هل لبنان محصّنٌ بما يكفي ضد الافلاس ام هو على طريق اليونان؟

في الأوساط الاقتصادية يُطرح في هذه الايام السؤال التالي: هل ان لبنان محصّنٌ بما يكفي ضد الافلاس؟ وهل أوضاع الدولة عندنا أفضل من أوضاع اليونان المهدّدة باعلان افلاسها اذا لم تبادّر المجموعة الاوروبية الى انقاذها؟ ومَن هي الجهة التي قد تتبرّع بانقاذنا اذا وصلنا الى هذا الدرك؟

هذه التساؤلات ترتكز، وفق الأوساط الاقتصادية، على مؤشرات وحقائق وأرقام، اذ لا يكفي ان نتحدّث عمّا يُسمّى أعجوبة لبنانية ونصدّق هذا النوع من الخرافات، لكي يكون البلد بخير. وما اتُفق على تسميته اعجوبة، ناتج في الواقع عن ورقة ذهبية يُمسك بها لبنان، تتعلق باللبنانيين المنتشرين في الخارج، والذين يؤمنون تدفّق الاموال لتمويل الدولة، وتحسين معيشة المقيمين. وقد أظهرت الاحصاءات ان هذه التحويلات بلغت حوالي 8 مليارات دولار في العام 2010، اي ما نسبته 24 في المئة من مجموع الناتج المحلي الذي يقارب الـ35 مليار دولار.

تنقسم تحويلات اللبنانيين في الخارج الى قسمين: قسم يذهب لدعم المقيمين، وهذا المال يتم انفاقه في العادة، ويساهم بتحريك الدورة الاقتصادية بشكل عام. وقسم آخر يتحوّل الى ودائع في المصارف، ويتمّ استخدامه من قبل المصارف لمواصلة تمويل الدولة وتغطية العجز السنوي في الخزينة ومنع الانهيار.

في المقابل، تواجه الدولة منذ سنوات، أزمة نمو الدين العام الى مستويات قياسية، وقد وصل هذا الدين الى نسبة 180 في المئة من الناتج المحلي، وهي من اعلى النسب في العالم، وتمثل وفق معايير السلامة المالية، وصول البلد الى حافة الانهيار. وقد عمدت السلطات في حينه، الى تنفيذ خطة لتصغير حجم الدين العام، من خلال تكبير حجم الاقتصاد، بعدما تبين ان امكانية خفض النفقات صارت محدودة جدا، لأن فوائد الدين ورواتب الموظفين في القطاع العام، تستهلك اكثر من 80 في المئة من الموازنة. بما يعني ان تقليص الانفاق ينبغي ان يتمّ من نسبة الـ20 في المئة المتبقية. هذه النسبة يصعب تقليص الانفاق فيها، لأنها مخصّصة لتسيير شؤون الدولة في الحدّ الادنى المقبول.

نجحت خطة تكبير حجم الاقتصاد نسبياً، وتراجع مستوى الدين العام قياساً بالناتج المحلي الى حوالي 140 في المئة. وكان يُفترض ان يستمر تنفيذ الخطة لمواصلة هذا الخفض. ومن المعروف ان النسبة المقبولة عالمياً، ووفق معايير علم الاقتصاد هي 60 في المئة كحد اقصى. وكان لبنان يحتاج الى خمس او ست سنوات اضافية لكي يقترب من هذه النسبة.

لكن الوضع تغيّر منذ بداية هذا العام. ومستوى النمو الذي تجاوز الـ9 في المئة العام 2009، ووصل الى 8 في المئة العام 2010، سوف يتراجع الى ما دون الـ 2 في المئة في العام 2011. هذه النسبة تؤشر الى عودة الاوضاع المالية العامة في البلد، الى دائرة الخطر.

في المقابل، تبدو الحكومة عاجزة عن وضع سقف للنفقات لتخفيف صدمة تراجع النمو. وقد أظهرت نتائج المالية العامة في النصف الاول من العام الجاري زيادة في النفقات. بما يعني ان حجم الدين العام مؤهل للارتفاع نهاية 2011 قياساً الى الناتج المحلي.

 مخاطر اضافية
في هذا الوضع الحسّاس، تأتي خطة الكهرباء لتزيد في المخاطر المالية في البلد. وفق الخطة، هناك مبلغ مليار و200 مليون دولار سيتم اقتراضها من قبل الدولة، على مدى سنوات لتمويل المشروع، بما يعني اقتراض 300 مليون دولار سنويا، مما سيؤدي حتما الى زيادة العجز. وفي موازاة ذلك، فان تأمين التيار لمدة أطول، سيزيد في نفقات مؤسسة الكهرباء بما يقارب المليار دولار سنوياً، اذا بقيت تسعيرة الكهرباء على حالها. وهذا يعني ان الدين العام قد يشهد تضخماً سريعاً في الاعوام الاربع المقبلة في موازاة استمرار الركود وتراجع نسب النمو. وفي هذه الحالة ستصبح أوضاع المالية العامة في خطر، ولن يكون من المبالغة الحديث عن احتمال افلاس الدولة، بحيث تصبح عاجزة عن دفع التزاماتها.

اذا أُضيف الى هذا الوضع عامل التضخُّم وغلاء المعيشة الذي بلغت نسبته سقفاً مرتفعاً، وهو موضع خلاف في تقدير حجمه بين أرباب العمل والعمال، فان ذلك يُفضي الى خيارين يواجهان الحكومة: اما زيادة الاجور او تصحيحها، وفق المفهوم الأدق، لاعطاء العمال نسب زيادة توازي التضخُّم وتعيد إليهم القدرة الشرائية، وأما الامتناع عن تصحيح الاجور، والمجازفة بثورة اجتماعية واستمرار الركود بسبب تراجع القدرة الشرائية للمستهلك.

في الحالتين، يواجه البلد أزمة صعبة. وهو بالتالي لن يكون محصّناً ضد الافلاس. واذا كانت تحويلات اللبنانيين في الخارج الى عائلاتهم ستستمر، فان تحويلات اللبنانيين الى المصارف اللبنانية قد تتوقف او تتراجع الى مستويات دنيا، اذا شعروا ان الدولة قد تعجز عن تسديد التزاماتها المالية، لأن الثقة تنهار، ولن تكون المصارف قادرة وحدها على استعادة هذه الثقة. ذلك ان مصير المصارف مرتبط عملياً بمصير المالية العامة للدولة. واذا كانت المصارف قد خضعت لتجربة ضغط وقامت بما يشبه المناورة في الخطط العسكرية، لمعرفة قدرتها على تحمل اية صدمة من جراء تفاقم الاوضاع في سوريا، ونجحت في هذه التجارب، فانها اذا أخضعت نفسها لتجربة ضغط تتعلق بمعرفة النتائج المترتبة من افلاس الدولة، فهي حتماً ستفشل وستُظهر المناورة، بما لا يقبل الشك، ان المصارف ستنهار بانهيار الدولة.

انطلاقاً من هذه المخاوف، يسود القلق الأوساط الاقتصادية والمصرفية، وهي تراقب ما يجري في المنطقة والعالم من أزمات خطيرة، في حين تستمر الحكومة اللبنانية في سياسة الغيبوبة، وكأنها في عالم آخر. هذه الغيبوبة قد توصل البلد الى الانهيار، اذا ما استمرت لفترة أطول. 

السابق
حوري:الحكومة ملزمة بتمويل المحكمة وأي خيار آخر سيأخذ لبنان إلى المجهول
التالي
قباني: لتطابق مشروع قانون الكهرباء مع قرارات مجلس الوزراء