السلاح ليس خيار المسيحي اللبناني..

مضت ستة أشهر على اندلاع الثورة في سورية. بعد كل هذا الوقت، يكتشف المرء أن لا موسكو ولا بيجينغ ولا كلّ عواصم العالم تستطيع أن تفعل شيئاً للنظام السوري ما دام الشعب السوري اتخذ قراره. تكمن مشكلة النظام السوري في أنه يرفض استيعاب حقيقة ما يجري. مجرد استقبال الرئيس بشّار الأسد لوزير الدفاع اللبناني في الظروف الراهنة يؤكد أن الرئيس السوري يعيش في عالم آخر لا علاقة له بما يجري حقيقة على الأرض.

تغيّرت الأرض السورية. فالمواجهة الدائرة هي في واقع الأمر مواجهة بين نظام غير قابل للإصلاح من جهة وشعب قرر من جهة أخرى أن يواجه بأكثريته الساحقة وبصدور عارية كلّ المحاولات الهادفة إلى إذلاله. كلّ ما في الأمر أن لا عودة إلى خلف نظراً إلى ان هناك شعباً عظيماً يسعى إلى استعادة كرامته وحريته لا أكثر. وكلّما استعجل النظام السوري في الرحيل، كان ذلك أفضل للسوريين والعرب عموماً وذلك بغض النظر عن مشاربهم الفكرية وانتماءاتهم المذهبية والطائفية…
منذ بداية الثورة الشعبية في سورية، سعى النظام إلى كل أنواع الألاعيب للهرب من الواقع. ظنّ في البداية أن مجرد اتهام النائب اللبناني جمال الجرّاح الذي ينتمي إلى «كتلة المستقبل» و14 آذار بتهريب أسلحة إلى الأراضي السورية سيجيّش السوريين في وجه «المؤامرة». لم ينفع ذلك في شيء مثلما لم ينفع إرسال فلسطينيين في مناسبتين إلى الجولان كي يقتلهم الإسرائيلي، الذي يمارس إرهاب الدولة بدم بارد… فيما العالم يتفرّج!
كذلك لم ينفع التلويح بفتح جبهة الجنوب اللبناني على الرغم من سقوط ضحايا بريئة على تلك الجبهة!

لم ينفع النظام السوري تشكيل «حكومة حزب الله» في لبنان برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي. ولم ينفع حتى الاستعانة بأدوات الأدوات مثل النائب ميشال عون الذي كان قائداً للجيش اللبناني في مرحلة ما وكان انتصاره الوحيد في تاريخه العسكري البائس انتصاراً على اللبنانيين. عون «الاضحوكة»، في رأي موثّق «ويكيليكسيا»، لـ «رجل دولة» اسمه نجيب ميقاتي، هجّر في الماضي أكبر عدد من اللبنانيين من لبنان بفضل حروبه العبثية. كان معظم هؤلاء من المسيحيين الذين لا يفقهون شيئاً في السياسة ولا في الوضع الإقليمي مثل بطريرك الموارنة الجديد بشارة الراعي الذي لم يعد يرى في العام 2011 عدواً للمسيحيين سوى أهل السنّة ولا يرى عيباً في توفير غطاء للسلاح الإيراني في لبنان. هل يعي البطريرك الجديد ما يقوله، أم أن هناك من حشر له في فمه كلاماً سطحياً مسطّحاً يجد نفسه مجبراً على قوله لأسباب يرى بعضهم أنها غامضة، فيما يعتبر بعض آخر أنها أكثر من واضحة!

ربّما كان العامل الوحيد الذي سيطيل من عمر النظام السوري، وسيزيد في الوقت ذاته عذابات الشعب السوري للأسف الشديد، الضغط الذي يمارسه النظام الإيراني على الحكومة التركية. وقد حال هذا الضغط، أقلّه إلى الآن، دون إقامة «منطقة عازلة» على طول الحدود السورية- التركية تشكل ملجأ آمناً للسوريين الهاربين من الاضطهاد. إلى متى ستبقى تركيا قابلة بالضغوط الإيرانية، خصوصاً أن المسؤولين فيها، على رأسهم رئيس الجمهورية عبدالله غول ورئيس الوزراء رجب طيب اردوغان، مقتنعون بأن ما تشهده سورية على الصعيد الداخلي «جزء لا يتجزّأ من الأمن التركي»، وذلك لأسباب عدة بينها أن طول الحدود بين البلدين يزيد على ثمانمئة وخمسين كيلومترا!
عاجلاً أم آجلاً، سيتوجب على تركيا اتخاذ قرار واضح في شأن الوضع السوري. سيتوجب عليها الخروج من حال الضياع والتردد اللذين خلقتهما لنفسها. يمكن أن يساعد ذلك ثوار سورية، أي أكثرية الشعب التائقة إلى الحرية والحياة الكريمة في التخلص من الظلم والظلام والظلامية.

ولكن يبقى أهمّ من ذلك كله أن التاريخ لا يمكن أن يعود إلى خلف وأن الرهان على انهاك الثورة الشعبية في سورية ليس رهاناً في محله بغض النظر عن تشتت المعارضة. كيف يمكن لنظام ما الاستمرار في اخضاع شعب حيّ طوال أكثر من أربعين عاماً علماً بأن هذا النظام لا يمتلك أي وسيلة لحل أي من المشاكل التي تعاني منها سورية. ليس لدى النظام حلّ لمشكلة الحريات أو النمو السكاني والبناء العشوائي ولا للمشاكل الاقتصادية أو الزراعية أو التربوية.
ليس في استطاعة هذا النظام «المقاوم» و«الممانع» لا الذهاب إلى الحرب ولا صنع السلام بدليل إغلاق جبهة الجولان منذ 1974 بفضل اتفاق فصل القوّات الذي توصل إليه هنري كيسينجر. ليس لدى النظام سوى سياسة واحدة تقوم على إلغاء الآخر والاحتماء بإيران وأدواتها من جهة، أو المتاجرة بالفلسطينيين واللبنانيين وكل من تقع يده عليه من جهة أخرى. منذ متى يشكّل الابتزاز سياسة رسمية لدولة ما؟ 
كان لبنان ولا يزال المكان الأفضل الذي يسمح بمعرفة حقيقة هذا النظام السوري الذي لم يفعل شيئاً منذ ما قبل العام 1970 سوى إغراق الوطن الصغير بالأسلحة. لم يكن مهماً إلى من تذهب الأسلحة ما دام المطلوب تدمير مؤسسات الدولة اللبنانية والقضاء على كل ما هو حضاري في البلد وإيجاد الانقسامات بين طوائفه، وتحويل المسيحيين إلى أهل ذمّة عبر اغتيال قادتهم الواحد تلو الآخر وتدمير قراهم وتهجيرهم من أحياء معيّنة في مدن معيّنة. الأكيد أن السلاح الإيراني ليس خيار المسيحي اللبناني نظراً إلى أن السلاح غير الشرعي لم يجرّ عليه سوى الويلات…

كان مطلوباً دائماً أن يكون لبنان ورقة سورية لا اكثر. مشكلة النظام السوري أنه لم يدر أن البلد صار ورقة إيرانية منذ اضطر إلى الانسحاب منه عسكرياً وأمنياً اثر اغتيال رفيق الحريري ورفاقه في فبراير من العام 2005.
صمد اللبنانيون. انهم يقاومون السلاح الإيراني مثلما قاوموا قبل ذلك السلاح الفلسطيني الذي فرضه اتفاق القاهرة في العام 1969. لا يحتاج لبنان في العام 2011 إلى أدوات من أي نوع كان توفّر غطاء للسلاح الإيراني. كل ما يحتاجه هو رجال دولة يقفون مع ثورة الشعب السوري نظراً إلى أنها تمثّل حركة التاريخ. مثلما سقط النظام في تشيكوسلوفاكيا وبولندا والمانيا الشرقية ورومانيا اثر انهيار جدار برلين، سيسقط النظام السوري.
يحتاج لبنان هذه الأيام إلى رجال دولة يعرفون تماماً أن الموضوع ليس موضوع وقوف المسيحي مع أهل السنّة أو مع الشيعة وأن ذلك ليس خياراً. الخيار الوحيد أمام المسيحي اللبناني، المؤمن بالعروبة الحضارية، وليس بوهم تحالف الأقليات المضحك- المبكي المكمل للمشروع الإسرائيلي، هو الوقوف مع الدولة ومع بناء مؤسساتها.

لا شيء يحمي اللبناني، بغض النظر عن طائفته أو مذهبه سوى الدولة. وترجمة ذلك رفض أي سلاح غير شرعي مثل سلاح «حزب الله» الذي لا يخدم سوى المشروع المذهبي الإيراني الذي يسيء إلى الشيعة أولاً، نظراً إلى أن في أساسه تهجير مسيحيي لبنان ودروزه من أرضهم في غياب قدرته على الدخول في مواجهة مباشرة مع السنّة. إنه يكتفي، في الوقت الراهن، باختراقات هنا وهناك وهنالك بهدف اخضاع السنّة عسكرياً على غرار ما حصل في بيروت في مايو من العام 2008 وقبل ذلك بأعوام عدة! انه مشروع إقليمي من دون أفق انتهى مع انتهاء النظام السوري اليوم أو غداً أو بعد غد! 

السابق
الانباء: 14 آذار تحمل على منصور: ناطق باسم النظام السوري
التالي
الراعي في مواجهة الفتنة