التعليم جنوباً(5): إميل اسكندرعن الانحراف خارج الهدف

يبدو أن انحرافاً قد طرأ على الهدف الذي رسمته المؤسسات الدينية لنفسها عند افتتاح مدارس لها ويتبين ذلك من خلال الخلل في بعض الجوانب التربوية التي تقوم عليها سياسة هذه المدارس، ولعل التجربة الطويلة للمدير السابق لمدرسة دير المخلص إميل اسكندر تتيح له تلمس هذه الثغرات والإخفاقات وإظهار آثارها السلبية على المجتمع بشكل عام.

مؤسسات ذات ارتباط خارجي
يقول اسكندر: "بداية، يمكن التمييز بين نوعين من المدارس التي ترعاها مؤسسات دينية. النوع الأول المرتبط بجهات أجنبية مثل مدارس اللعازارية، الفرير، الإنجيلية" اليسوعية وغيرها… وهي مؤسسات انطلقت منذ مطلع القرن التاسع عشرباعتماد التعليم والتبشير الديني في آن واحد دون أن ننسى الدور التربوي الذي اضطلعت بها هذه المؤسسات والذي ساهم برفع مستوى التعليم الأكاديمي في لبنان عبر مسيرتها التربوية الطويلة التي أعطت للوطن أجيالاً من خيرة أبنائه.

مؤسسات محلية
ويضيف اسكندر: "النوع الثاني يتعلق بمؤسسات تعليمية ذات خلفية وطنية مثل مدارس الرهبانيات والأبرشيات التي بدأت عملها باستقبال طلاب إكليركيين يطلبون درجة الكهنوت، لتتوسع لاحقا وتستقبل طلاباً من طوائف مختلفة التحقوا بها بقصد تحصيل العلم فحسب، مثل مدرسة دير المخلص، مدرسة دير مشموشة، مدرسة قدموس وغيرها من المدارس المنتشرة في مناطق الجنوب… وهي مدارس لم تكن تبغي الربح في الأساس بل الإسهام في العمل التربوي ولها سجل حافل بالعطاء حيث علّم فيها مشاهير من الأدباء والمفكرين كما تخرج منها طلاب تبوأوا أعلى المناصب في الدولة".

الواقع الحالي
يوضح اسكندر أهمية الدور الذي تلعبه هذه المدارس على الصعيد التعليمي من خلال "رفع المستوى التعليمي بسبب كفاءة الكادرات الإدارية والتربوية العاملة في هذه المؤسسات، ويظهر ذلك جلياً في مرحلتي الروضة والأساسي حيث تعتمد أفضل الطرق التربوية بالإضافة إلى اختيار العنصر البشري من اداريين ومعلمين وتوفير الدورات التدريبية اللازمة".
 
ويزيد "لكن يبدو أن هذه المؤسسات صارت في حالة تنافس، ليس من أجل رفع المستوى التعليمي وحسب، إنما أيضا من أجل زيادة الأرباح على حساب المستوى في بعض الحالات، من خلال رفع الأقساط المدرسية باستمرار والإستفادة من مساعدات وزارة الشؤون الإجتماعية أو من هبات أخرى تأتي من مؤسسات أجنبية معينة مما أتاح للتعليم الخاص أن يزدهر ويبلغ مستوى يفوق التعليم الرسمي في بعض المراحل وإن كان هذا الأخير قد حصد نتائج باهرة في المرحلتين الثانوية والجامعية".

المشكلة
ويعتقد اسكندر أن الإشكالية الحقيقية لأزمة التعليم تكمن في طرح نوعية التربية من ضمن الصيغة اللبنانية القائمة على التعدد. وبالتالي يصير السؤال البديهي: هل تمتلك المؤسسات التربوية في القطاع الخاص خطة واضحة لتدعيم العيش المشترك؟ وكيف يتم التوجه إلى الطلاب وإلى ذويهم في هذه المدارس؟".
ويرى اسكندر أن هذه المؤسسات تفتقر إلى هكذا خطة . " من الواضح أن المدارس لا تضع في سلم أولوياتها مثل هذه السياسة، إن من حيث البرامج أو النشاطات أو من حيث اختيار المعلمين والإداريين، مما يسيء في أحيان كثيرة إلى رسالتها وإلى الطوائف التي تنتمي إليها، وخصوصا أنه على هذه المدارس أن تحترم ما جاء في الدستور اللبناني بشأن احترام الآخر، وعدم المس بالمعتقدات الأخرى".

ويختم اسكندر حديثه بالإشارة إلى أن الإنزلاق إلى الذهنية التجارية في العمل التربوي من خلال التوسع في زيادة عدد الطلاب واعتماد الآلية الزبائنية التي تتوخى الربح المادي عن طريق رفع الأقساط سنوياً بطرق غير مدروسة لا تراعي الأوضاع المعيشية المتدهورة للطبقات المتوسطة والفقيرة تحت ستار من التنسيق الشكلي مع لجان الأهل التي تكون غالباً في خدمة إدارة المدرسة؛ هذه السياسة لا يمكن أن تؤسس لمستقبل تربوي زاهر مع الإشارة إلى أن التعليم الخاص في لبنان أسهم ويسهم بشكل فاعل في رفع مستوى التعليم مع الحاجة الماسة إلى رقابة وطنية تفرض على المدارس لكي تكون في خدمة الإنسان أولاً ولكي تسهم في بناء أجيال جديدة تنتمي للوطن بالدرجة الأولى وليس للطوائف والمذاهب على حساب وحدة الوطن أرضاً وشعباً ومؤسسات وهذا ما يدفعنا إلى لوم الدولة على تقاعسها الدائم في رعاية المدرسة الرسمية التي يجب أن تكون الركيزة الأساسية في قطاع التربية والتعليم. 

السابق
مشكلة المدارس ..
التالي
بيضون: دور بري انتهى !!