العمل من أجل العودة

يتوزعون على بقاع الأرض. يبدّلون بلدانا، ويبقى الوطن في قلوبهم. قد تتغير سماتهم ولهجاتهم بحسب الأرض التي يقطنونها، إلا أنهم وعند السؤال، بكل فخر يجيبون: فلسطينيون.
فلسطين، الجرح الذي لا يتوقف عن النزف. يغيب ويظهر، إلا انه لا يختفي. اليوم، بعد انتفاض الشعوب العربية لنيل حرياتها لم تعد أخبار فلسطين تتصدر الواجهة، غير أنها لم تغب عن البال، بل إن حضورها صار أقوى: «لم ننس فلسطين، إلا أننا مشغولون بجراحنا»، أو: «سنحرر أنفسنا ونأتي إليك». ربما تكون هي نفسها الحلم والغاية لشعب مقاوم والذريعة لأنظمة قمعية تحاول استغلال القضية كورقة تتذرع بها لبقائها في الحكم.
الملتقى الوطني السادس للشباب الفلسطيني، كان تحت عنوان «معا رغم الحدود». في ربوع لبنان، ولمدة خمسة أيام متتالية، التقت مجموعة من اللاجئين الفلسطينيين من مختلف الدول العربية. أولى جلسات الملتقى كانت للتحدث عن الثورات العربية والمسببات التي أدت إلى قيامها: من الفساد المتفشي والبطالة المنتشرة بكثرة، إلى الشعب الذي أراد أن يكون له دور في الحكم.
المشاركون في الملتقى اتفقوا على أن قضية فلسطين كانت عاملا مؤثرا، خاصة في ظل الأنظمة العربية المتآمرة. كما كان للمشاركين ملاحظات حول التدخل الخارجي واستغلاله للثورات نظرا لضعف المعارضة. وفي سياق النقاش ملاحظات ركّزت على أن الدعم الخارجي للأنظمة العربية ليس وليد اللحظة، بل إنه قائم منذ زمن. عدا عن أن استبداد الأنظمة هذه هو ما دفع الشعوب للاستنجاد بالخارج.
الشعارات التي رفعت في الثورات احتلّت حيزا من النقاشات التي دارت في جلسات الملتقى. البعض رأى أن هناك ضعفا في الشعارات التي حصرت بالطابع الإنساني والمطالب المعيشية والاجتماعية، ولم ترتق إلى مطالب سياسية قومية. وهذه المسألة أثارت وتثير النقاش حول مدى ارتباط القضية الفلسطينية والمقاومة بتحقيق الحرية والعدالة والتنمية في المجتمعات العربية.
وناقش المشاركون أساليب الأنظمة القمعية وكيفية تعاملها مع الحراك الشعبي، من محاولات تشويه صورة المتظاهرين ونشر الإشاعات وزرع الفتنة بين المتظاهرين إلى الوسائل التي المتبعة في إرهاب الشعب. أساليب وجد فيها البعض سببا رئيسيا لتفاقم الأحداث والإصرار على تحقيق المطالب. وفي السياق أيضا نقاش لدور الإعلام الرسمي العربي الذي تخلى عن الموضوعية وعن الاهتمام بمصالح الشعوب بصالح الدفاع المستميت عن الأنظمة.
وبما أن الثورات ما زالت مستمرة، فإن حالها اليوم أخذ جانبا من نقاش المشاركين الذين تباينت آراؤهم حول مستقبلها. منهم من كان متشائما، والبعض الآخر رأى ضرورة منح الشعوب فرصة، لأن التغيير لا يمكن أن يحصل بين ليلة وضحاها. في النهاية اتفقوا على أن الثورات لم تنته في أي من البلدان التي استطاعت إسقاط النظام، بل إنها بدأت لتوها. إلا أن كثيرين لم يستطيعوا إخفاء قلقهم حيال المصير المجهول الذي يمكن أن تؤول إليه حال الثورات، خصوصا أن هناك محاولات مستمرة لإجهاضها.
عن موقع فلسطين من الحراك الشعبي، اختلفت آراء المشاركين وفقا لاختلاف الظروف في البلاد التي يتواجدون فيها:  
في الأردن يغيّب الفلسطينيون، وأي تحرك لهم يمكن أن يحدث انقساما في الشارع. منحهم الجنسية الأردنية أثر سلبا برأي البعض، مما اضطرهم إلى تغيير برامجهم السياسية بشكل يتوافق مع شروط برامج الحكومة الأردنية، فانخفضت عملية التوعية الوطنية التي كانت سائدة من قبل. يوم العودة بتاريخ 15 أيار، ظهرت خطورة المواجهة وصعوبتها. ففي حين أن على الدولة الأردنية أن تكون داعمة لموقف اللاجئين الذين أرادوا التوجه نحو فلسطين، أرسلت قوى الأمن لتقف لهم بالمرصاد.
أما في سوريا فلا يواجه الناشطون الفلسطينيون أي مصاعب، ما دام حراكهم لا يتطرق إلى السياستين الداخلية والخارجية للنظام. حول أحداث 15 أيار و5 حزيران كثرت تأويلات المشاركين. البعض رأى أن هناك ظلما لحق بالشهداء والجرحى الذين استغلهم النظام السوري ليبعد نظر العالم عن الانتفاضة الشعبية ضده.
في الجزائر، أثناء الحرب على غزة في أواخر عام 2009، وحين منعت التظاهرات والتجمعات في الشوارع، انتفض الشباب الجزائري لدعم غزّة من دون أن ينتظر موافقة على تحركاته. فكان نزوله إلى الشارع من دون ترخيص خطوة لكسر قانون الطوارئ.
في لبنان، إمكانات محدودة للتحرك، في ظل غياب منظمة التحرير وعدم توفر الحقوق المدنية التي هي من أصعب ما يواجهه الفلسطيني هنا، إضافة إلى الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي يعيشها. أما في الضفة الغربية وغزّة فما يعيشه الفلسطينيون مختلف عما هو في الدول العربية. ففي أرضهم عليهم أن يواجهوا إلى العدو الإسرائيلي عداء السلطة التي تقوم بقمع المبادرات الشبابية.
حول بناء دولة فلسطين ما بين حدود العام 1967 والعام 1948، فتنوّعت الآراء والهدف واحد. منهم من قبل بالأولى كبداية لتحرير بقية التراب الفلسطيني، ومنهم من رفض القبول إلا بالحدود الكاملة رفضا لأي تنازلات وألاعيب تمارس عليهم، رافضين أيضا أي مفاوضات ممكنة خوفا من وطن بديل. المشاركون أبدوا امتعاضهم حيال المبادرات التي ترسم لهم ويتحملون هم فشلها. وأوضحوا أنهم ليسوا بحقل تجارب، مصرين على أن من حقهم هم فقط أن يتشاركوا لصنع قراراتهم وشكل دولتهم وتقرير مصيرهم بأنفسهم.
وبعيدا عما يواجهونه مع العدو الذي اغتصب أرضهم، يحمل المشاركون في صدورهم قهرا ونقمة على الانقسام الحاصل بين فتح وحماس، وإن اختلفوا في قراءة الأسباب. لكن هؤلاء اجمعوا أن الفلسطينيين دخلوا مرحلة جديدة بعد 15 أيار و5 حزيران. فاهتمامهم اليوم لم يعد عنوانه حق العودة، بل تغير ليصبح: العمل من أجل العودة. 

السابق
ما هو اختصاصك؟
التالي
لبنان الدولي أمام أسئلة محرج في نيويورك ولبنان المحلي غارق في أزماته… بلا حرَج