الارهاب في طريق ضائع

طقوس 11 أيلول كانت مثيرة للانفعال. في جوانب معينة ذكرتنا بثقافة الذكرى الاسرائيلية، وكذا خطابة الذكرى بدت مشابهة. لقد شهدت الامة الامريكية حدثا تأسيسيا ونضجت معه ايضا. فضلا عن الطقوس، يكرر المحللون المرة تلو الاخرى الحديث عن الفارق بين الاقوال القاطعة بعد العملية وبين الواقع. 11 أيلول أثبت للولايات المتحدة بانها قابلة للاصابة ولكنها ليست هشة، وان قوى الحياة شديدة فيها جدا.
هذا هو الوقت لنتذكر قولا آخر اجترف العالم بأسره بعد العملية، وهو أن القرن الواحد والعشرين بدأ بمؤشر حرب الارهاب الاسلامي وربما العالم الاسلامي بأسره ضد الثقافة الغربية. 12 سنة من السذاجة الجديدة منذ سقوط سور برلين في 1989 وصلت الى منتهاها، ظاهرا، في ايلول 2001، وبدأت حرب جديدة.
يمكن أن نقول ايوم انه من كل التوقعات فان هذا التوقع بالذات الذي بدا أكثر تماسكا منها جميعها، لم ينجح في اختبار الواقع.
11 أيلول لم يكن بداية حملة ارهاب عالمية، بل ذروتها. منذئذ والارهاب يبحث عن قوته، يحقق انجازات موضعية تقع بعضها أيضا في قطعة ارض الرب الصغيرة عندنا، ولكنه بعيد عن أن يهدد السلام العالمي أو ان يشكل قوة مضادة جدية. القبض على بن لادن، الرجل الملتحي كان رمزا لهذه العملية. دول الغرب عرفت كيف تجد وسائل وقائية ناجعة نسبيا ضد الارهاب، وقد تراجع هذا عن مكانه في قلب الديمقراطيات الحديثة الى نطاقات خلفية، نائية، من الصعب جدا تخطيط ثورة عالمية منها: اليمن، سيناء، اجزاء من افغانستان.
كما أن نظرية الجبهة الاسلامية الموحدة التي تقف ضد الغرب لم تتحقق. الاسلام تعزز في قسم من الدول، ولكنه بقي منقسما. ايران تتعزز وتحافظ على محور غير لامع مع سوريا، جنوب لبنان وقطاع غزة، ولكن العدو رقم واحد لها هي تركيا المتأسلمة. اردوغان يحاول أن يكون صلاح الدين الحديث، ولكن القرن الـ 21 لن يسمح لاي صلاح الدين أن يجتاز حدود دولته أو قيودها.  
العملية في البرجين التوأمين رسمة للحظة التاريخ في صورة معسكرين: المسيحي ـ اليهودي ضد الاسلامي، الديمبراطية ضد الارهاب. لا يبدو أن مؤرخ المستقبل سيتأثر بهذه الصورة. يمكن التقدير بقدر كبير من الثقة بانه سيتأثر اكثر من الصعود الثابت، الهادىء، الذي ليس فيه تهديد عسكري ولكن فيه امكانية كامنة لبشرى وخطر على حد سواء، للعملاق الصيني الذي يترجم بعد قوته الاقتصادية الى تعابير سياسية. المؤرخ لا يمكنه أن يتجاهل الازمة المتواصلة للاقتصادات الرأسمالية التي أعلنت مع سقوط برلين عن انتهاء التاريخ، والان يخيل أنها تحسب نهايته الى الوراء. وهو سيشير الى تغييرات جوفية في منظومة القوى العالمية بين الغرب والشرق، لا الشرق الادنى بل الشرق الاقصى. الدول الاسلامية ستوفر له قصصا مشوقة عن سقوط طغاة وميادين تعج بالناس، تحالفات داخلية ولكن ليس أكثر من ذلك. في هذه اللحظة تروي لنا الشاشات الحمراء للبورصات في أرجاء العالم، بان للغرب يوجد عدو واحد ذو مغزى: هو نفسه.
كل هذا لا يمكنه بالطبع أن يهدىء روعنا. من مصيرنا اليهودي أن نعيش في قلب عالم اسلامي مضطرب، معادٍ ويتحرك بحماسة دينية.
هذا العالم يخلق أيضا تهديدا ارهابيا، وان كان هذا التهديد أقل اهمية من العزلة الاسرائيلية في المنطقة بعد سنوات من التوازن النسبي. ما الذي ينبغي لنا أن نفعله في هذا الوضع؟ هذا هو لب الجدال الداخلي الاسرائيلي، ولكنه ليس القلق الاول الذي يشغل بال دول العالم اليوم. 

السابق
لقاء بكركي
التالي
هدية العريس للعروس 99999 وردة حمراء