نور مرعب: الانتحار الاول

لم يمرّ خبر انتحار نور مرعب عابراً، أقلّه على صفحات التواصل الاجتماعي. ابن الـ26 ربيعاً أنهى دوره ناشطاً مدنياً في مجال حقوق الإنسان، وترك الساحة للجدال بين من عدّه بطلاً، ومن صنّفه «مضطرباً»
كان يمكن أن يحتل اسم نور مرعب المكان نفسه في الجريدة، لكن لخبر آخر، وهو الذي اعتاد الظهور الإعلامي والتحرّكات غير المألوفة للتعبير عن أفكاره المتمرّدة. لكنه اختار أن يطلّ في خبر أخير، خبر انتحاره. خبرٌ يعود إلى ظهر الجمعة الماضي. كتب على صفحته على موقع فايسبوك: «أموت كما عشت حراً فوضوياً، لا أدين للحكام، سماويين كانوا أو أرضيين. ليسقط كلّ قادة القطعان والقوة للشعب ولكلّ ولأي إنسان». وكانت القوى الأمنية قد عثرت عليه جثة هامدة في أحد المنتجعات السياحية في عمشيت عند الثانية عشرة ظهراً. وأوضحت لاحقاً أن مرعب كان قد وصل إلى عمشيت عند الرابعة من فجر الجمعة، واستأجر غرفة في منتجع سياحي. وعند الظهر عثر عليه جثة على أرض غرفته، بعدما وضع كيساً في رأسه وفتح قارورة «هيليوم». لم ينس أن يكتب: «لا تلمس الجثة، اتصل بالـ112».
أعدّ نور أصدقاءه للحظة انتحاره منذ ثلاث سنوات. كان يخوض معهم نقاشات طويلة في فكرة الانتحار. وقبل التنفيذ بقليل، بعث برسالة عبر البريد الإلكتروني إلى أصدقائه المقرّبين، معلناً فيها سبب انتحاره: «اكتشفت أن الحياة عبارة عن سجن. اكتشفت أيضاً أنه يوجد حالة واحدة يمكن أن يكون فيها الإنسان حراً. اللاوجود. قررت وأنا في القمة التحرّر من سجني. استغرق الأمر أكثر من 3 سنوات للعثور على اللحظة المثالية. لست مكتئباً. أنا عاقل تماماً. لا آخذ أي نوع من المخدرات. حياتي الجنسية منتظمة. أتناول الطعام بشكل جيد. أعمل كثيراً. حققت أشياء كثيرة في حياتي. قررت فقط أن أتحرّر. لا أريد أن أدفن في مقبرة. أحتقر المسيحية والأديان الأخرى. لا أريد أن يصلّي أي كاهن سخيف على جسدي. أريد أن أُحرق وألقى بعيداً. هذا يشكل عبئاً لديكم لتتأكدوا أنني لن أموت مسيحياً». ما أراده نور لم يتحقّق. إذ مات مسيحياً وحُمّل صليباً. 
خيضت نقاشات كثيرة بشأن انتحاره. قال البعض إنه مضطرب نفسياً، مدمن مخدرات، ورائيلي. لا داعي إلى الحديث عنه. هناك ربما عشرات المنتحرين يومياً من المعدومين الذين لا نذكرهم. بعض أصدقائه على «فايسبوك» حوّلوه إلى بطل. صديقه بيار مدني يقول: «ليس بطلاً. لا شرف بالموت الذي لا طعم له». برأيه، إقدام نور على الانتحار ليس مبنياً على فلسفة فقط، بل هو نتيجة صراع داخلي لم يتمكن من حسمه. يصفه بـ«العنيد، والذكي الذي لا يملك الصبر، فيحرق المراحل». كان يعمل إدارياً في إحدى شركات الترجمة، ويخطط لاستحصال علامة تجارية لبيع الزعتر البلدي. خلال العمل، اعتقد أنه نجح في تحقيق ما يريد، فانتحر. يتحدث مدني عن أن كونه رائيلياً ليس شائعة، إلا أنها تجربة انتهى منها.

يختصر عمّه سليم مرعب قضية الانتحار بالقول: «لم يجد نور عدالة من الأرض ولا من السماء. كان طموحه أكبر مما هو عليه». يُخبر أنه «اعتصم حين كان لا يزال طالباً في المدرسة ضد زيادة الأقساط». يبدو مستفزاً من الحديث عن إلحاده: «كيف يكون ملحداً وفي عنقه مسبحة؟ وماذا عن الأعمال الخيّرة التي قام بها؟». أما الخلاف بين العائلة وأصدقاء نور، الذي تطور إلى حد منعهم من المشاركة في الدفن، فيعود إلى كونهم «متفلسفين»، يقول العمّ. ويضيف: «كدنا نتشاجر معهم أمام المستشفى. أرادوا التدخل في كل شيء». في المقابل، يرى بعض أصدقائه أن والديه طلبا منهم عدم المشاركة خشية حدوث مشاكل، وخصوصاً أن نور أوصى بحرق جثته.

يلفت الأخصائي في علم النفس، د. عباس مكي، إلى ثلاثة احتمالات قد تكون دفعت نور إلى الانتحار، انطلاقاً من الحيثيات القليلة التي يملكها. يقول: «لم ينجح كناشط اجتماعي حمل هموم الناس في إحداث تغيير إيجابي، فقد يكون شعر بالقلق واليأس، هو إذاً يعاني من أزمة وجودية. ثانياً، من خلال جملته على الفايسبوك، يبدو أنه لم يعد حراً في حياته، فلجأ إلى الموت لأنه لا يريد فقدان الحرية. ثالثاً، لا شك أنه يعاني من تأزم نفسي». ويشرح أن الشخص العاجز عن حلّ أمر ما هو الذي ينتحر، وليس المريض النفسي، لأن الأخير يلتهي بمرضه». ويختم قائلاً: « لو سمعني نور أتحدث عن مرض نفسي سيعترض لأنني لم أحترم فلسفته وأعدته إلى طفولته». 

السابق
ونوس: لا أحد يتحمس لمشروع الكهرباء اكثر منا
التالي
وول ستريت وراء ارتفاع أسعار النفط