وول ستريت وراء ارتفاع أسعار النفط

تمتلك المؤسسات المالية الست الكبرى في الولايات المتحدة أصولا توازي ما يزيد على 60 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، ناهيك عن امتلاكها قوة سياسية واقتصادية هائلة. ولعل من بين أهم الأسئلة التي نواجهها في وقتنا الحالي ما إذا كان الشعب الأميركي، سيتمكن عبر الكونغرس، من السيطرة على الجشع والاستخفاف والسلوك غير القانوني لـ«وول ستريت»، أو ما إذا كانت «وول ستريت» ستواصل بث الدمار في اقتصادنا وحياة الأسر الأميركية العاملة.
أنا أمثل فيرمونت، الولاية الزراعية، حيث يقود الكثير من العمال سياراتهم مسافات طويلة إلى أعمالهم التي تدر عليهم 12 دولارا في الساعة وربما أقل. وبها الكثير من كبار السن الذين يعيشون على رواتب ثابتة ويستخدمون الوقود في تدفئة منازلهم خلال فصول الشتاء الباردة. هؤلاء الأفراد طلبوا مني أن أبذل كل ما أستطيع لخفض أسعار البنزين ووقود التدفئة بشكل فج. وأنا أنوي القيام بذلك.
لماذا ارتفعت أسعار النفط بهذا الشكل المخيف؟ البعض يؤكد على أن هذا التقلب في أسعار النفط يعود بالأساس إلى أساسيات العرض والطلب، بيد أن الكثير والكثير من المراقبين يعتقدون أن المضاربة المفرطة في النفط الآجل من قبل المستثمرين هي ما يقود أسعار الوقود إلى هذا الارتفاع الكبير.
جاء في المقال الذي نشر في صحيفة «وول ستريت جورنال» في الثاني من يونيو (حزيران) الماضي: «وول ستريت تتوقع تدفقا حقيقيا في عام 2011، نظرا لتنامي حدة التقلب وارتفاع أسعار النفط وتعزيز المواد الخام الأخرى. وقد أشار ريكس تيلرسون، رئيس شركة «إكسون موبيل» في شهادته أمام لجنة مجلس الشيوخ هذا العام إلى أن الإفراط في المضاربة على النفط ربما يكون السبب وراء ارتفاع أسعاره بنسبة 40 في المائة. وكتب ريتشار هيرست، المستشار العام لشركة «دلتا آير لاينز»، رسالة إلى المنظمين الفيدراليين في ديسمبر (كانون الأول) الماضي يؤكد لهم فيها على أن «فقاعة المضاربة على أسعار النفط أسفرت عن آثار ضارة ملموسة على الاقتصاد الحقيقي». وأكد نائب رئيس اتحاد النقل بالشاحنات، ريتشارد موسكويتز: «إن المضاربات المفرطة تسببت في زيادات كبيرة في أسعار النفط الخام، والذي أضر بالمستهلك النهائي، وبصناعة النقل بالشاحنات الأميركية».
وبعد أن نشرت الشهر الماضي تقارير توثق دور المضاربين تم انتقادي على هذه الصفحة الأسبوع الماضي من قبل عضوين في لجنة تجارة السلع المستقبلية، ووضعت المعلومات على صفحتي على الإنترنت لثلاثة أسباب:
السبب الأول، هو أن الشعب الأميركي لديه الحق في معرفة السبب في الارتفاع غير المبرر لأسعار النفط. وقد أثبت تقرير لجنة تجارة السلع المستقبلية أنه عندما ارتفعت أسعار النفط في عام 2008 إلى أكثر من 140 دولارا للبرميل، هيمن المضاربون على أسواق النفط الآجلة. واشترى «غولدمان ساكس» وحده أكثر من 680 مليون برميل من النفط في صيف عام 2008، دون نية استغلال نقطة واحدة لأي غرض عدا الحصول على أرباح سريعة.
يرغب تجار «وول ستريت» بطبيعة الحال في إخفاء هذه المعلومات، إنهم لا يرغبون من الشعب الأميركي أن يعرف المدى الذي يحاول فيه المضاربون الحفاظ على ارتفاع أسعار النفط والأضرار الكبيرة التي يمكن أن يلحقها بالاقتصاد. بعد نشر هذه المعلومات جاءت إشارات باحتمالية توقف البعض في «وول ستريت» عن المضاربة في أسواق النفط الآجلة. وهذا أمر جيد.
 
السبب الثاني، ما توصل إليه الكونغرس العام الماضي من أن المضاربات المفرطة في أسعار النفط يجب أن تتوقف. فقد ألزم تشريع الإصلاح المالي للجنة «دود – فرانك» من لجنة التجارة في السلع المستقبلية التوقف أو منع أو خفض المضاربات المبالغ فيها على النفط بحلول 17 يناير (كانون الثاني) 2011. وبعد أشهر من الموعد النهائي لا تزال اللجنة غير قادرة على تطبيق القانون ولا يزال المضاربون يتصرفون كاللصوص.
السبب الثالث، أن زعم منظمي السلع أنهم لا يستطيعون إنهاء المضاربة المبالغ فيها على النفط بسبب الافتقار إلى معلومات كافية مجرد هراء. فالمعلومات التي كشفت عنها توضح بما لا يدع مجالا للشك أن اللجنة كانت تجمع معلومات على مدى أكثر من ثلاث سنوات. وأن وقت الدراسة قد انتهى، وأن الوقت قد حان للتحرك. أنا أتفق مع عضو اللجنة السابقين جيمس نيوسم وفريد هاتفيلد في أحد الجوانب. وهو أن الثقة في الحكومة قد انخفضت. والسبب في ذلك أن الحكومة لم تتعامل بقسوة مع وول ستريت بل العكس، فالشعب الأميركي غاضب ويشعر بخيبة أمل كبيرة لأنهم يرون الحكومة تتصرف بجرأة كي تحمي المديرين التنفيذيين في وول ستريت لا المواطن الأميركي العادي. وعندما احتاج وول ستريت إلى خطة إنقاذ بقيمة 700 مليار دولار، هبت الحكومة لنجدته. في الوقت ذاته عندما احتاجت العائلات العاملة الأميركية إلى إنهاء المضاربة المبالغ فيها وخفض أسعار المنتجات النفطية فشلت الحكومة في التحرك.
نفس قانون لجنة دود – فرانك الذي يتطلب من منظمي السلع الحد من المضاربين شملت تعديلي الذي طالبت به والذي يطالب بمراجعة المصرف الاحتياطي الفيدرالي من الأول من ديسمبر (كانون الأول) 2007 إلى 21 يوليو (تموز) 2010، الفترة التي شهدت الأزمة المالية. لكن فقرة المحاسبة شهدت معارضة قوية من رئيس المصرف الاحتياطي، بيد أن الوقت لم يدم طويلا حتى رفعت السرية عن المصرف وعلم الشعب الأميركي بكل ما يقوم به.
والآن ربما يكون من الملائم كشف نقاب السرية عن أسواق النفط الآجلة. فالشعب الأميركي يملك الحق في معرفة مدى أثر المضاربات المفرطة على ارتفاع أسعار النفط، وأي من شركات وول ستريت تقوم بذلك. 

السابق
نور مرعب: الانتحار الاول
التالي
جابر: مواقف الراعي ترسم مسارا جديدا نحو تعزيز الوحدة الوطنية الداخلية