وقوع سوريا في الفراغ خطرٌ على إيران!

القوة الاقليمية المهمة الثالثة، وهي الجمهورية الاسلامية الايرانية، تمارس ومنذ قيامها عام 1979 دوراً مباشراً واساسياً في سوريا الاسد. فأيام الرئيس الراحل حافظ الاسد استفادت هذه القوة من خروجه على الإجماع العربي ضدها، ومن وقوفه معها في مواجهة غزو عراق صدام حسين اراضيها، ولاحقاً في مساعدتها على تركيز اوضاعها في المنطقة، بل على تنفيذ "اجندتها" الاقليمية الطموحة والواسعة التي كان شريكاً اساسياً فيها. وبادلت هذه الـ"سوريا" بالمثل، اذ حصل تعاون سياسي واقتصادي ونفطي وعسكري وأمني افادت منه الدولتان، وتمكنتا بواسطته من التحول محوراً قوياً وخطراً على جهات ومصالح عدة اقليمية ودولية، وقادراً على استقطاب دول ومنظمات و"شعوب"، وفي الوقت نفسه على تهديد دول وأنظمة وشعوب ومصالح. هذا الدور الايراني استمر ايام الخلف الرئيس بشار الاسد، بل تعمَّق بسبب التغييرات والتطورات الكثيرة التي شهدتها المنطقة، والتي القت على كتفيه أعباء لا يستطيع تحمّلها من دون مساعدة مباشرة منها. فصارت ايران الاسلامية مصدراً اساسياً لسلاحه ولاحتياجاته النفطية والمالية والاقتصادية، كما صارت سنداً قوياً ومستمراً لنظامه اولاً بالعمل الناشط داخل سوريا لتدعيم مؤسساته القائمة ولإنشاء "مؤسسات" جديدة.

وثانياً بالدعم المستمر لـ"ابنها" اللبناني "حزب الله" وحلفائه كي يتمكنوا من الثبات رغم كل التحديات وتالياً من حماية ظهر سوريا هذه ونظامها. وعندما بدأت الانتفاضة الشعبية في 15 آذار الماضي لم تبخل القيادة في ايران الاسلامية على النظام السوري بالنصائح والخبرة في قمع الانتفاضات الشعبية وإن مليونية، وبالأدوات التي تستعمل في حالات كهذه، والبعض يقوى بالرجال ايضاً او ربما بالخبراء. ولم تبخل عليها ايضاً بالمال والسلاح والنفط المدعوم، كما لم تبخل على حليفهما المشترك في لبنان، ذلك ان المعركة التي يخوضها آل الاسد في سوريا لبنان شريك فيها ومتأثر بها سلباً او ايجاباً وبنتائجها. ولم تبخل على سوريا الاسد بالمواقف السياسية الداعمة في كل المحافل الدولية. هذا الدور الداعم على تنوعه لن يتوقف، في رأي قريبين لبنانيين من طهران، لأن في خسارة نظام الاسد خسارة لحلفائها في لبنان وتالياً خسارة استراتيجية كبرى لها. طبعاً لا يعني ذلك، يستدرك القريبون انفسهم، ان ايران الاسلامية، المعروفة ببراغماتيتها ودقتها وتقويمها الجيد للاوضاع في غالبية الاحيان، لا تدرك حراجة موقف حليفها السوري رغم تأكدها من قدرته على الاستمرار في مواجهة الانتفاضة وإن بعد تحولها ثورة، وحتى ثورة مسلحة، لأسباب عدة معروفة من دون الخوض فيها.  ولذلك فإن مسؤولين كباراً فيها في مقدمهم الرئيس محمود احمدي نجاد يدعون الى حوار بين النظام ومعارضيه تحت مظلة اسلامية (منظمة المؤتمر الاسلامي مثلاً)، وذلك اقتناعاً منها بأن التدهور المستمر في سوريا والمتحوّل حرباً اهلية تدريجاً يؤذي المنطقة كلها ويعطّل "اجندتها" وطموحاتها ومصالحها. لكنها في الحوار، وهذا ما يجب ان يعيه كل المعنيين، ستكون مع النظام ومع استمراره ومع استمرار سياسته وايضاً مع إصلاحات لا تمسّ جوهره. علماً ان ما يجب ان يعيه المعنيون ايضاً هو ان ايران لن "تنتحر" مع سوريا الاسد او من اجلها اذا وجدت انها صارت حالاً ميؤوساً منها. وعلماً ثالثاً، ان ما يجب ان يعيه هؤلاء هو ان الموقف من سوريا الاسد هو واحد عند كل مراكز القوى في النظام الايراني. لكن ذلك يجب ألّا يقلل من الاختلافات واحياناً التناقضات بينها، وإن حول امور عدة معظمها داخلي ويتعلق اكثره بالصراع على السلطة. كما يجب ألّا يقلل من تأثير ذلك على السياسة الايرانية العامة ولاسيما في ظل دخول المنطقة بقواها الكبرى والصغرى مرحلة إعادة ترتيب اوضاع او ربما مرحلة إعادة تركيب. و"المزح" في التعاطي مع أمور جدية كهذه لا يجوز.
ما هو وضع مصر بعد ثورة يناير وسقوط الرئيس حسني مبارك في ضوء تمتّع "الاخوان المسلمين" والاسلاميين الآخرين للمرة الاولى في تاريخ هذه الدولة العربية الاكبر بحرية الحركة والتعبير والتنظيم والعمل والتحرّك وكذلك بـ"رخصة"، اذا جاز التعبير على هذا النحو، للقيام بكل ذلك من السلطات الحكومية والادارية المختصة؟ وهل ما حصل كان سقوط رئيس او سقوط نظام؟ وما سيحصل هل يكون تأسيس دولة مدنية بتشريع الإسلامُ أحد مصادره، او دولة "شرعية" اسلامية، او نظام عسكري هو امتداد لنظام مبارك ولكن بشراكة تامة مع الاسلاميين المصريين؟ 

السابق
الانباء: الراعي في بعلبك اليوم وقريباً في الولايات المتحدة
التالي
مارتن يوسف: المحكمة تنتظر التزام لبنان