أسير حلمه

 بعد يومين سيقف بنيامين نتنياهو على منصة الخطباء في الجمعية العامة للامم المتحدة ويخطب خطبة حياته. ان كل خطبة لنتنياهو تقريبا هي خطبة حياته. لان مساعديه ومستشاريه يُحدثون الدراما قبيل الخطبة والردود المتحمسة بعدها. ومن شبه المؤكد اننا نسمع بعد انتهاء الخطبة انه حتى ممثلو دول معادية لاسرائيل امتدحوا الخطبة، بل تجرأوا – وهذا لا يُصدق – على مصافحة نائب المستشار القانوني لوفد اسرائيل الى الامم المتحدة. بل ان صحيفة "نيويورك تايمز" ستنشر عدة كلمات حسنة عن الخطبة – لكن كما يقولون "لكل سبت خروج سبت"، وسيسأل فورا المحللون المعادون في أكثرهم لنتنياهو، وماذا الآن؟ وسيكون من بين المحللين وغيرهم من يذكرون خطب نتنياهو السابقة ويسألون: بماذا قدمتنا تلك الخطب والى أين؟.
ان 190 دولة تقريبا أرادت رفع يد التصويت علينا في الامم المتحدة، فماذا أجدت الكلمات الجميلة، وتعبيرات الوجه وحركات اليدين؟ أيوجد بالمناسبة من يتذكر ما قاله نتنياهو في العرض المدهش في مجلس النواب الامريكي والى أين وصلت دولة اسرائيل حتى ذلك الحين ومنذ ذلك الحين؟ نحن على شفا هاوية سياسية على الأقل، ونحن مصممون على أن نخطو خطوة كبيرة الى الأمام.
في أواخر ايلول 2011، في الامم المتحدة وفي العالم كله، الكلمات مهمة وأهم منها الافعال بعد الكلمات – لكن اذا لم يكن بنيامين نتنياهو يخدع نفسه (وهو لا يفعل) واذا لم يكن مساعدوه ومستشاروه يضللونه، فان رئيس الحكومة الاسرائيلي يعلم ان الواقع والعالم المقابل قد تغير تماما.
ما يزال نتنياهو ورفاقه في الحكومة والرأي السياسي يؤمنون بأنهم أصحاب القرار ومانحو النغمة وانهم يستطيعون ان يقولوا خفية من تحت شواربهم: "اذا شاؤوا فسيأكلون واذا لم يشاؤوا فلن يأكلوا" فيما يتعلق بالفلسطينيين (ما يزال) نتنياهو أسير حلمه برغم انه ذكي جدا ليدرك ان العالم قد "غير قرصا" وانه يطلب منا ان نفعل ما يريده العالم وفيه صديقتنا الكبرى الولايات المتحدة. قد يكون أفضل مثل هو السلطان التركي الطيب اردوغان. فاذا استقر رأيه (والعياذ بالله) على انه يريد حربا حقيقية لاسرائيل (وبدأ من اجل هذا يرسل سفنا حربية الى السواحل الاقليمية)، فسيبقى عند نتنياهو ان يطلب مساعدة عوفاديا يوسف باعتباره ضابط ربط مع الله، أو براك اوباما (الذي ينتظر في الزاوية) فقط طلبا كهذا من قبل رئيس حكومة اسرائيل. ماذا سنفعل، أنحارب تركيا؟.
في خريف 2011 يحكم العالم والشرق الاوسط واوروبا خاصة، مليار و200 مليون مسلم يلقون الرعب، وكل من الأغيار يقوم بالحساب البسيط وهو من يؤيد: أمليار المسلم أم سبعة الملايين اليهودي الذين "يسببون المشكلات" مرة اخرى للأغيار؟.
الحقيقة بسيطة حتى الألم. ان دولة اسرائيل في وضعها السياسي اليوم تستطيع "ان تثير الغضب" وان تحاول التأثير، وان تحاول التحذير من التسونامي الاسلامي وان تثير مخاوف خفية للاوروبيين لا أكثر من ذلك.
ما يزال نتنياهو أسير أحلام العظمة اليهودية ودولة اسرائيل ("نحن الأفضلون في…")، وما يزال رفاقه السياسيون في الحكومة وفي الاستيطان في يهودا والسامرة في سبات شتاء. لكن لم يعد شيء تقريبا في أيدينا واذا "غضبت" الولايات المتحدة علينا ولم تعارض دولة فلسطينية في مجلس الامن – فستنشأ في الحي قرب بيتنا، دولة كهذه ولن يسألنا إذننا لا الفلسطينيون ولا العالم.
إن حكمة القيادة في ايام كهذه هي توجيه السفينة الاسرائيلية في البحر الهائج، من غير طرح لباس الصلاة في البحر لانقاذ النفوس. وليست الخطب الرائعة حلا.
أحببت حتى الألم جواب المحاربة القديمة غيئولا كوهين عن سؤالي ماذا حدث لابنها تساحي الذي نسي مصادر عالمه اليميني جدا. قالت لي غيئولا كوهين: "ما يزال لنا نحن الشيوخ الحق في الحلم…".
صباح الخير يا رئيس الحكومة. قرعت الساعة منذ زمن أفما تزال أسير أحلامك؟. 

السابق
أبو مازن – رافض السلام
التالي
هكذا يبنون دولة