حادثة مجهولة المعالم: قتل والدته وإخوته الخمسة…وانتحر؟

أربع جثث. جثتان. جثة واحدة. هكذا توزّعت سبع جثث في غرف منزل تحول إلى مسرح جريمة مساء أمس. الجثث السبع تعود لأفراد عائلة واحدة يشتبه في أن هادي، الابن البكر، هو قاتلها. هكذا رجّح المحققون. ومن دون سابق إنذار، أُفنيت عائلة عن بكرة أبيها، باستثناء الوالد، علي الحاج ديب، الذي شاء القدر أن يبقى ليُفجع بفلذات أكباده في ليلة واحدة. علي لم يكن يعلم ماذا ينتظره أمس. عاد من بلدته عرمتى، قضاء جزين، حيث كان في زيارة ذويه. فتح باب منزله واختبر أفظع ما يمكن أن يتخيّله عقل. اكتشف الجريمة. وأيّ جريمة! وجد الجميع قتلى. جُثث لا حياة فيها. رفيقة دربه وأبناؤه غارقون في دمائهم. لم ينجُ أحدٌ منهم. حتى ابنته الصغرى اخترقت جسدها الناعم طلقة نارية أو أكثر. من يدري ماذا مرّ في بال علي في تلك اللحظة؟ هل صدّق ما رأته عيناه؟ هل تمالكت قدماه قواهما؟ قرب أي جثة ركع وأيّها احتضن؟
كانت جثة زوجته وجثث أولاده الثلاثة في الصالون. أما جثث بناته فتوزعن بين غرفتين؛ اثنتان في غرفة والثالثة في غرفة لوحدها (أكبر الأشقاء 23 عاماً والوالدة 55 عاماً). الإصابات توزعت في أماكن مختلفة من أجساد الضحايا، لكنها كانت قاتلة. الغريب أن أحداً من الجيران لم يلحظ أو يسمع شيئاً. ارتكب المجرم جريمته بهذا الهدوء. صوّب وشد الزناد وأطلق النار من دون أن يعبأ بأحد. كيف يُعقل أن يُقتل سبعة أشخاص بطلقات نارية، في حي مكتظ بالسكان، من دون أن ينتبه أحدٌ لذلك.
الغموض يلف الجريمة، هكذا وصف معظم الأمنيين الحال. كان هناك شبه إجماع بأن أحداً لم يسمع شيئاً، لكن مسؤولاً أمنياً ذكر لـنا أن بعض الجيران أفادوا بأنهم سمعوا أصوات إطلاق نار متقطعة، لكنها لم تكن واضحة. وصف هؤلاء أصوات الطلقات التي سمعوها بـ«العميقة». يشير المسؤول الأمني إلى أن القاتل أغلق جميع منافذ المنزل تحسّباً لذلك.

لم يشاهد أحدٌ الوالد بعد دخوله إلى المنزل. بقي هناك مع عائلته طوال ساعات تجاوزت الأربع. يذكر أمنيون أنه كان متماسكاً نسبةً إلى هول الفجيعة، لكن تماسك المفجوع لم ينعكس على أكثر من مسؤول أمني. يروي أحدهم تأثّره بمنظر جثة صبي، لمّا يتجاوز الرابعة عشرة، وُجدت تحت طاولة. يعيد المسؤول المذكور تركيب المشهد في مخيلته. يخمّن أن الصبي حاول الاختباء، لكن القاتل وصل إليه. أسكت أنفاسه برصاصة مخنوقة. يحكي المسؤول عن قشعريرة سرت في بدنه لدى تخيله تمسّك الصبي بحياة لم يختبر منها شيئاً، لكنها انتُزعت منه لأسبابٍ مجهولة. يتخيل أنه سمعه يصرخ قبل أن يموت.
دوافع الجريمة لا تزال مجهولة. أهالي الحي يجمعون على أن العائلة كانت بسيطة جداً. يقطنون منذ مدة طويلة في الطبقة الثانية من المبنى. يملك الوالد فرناً لبيع المعجنات على بعد رمية حجر من منزله. أما المشتبه فيه، الابن هادي (25 عاماً )، فيؤكد من عرفه بأنه كان «درويشاً». صفة تُطلق على طيبي القلب. من جهة ثانية، يذكر جيران آخرون أنه كان منطوياً على نفسه، لا بل غريب الأطوار في بعض الأحيان. يشير هؤلاء إلى أنهم لم يروه يوماً مع صديق له. معلومات استند إليها المحققون للاشتباه في أن يكون هو من ارتكب الجريمة قبل أن ينتحر. قرائن أُضيفت إلى الوضعية التي عثروا فيها على جثته. فقد كان جالساً على كرسي والدم يخرج من فجوة في رأسه من الخلف. يرجح مسؤول أمني أنه قد وضع فوّهة البندقية الأوتوماتيكية في فمه، قبل أن يضغط على الزناد ويضع حداً لحياته. فرضية لم يؤكدها المحققون، الذين لم يستبعدوا أن تكون هناك احتمالات أخرى.

وتحدث مسؤول أمني عن مشاكل مالية تواجه العائلة، وأشار إلى وجود خلافات عائلية، لافتاً إلى أن الوالد كان مختلفاً مع أشقائه منذ مدة طويلة. المسؤول نفسه أكد أن جميع المعلومات المتناقلة لا تزال في إطار التكهنات، بانتظار أن يحسم التحقيق المسألة.

  

السابق
الحجار: علامات استفهام كبيرة بشأن خطة الكهرباء
التالي
محمود درويش: مِنْعة الرَّمز وفَيْضُه