من يدفع الثمن؟

من القدس التي تقف امام التسونامي الى واشنطن منشغلة البال بشؤونها والمختنقة تحت الالتزام بمنع الخطوة الفلسطينية، الى اوروبا الغربية التي تسعى الى اعفاء الامريكيين من الحاجة المحرجة لاستخدام الفيتو الذي لا يريده اوباما.
الثمن الذي سيدفع سيعود بالتمام: اوروبا، اذا انضمت الى الخطوة الامريكية، ستطلب دفع الثمن بعملة اسرائيلية. في ضوء واشنطن الضعيفة والمشغولة، في ضوء حكومة اسرائيلية ليس لها سند غير الكونغرس الامريكي، يوجد بين الاوروبيين من يشخص فرصة: مقابل المساعدة في منع العزلة الامريكية، في الطريق الى منع العزلة الاسرائيلية، سيطلب الاوروبيون بطاقة دخول مخفضة الثمن للمسيرة السياسية. شبكة مصالح الدول الساعية هذا الاسبوع الى تحسين مواقعه، قبيل النزال في ظهر يوم الجمعة، اكثر تعقيدا مما هو ظاهر للعيان.
يوم الثلاثاء، حين سيرفع الفلسطينيون طلبهم بدولة، سيكون يوم آخر غير ناجح في سنة غير ناجحة لادارة اوباما. بسبب الحاجة المضنية للوقوف الى جانب الحكومة الاسرائيلية التي يصعب على الادارة الامريكية فهمها واحترامها، ولكن بقدر لا يقل عن ذلك ايضا بسبب كتاب الصحافي رون سيسكند الذي يغسل علنا مقتطفات من الثرثرة من داخل البيت الابيض. هذا الكتاب، الذي سينافس ابو مازن على الاهتمام، يهدد باضرام شعلة تسريبات وتسريبات مضادة، فيقضم أكثر فأكثر من صورة الرئيس التي تعرض فيه كمن تسيطر عليه الاحداث بدلا من أن يسيطر عليها.
الضعف المتواصل لواشنطن هو المحفز الاساس للخطوة الفلسطينية في الامم المتحدة. اسرائيل تجرأت على الرفض لادارة اوباما في عدة مفترقات حاسمة، ولكن القيادة الفلسطينية سارت شوطا أبعد بكثير في الاسابيع الاخيرة. حملة المناشدات، الضغوط والتهديدات المبطنة لم تنجح في وقف القافلة المصممة لكبار مسؤولي رام الله في الطريق الى نيويورك. وبالتالي، ليست المسائل المتعلقة بالثمن الذي ستدفعه اسرائيل مقابل الفيتو هي التي يجب أن تطرح، بل أيضا مسائل عسيرة حول الثمن الذي تخطط واشنطن لجبايته من الفلسطينيين على الاستخفاف البارز الذي يظهرونه. اذا كانت للادارة الامريكية رغبة في مواصلة التأثير على المسيرة السياسية، لن يكون أمامها مفر من الاثبات للفلسطينيين بان للصدام مع واشنطن يوجد ثمن.  
لقد أثبت الامريكيون تصميما كهذا عندما انقذوا حياة الحراس الاسرائيليين في القاهرة. وقد أثبتوا بانه على الاقل في كل ما يتعلق بالقيادة المصرية لم ينفد بعد نفوذهم؛ مواساة معينة اذا كان وضع امريكا مع القاهرة كوضعها مع أنقرة، فليست حياة الحراس وحدها كانت ستكون في خطر أكبر، بل وأيضا المصالح الاسرائيلية ثقيلة الوزن المستثمر فيها والمتأثرة بالعلاقات المصرية الاسرائيلية.
إذن كم سيكلف الفيتو الامريكي؟ اذا كان في واشنطن من هو قادر على احتساب الكلفة والمنفعة التي سيستمدها من خطوات الجباية المستقبلية، اذا كان يوجد في الادارة من هو قادر على اجراء الحساب البارد للمصلحة الامريكية، فان ثمن الفيتو لن يربط بالضرورة بالشيكل الاسرائيلي.
في هذه الاثناء يمكن أن نسجل بضع اشارات على تطورات ايجابية في فهم الادارة لمعادلة القوى في الشرق الاوسط: خلافا للجولة السابقة في الامم المتحدة التصويت على القرار المتعلق بالمستوطنات فقد أعلنت هذه المرة الولايات المتحدة في وقت مسبق وبدون تردد بان الفيتو سيستخدم بالفعل.
خلافا للجولات السابقة في اتصالاتها مع اسرائيل، هذه المرة بالتنسيق بين الحكومة والادارة لم تظهر شروخ. على أي حال، امريكا بالفعل مطالبة بالعمل بشكل يجعل من الصعب عليها الاقتراب من العالم العربي ونيل ثقته. غير أن مشكلتها الحقيقية في هذه اللحظة ليست مشكلة ثقة ومشكلة شعبية. فمنذ ثلاث سنوات والرئيس اوباما ينكب على تحسين الصورة الامريكية في الشرق الاوسط، والنتائج غير مشجعة لا له ولا لفريقه.
وبتعبير آخر: كي يعود الفلسطينيون للثقة بالزعامة الامريكية، يجدر بهم في المرة التالية الا يتجرأوا لمواجهة موقفها مثلما يفعلون الان، ينبغي للامريكيين ان يتصرفوا خلافا لغريزتهم: عليهم ان يجبوا ثمن الفيتو في رام الله وليس في القدس. 

السابق
بري دعا الى جلسة عامة الخميس واجتماع للجان النيابية المشتركة غدا
التالي
المرعبي: لعدم تسييس عمل شعبةالمعلومات