الراي: تطويق الدعسة الناقصة للراعي للحد من الأضرار وحماية مكانة البطريركية

بدت «جمعة بيروت» وكأنها استراحة «التقاط أنفاس» استعداداً لموجة جديدة من الصراع حول اربعة ملفات «خلافية» وبالغة الحساسية هي: دفع لبنان حصته من تمويل المحكمة الدولية، التعيينات الادارية، خطة الكهرباء، وقانون الانتخاب.
وفي اللحظة التي تتعدد السيناريوات حول كيفية ادارة الملفات الخلافية من الحكومة المصابة بـ «التصدع» وفي ظل الاشتباك المفتوح بين الاكثرية والمعارضة، استمرت عملية لملمة الآثار السلبية للمواقف التي كان اعلنها البطريرك الماروني بشارة الراعي الاسبوع الماضي من باريس.
فغداة زيارة رئيس الجمهورية ميشال سليمان للمقر الصيفي للبطريرك في الديمان، عقد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي خلوة مع الراعي تحولت اجتماعاً موسعاً ضمه الى عدد من المطارنة الموارنة، تم خلاله مناقشة القضايا الراهنة، لا سيما الاصداء على مواقف الراعي.
وفُهم من طبيعة الحركة في اتجاه الديمان ان المحاولات جارية لاحتواء ارتدادات «الدعسة الناقصة» للبطريرك الراعي لإبعاد موقعه عن المسجالات السياسية في لحظة لبنانية واقليمية بالغة الحساسية، خصوصاً بعدما اوحى في تصرحات كثيرة انه تم «اجتزاء» مواقفه.
ومع المساعي للحد من الاضرار التي اصابت مكانة البطريركية بسبب مواقف الراعي من الاوضاع في سورية وسلاح «حزب الله»، تتجه الانظار الى «المفكرة» الحامية من الملفات الداخلية، والتي غالباً ما تجري مقاربتها على «وهج» الازمة المتعاظمة في سورية.
فلبنان «الرسمي» الذي يطل مع نهاية الشهر الجاري من نيويورك بمناسبة ترؤسه مجلس الامن، يدقق ملياً في تطور الموقفين العربي والدولي من الاحداث في سورية، خصوصاً مع قول الامين العام للأمم المتحدة بان كي مون للرئيس بشار الاسد «لقد طفح الكيل»، والمواقف الاكثر صرامة الصادرة عن البرلمان الاوروبي.
والانطباع السائد في بيروت الآن هو انه لم يعد في وسع لبنان إلا النظر بـ «عينين»، واحدة سورية تمليها الصلات بنظام الاسد وثانية دولية يصعب معها الاستمرار في معاندة الاجماع العربي والدولي.
هذه المعادلة الصعبة التي اكثر ما تعبر عنها المواقف «المركبة» للرئيس ميقاتي، تشكل سمة المقاربة اللبنانية لـ «كرة النار» الناجمة عن الحريق السوري الذي يزداد اشتعالاً يوماً تلو آخر.
وكان ميقاتي زار امس البطريرك الماروني في مقره الصيفي في الديمان حيث عقدت خلوة أعقبها اجتماع موسع في الصالون الكبير ضم عددا من المطارنة والرؤساء العامين والرئيسات العامة للراهبات دام نحو ساعة انضم اليه لاحقاً الكاردينال مار نصر الله بطرس صفير.
وذكرت معلومات ان الخلوة ناقشت مختلف التطورات على الساحتين المحلية والاقليمية حيث أطلع الراعي رئيس الحكومة على نتائج زيارته الى باريس ومحادثاته مع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي وكبار المسؤولين الفرنسيين. كما استوضح ميقاتي البطريرك الكلام الذي نُسب اليه والذي حذّر فيه من انه «اذا تأزم الوضع في سورية أكثر مما هو عليه، ووصلنا إلى حكم أشد من الحكم الحالي كحكم الإخوان المسلمين فإن المسيحيين هناك هم الذين سيدفعون الثمن سواء كان قتلا أم تهجيرا»، وإشارته الى انه «إذا تغيّر الحكم في سورية وجاء حكم للسنّة فإنهم سيتحالفون مع إخوانهم السنّة في لبنان، ما سيؤدي إلى تأزم الوضع إلى أسوأ بين الشيعة والسنّة».
واشارت تقارير الى ان الاجتماع الموسع تطرق الى التطورات السياسية والشؤون الوطنية، وكذلك الوضع الاقتصادي والاجتماعي وصولا الى الهواجس المسيحية ومنها قضايا تملُّك الأجانب، وبيع الاراضي والتجنيس، اضافة الى قانون الانتخاب الذي سيكون مدار بحث القيادات المسيحية من 8 و14 آذار في 23 الجاري.
وبعد الاجتماع، قال ميقاتي الذي تناول الغداء الى المائدة البطريركية: «تحدثت مع صاحب الغبطة في كل الامور، وكان كل شيء واضحاً بيننا».
وعن التعليقات التي صدرت على كلام الراعي بعد زيارته لفرنسا، قال: «لا اعتقد ان صاحب الغبطة يتراجع عن اي موقف يتخذه، لان هذه المواقف ليست وليدة الساعة بل هي نتيجة حكمة اتبعها. وانا متأكد من حكمته وكانت كل الامور واضحة تماما خلال الاجتماع».  
وهل تطرق البحث الى الامتعاض الدولي من مواقف الراعي؟ اجاب: «اعتقد ان صاحب الغبطة أوضح كل الامور عند وصوله الى مطار بيروت، وفي رأيي ان التوضيح وصل الى جميع الاطراف السياسية».
وجاءت مواقف ميقاتي من الديمان غداة الدفاع اللافت الذي تولاه الرئيس سليمان عن الراعي خلال الزيارة التي قام بها للمقر الصيفي للبطريركية والذي اعتُبر رداً مزدوجاً على الانتقادات الداخلية لمواقف البطريرك كما الاعتراضات الخارجية وأبرزها لفرنسا التي اعربت عن «دهشتها وخيبتها» مما اعلنه على ان تبلغ اليه ذلك بلسان سفيرها في لبنان دوني بييتون.
وقد اعلن سليمان «ان مواقف الراعي لا تخضع للسياسة او للتوظيف السياسي»، لافتاً الى ان رأس الكنيسة المارونية «نجح في نقل الهواجس المسيحية الى السلطات الفرنسية من خلال طرح متكامل يصب في مصلحة لبنان»، ومشيراً الى «ان ما ظهر من هذا الطرح هو اجزاء متناثرة»، ومشددا على «ان البطريرك ليس في حاجة الى من يدافع عنه، وان مواقفه نابعة من دوره المهم كمسؤول عن مسيحيي لبنان والشرق الاوسط، وعن استقلال لبنان وسيادته، وهو الدور القديم المتلازم مع دور بكركي». وحدد الهواجس المسيحية بأربعة هي «الخطر على مسيحيي الشرق، وتقسيم المنطقة الى دويلات مذهبية، والخطر الاسرائيلي المتمثل بالاعتداءات وخطر التوطين».
في موازاة ذلك، بقي ملف تمويل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان محور الاهتمام من زاويتين هما:
* اتجاه مجلس الوزراء الى عقد جلستين الاسبوع المقبل في السرايا الحكومية، الاولى يوم الاثنين والثانية الاربعاء، من دون ان يتمّ الجزم اذا كان موضوع التمويل سيطرح في احدى هاتين الجلستين وسط إصرار وزراء العماد ميشال عون وحزب الله و»امل» على طرحه على النقاش داخل الحكومة.
وفي حين ذكرت تقارير ان ثمة رغبة لدى ميقاتي مدعوماً من الرئيس سليمان والنائب وليد جنبلاط في سداد متأخرات المحكمة من خلال سلفة خزينة تؤخذ من احتياط الموازنة وتصدر بمرسوم من دون حاجة لمجلس الوزراء، وذلك إما قبل سفره الى نيويورك في أواخر الشهر الحالي او بعد عودته، ذكرت صحيفة «النهار» أن ثمة تفاهماً ضمنياً بين المسؤولين على ايفاء ما يتوجب على لبنان في موازنة المحكمة بعدما تبلغوا صراحة من أكثر من جهة دولية معنية، أن أي تلكؤ في الوفاء بالتزامات لبنان سيعرضه لعقوبات يخشى أن تطاول قطاعه المصرفي، مشيرة الى رئيس الحكومة لم يكن وحده من تبلغ هذه المعطيات أو الرسالة الواضحة لدى مشاركته في المؤتمر الدولي حول ليبيا في باريس، بل وصلت أيضاً الى الرئيسين سليمان ونبيه بري وسائر المعنيين، وحتى «حزب الله» بات مدركاً خطورة أبعاد هذه الرسالة.
* بروز رأيين داخل 14 آذار حيال كيفية مقاربة ملف التمويل، احدهما يروّج لامكان بته من خلال تقديم اقتراح قانون الى مجلس النواب، وثان يصرّ على ان تتحمل الحكومة هذه المسؤولية وتنفيذ الالتزامات الدولية.
وفي حساب اصحاب الرأي المتمسك بعبور ملف التمويل عبر الحكومة، ان 14 آذار غير معنية بتقديم «مخارج» لفريق 8 آذار للخروج من مآزقه وإن كان الامر يتعلّق بأمر يُعتبر من ثوابت المعارضة وهو تمويل المحكمة، معتبرين ان على الحكومة ان «تقلّع شوكها» بيدها ولا يجوز تعبيد الطريق امامها للخروج من «حقل الألغام» الذي وضعت نفسها فيه.
وقد نُقل عن الناطق باسم المحكمة الخاصة بلبنان مارتن يوسف قوله رداً على سؤال عن موضوع التمويل: «إن ما يخصنا هو بالنسبة الى سنة 2011. فهناك نسبة 70 في المئة من هذه المتوجبات لم يدفعها لبنان في القسم المتعلق به في تمويل المحكمة والمحدد بـ 49 في المئة». وأضاف: «نحن واثقون من وعود رئيس الحكومة نجيب ميقاتي. صحيح ان هناك دولاً أخرى تساهم في تمويل المحكمة إلا أن ذلك لا يعني اننا لا ننتظر مساهمة لبنان».
في هذه الأثناء، لفت موقف للوزير السابق وئام وهاب (القريب من سورية) اذ اعلن «يأتي بعض الموظفين الذين يدّعون أنهم نوّاب، ليعطونا تنظيراتٍ بكيفية دعم المحكمة الدولية التي تعتدي علينا، لكننا نقول لهم: مَن ريد تمويلها، فليُزكّ أمواله الكثيرة ويموّلها، فنحن لن نقوم بذلك لأنها مشروع تخريب للبنان وتهدّد كل شيء فيه»، وقال: «لطالما اعتبرنا أنّ الهدوء الذي يشهده الجنوب اليوم يقوم على أربعة أمور: وجود اليونيفيل والجيش اللبناني، الاحتضان الذي تمارسه قوى المقاومة في الجنوب لهما، إضافة لمحبّة الأهالي. لذلك قلنا لهم عندما تستخدمون مؤسسة دولية لخدمة نزاعٍ داخلي لبناني، أو للاعتداء على طرفٍ لبناني، عندها تكونون أنتم مَن تهدّدون اليونيفيل وليس نحن».
وختم وهاب محذراً في ما خص الوضع السوري من أنه «إذا أُطلق صاروخٌ واحد على سورية، فستشتعل منطقة الشرق الأوسط كلها، وهذا كلام كل قوى الممانعة من طهران إلى العراق وسورية ولبنان وفلسطين». 

السابق
كلام السيد البطريرك
التالي
النهار: تظاهرات الجمعة تستمر وتُجابه أيضاً بالرصاص