ميقاتي ـالحريري: أين يفترقان وأين يتشابهان؟

يتساءل بعض صقور الأكثرية في مجالسهم الخاصة، بعد مرور حوالى ثلاثة أشهر من التعايش مع الرئيس نجيب ميقاتي كرئيس للحكومة، عما إذا كان اختياره، قرارا صائبا حقق الأهداف السياسية التي كانت مرسومة لمرحلة ما بعد سعد الحريري، ام ان هذه الأكثرية «أكلت الضرب». ويعتبر هؤلاء ان هذا التساؤل يكتسب شرعيته من سلوك ميقاتي الذي أوحى، حتى الآن، بانه يشكل امتدادا لحقبة الحريري، بل لعله «تفوق» عليه أحيانا، كما يتبين برأيهم من خلال الأمثلة الآتية:
ـ يلتزم ميقاتي باحترام المحكمة الدولية ويتعهد علنا بتسديد حصة لبنان فيها، علما بأن «حزب الله» يعتبرها إسرائيلية – أميركية، ويرى الرئيس نبيه بري والعماد ميشال عون انها غير دستورية لتجاوزها في مراحلها التأسيسية مجلس النواب ورئاسة الجمهورية. والمفارقة، وفقا للمتسائلين، ان الحريري كان قد أبدى في المقابل استعدادا لإلغاء بروتوكول المحكمة ووقف تمويلها وسحب القضاة اللبنانيين منها، وإن يكن الخلاف على أشياء أخرى قد عطّل الاتفاق لاحقا.
ـ ينأى ميقاتي بنفسه عن الخوض في ملف شهود الزور على طاولة مجلس الوزراء، برغم أهمية هذا الملف الذي كان أحد الأسباب الرئيسية الكامنة خلف قرار تحالف 8 آذار إسقاط حكومة الحريري، بعدما رفضت الأكثرية الوزارية السابقة إحالة هذه القضية على المجلس العدلي.
ـ يحمي ميقاتي الرموز الامنية والقضائية والادارية المحسوبة على سعد الحريري داخل الدولة، ويعتبرهم من الأوادم وأصحاب الكفاءة، خلافا لرأي عون الذي يتهمهم بالفساد ومخالفة القوانين، وهو موقف يشاركه فيه أيضا «حزب الله» وإن يكن الأخير يتجنب التعبير عنه بشكل علني، تجنبا لزيادة الاحتقان المذهبي وتفاديا لإحراج رئيس الحكومة في بيئته.
ـ يبالغ ميقاتي في التمسك بما يعتبرها «صلاحياته الدستورية» كرئيس لمجلس الوزراء، وهذا ما تجلى بوضوح خلال فترة التفاوض على تشكيل الحكومة الحالية ثم أثناء نقاش خطة الكهرباء التي أصر على تعديلها، في حين ان الحريري بدا على أيامه أكثر مرونة وأقل حساسية.
ـ يتشدد ميقاتي في مواقفه من مطالب شركائه الجدد في السلطة، مفترضا ان رصيده الحالي داخل الطائفة السنية، لا يؤهله للتبرع بتنازلات للآخرين، بل بالكاد يؤمن له «الاكتفاء الذاتي»، بينما كان الحريري المستند الى شعبية أوسع يملك هامشا أكبر لتقديم التنازلات، وتسويقها، وتحمل كلفتها.
هل يبرر ما سبق الإحساس السائد لدى بعض اتجاهات الاكثرية بخيبة الأمل حيال ميقاتي؟
ترى أوساط بارزة في الأكثرية الحاكمة ان قراءة «المحبطين» ليست دقيقة، لافتة الانتباه الى ان الدلالة الأولى لخصوصية اداء ميقاتي هي ان الحكومة ليست تابعة لـ«حزب الله»، كما يروّج فريق 14آذار، بل تحوي مزيجا من قوى وكتل متعددة المشارب، تعطي الأولوية للنقاش والتفاهم حول النقاط الخلافية، فإذا تعذر ذلك فلا بد في نهاية المطاف من الاحتكام الى الآلية الدستورية التي لحظها اتفاق الطائف لحسم الخلافات والمتمثلة في التصويت داخل مجلس الوزراء، وهذا ما يمكن ان يحصل مع بند تمويل المحكمة إذا تعذر التوافق حول كيفية مقاربته، لا سيما ان «حزب الله» ليس بوارد ان يوافق طوعا على ان تمنح الحكومة التي يشارك فيها أي شرعية لهذه المحكمة، سواء مباشرة أم مداورة.
والدلالة الثانية لتمايزات ميقاتي، برأي الأوساط البارزة في الأكثرية، هي انه ثبت بالوجه الشرعي ان الرجل لم يقدم للحزب عندما قرر دعم ترشيحه الى رئاسة الحكومة، أي التزامات مسبقة بالتنصل من المحكمة خلافا للاتهامات التي سيقت ضده بعد تكليفه.
وإذ تشير الاوساط الى ان هناك خلافا فعليا بين ميقاتي وبعض مكونات حكومته حول كيفية مقاربة مسألة التمويل، إلا انها تلفت الانتباه الى ان خلفيات موقفه الداعم للمحكمة الدولية تختلف جذريا عن تلك التي كانت تتحكم بسلوك سعد الحريري أثناء وجوده في السلطة. 
وفي معاينة للفوارق بين الرجلين، تعتبر الأوساط ان الحريري شكّل خلال وجوده في السلطة جزءا عضويا من مشروع أميركي لاستهداف المقاومة، أراد استخدام المحكمة كأداة للضغط عليها، ولأن الحريري كان منخرطا في هذا المشروع فهو لم يستطع ان يقطع الأمتار الأخيرة من الطريق المؤدية الى التسوية التي كادت تولد، لو لم يتم إجهاضها في اللحظة الحاسمة.
أما ميقاتي، فليس جزءا من منظومة أميركية للنيل من المقاومة، كما تؤكد الأوساط التي ترى ان التزامه بالمحكمة عائد بالدرجة الأولى الى رغبته في مراعاة المزاج العام للشارع السني وعدم إغضاب المجتمع الدولي. وما يجدر التوقف امامه – بحسب تقديرها- هو ان ميقاتي قدم التزاما واحدا الى «حزب الله»، عشية تكليفه، يتصل بحماية المقاومة، وهذا يكفي للوثوق به، من دون تجاهل التباينات القائمة بينه وبين قوى الاكثرية حول بقية المسائل.
ومن الفوارق ايضا، تبعا لتشخيص الأوساط البارزة في الأكثرية، ان الحريري سعى الى توظيف الأكثرية الوزارية التي كان يملكها في حكومته لإبقاء فريق 8 آذار في موقع دفاعي، في حين ان الاكثرية في الحكومة الحالية هي بيد تحالف ميشال عون – «حزب الله» – «أمل»، الأمر الذي يتيح لها هامشا واسعا للحركة.
وتلفت الأوساط الانتباه الى ان الخلاف مع الحريري لم يكن ينحصر أصلا في قضية المحكمة او المقاومة، وإنما تعداهما الى جوانب أخرى، مشددة على انه كانت هناك أزمة ثقة عميقة بينه وبين فريق 8 آذار، جعلت من المستحيل استمرار التعاون معه، لا سيما بعدما تبين انه يقول شيئا ويفعل شيئا آخر، أو يلتزم بكلمة ثم يتراجع عنها.
وتخلص الأوساط الى التأكيد ان حكومة ميقاتي أقوى مما يعتقد الكثيرون، والتمايزات بين رئيسها ومكوناتها لن تؤدي الى تفجيرها من الداخل.
 

السابق
نهاية إسرائيل في مصر
التالي
انقطعت الكهرباء فلم ير عروس المستقبل!