والتأكد من الا يبقى حتى ولو للحظة واحدة منصب السفير في الامم المتحدة غير مأهول.
من الافضل منذ الان النظر الى اليوم التالي. لا عقوبات ولا أعمال عقابية تجاه السلطة الفلسطينية ستحقق لنا أي انجاز. فنحن بذلك سنضيف فقط الى قصورات الماضي. ينبغي بالذات الترحيب بالخطوة الدولية لتأييد الدولة الفلسطينية وتأطيره في التسوية الاسرائيلية – الفلسطينية. ينبغي أن نرى في التصويت في الامم المتحدة الجانب الايجابي: الامم المتحدة تقبل حل الدولتين للشعبين وتترك لهما البحث في المفاوضات عن السبل وعن خطوط الانهاء للنزاع طويل المدى. محظور على اسرائيل مرة اخرى أن تتخذ صورة "دولة لا – لا". اذا تمكنا من أن نقول "نعم، لكن…"، فسنتمكن من اصلاح بعض الضرر والعودة الى الخانة الاولى التي نطالب فيها بالسلام ونبحث عن تسوية، والفلسطينيون يمكنهم ان يختاروا بينهما بين واستمرار الكفاح. يجب أن تكون هذه نقطة المخرج لمواصلة الطريق. 

السابق
«كمين راشيا»: عملية نوعية لفرع المعلومات ضد مطلوبين في قضية الإستونيين السبعة
التالي
أبو مازن – رافض السلام