السبيل الصحيح لمواجهة الإرهاب

فقط هؤلاء الذين عاينوا عن قرب التأثير المدمر للإرهاب، هم من سيدركون مدى عمق الصدمة المفاجئة، ومشاعر الخوف التي يولدها. شاهدت تلك التأثيرات المدمرة في النرويج في شهر يوليو (تموز) من هذا العام، مثلما شاهدها الأميركيون في نيويورك وواشنطن منذ 10 سنوات. ونتيجة زيارتي لمختلف دول العالم في إطار عملي في الأمم المتحدة والصليب الأحمر، شاهدت الصورة التي يؤثر بها الرعب المستمر واسع النطاق من الإرهاب على المجتمع، من العراق لأفغانستان، ومن كولومبيا إلى إسرائيل والضفة الغربية وغزة. وفي أعقاب هجوم إرهابي مروع، دائما ما يتحول الشعب المصدوم والحائر إلى قادته بحثا عن إجابات.

نحن نعلم الإجابة الصحيحة.. الوسيلة الفعالة لمواجهة الإرهاب هي إعادة التأكيد على القيم التي يرغب الإرهابيون في محوها. والحل الخاطئ هو الاتجاه إلى «الجانب المظلم»، ومحاربة الإرهاب بصور تنتهك حقوق الإنسان الأساسية. ويبرز الاكتشاف الأخير من قبل منظمة حقوق الإنسان «هيومان رايتس ووتش» في سجلات طرابلس، لمستندات يبدو أنها تعرض تفصيليا كيف سلمت الولايات المتحدة وبريطانيا المشتبه بهم في أعمال إرهابية، إلى قوات معمر القذافي الوحشية.. وهذا مرة أخرى خطأ التضحية بمبادئنا باسم الحفاظ على الأمن. لن تزال تداعيات ابتعاد الأميركيين والأوروبيين عن القيادة القائمة على المبادئ، بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول)، إلى أن تكون هناك محاسبة على تعذيب وإساءة معاملة المحتجزين. تتطلب مواجهة الإرهاب جهودا شديدة الدقة، وممولة جيدا، وعلى مستوى عالمي من قبل الشرطة وأجهزة الاستخبارات لمنع الهجمات، وتقديم أعتى المجرمين للعدالة. ولا يجب أن تعني توجيه هجمات اعتباطية، وشن اعتقالات سرية، وتسليم المحتجزين للطغاة وتعذيبهم. لكن هذا بالفعل ما حدث، حينما ابتعد القادة الأميركيون والأوروبيون، عن عمد، عن قاعدة الأخلاقيات العليا، وشرعية رد الفعل القانوني، بل انتهكوا القوانين الدولية نفسها، التي قد سعى القادة السابقون على مدار أجيال لترسيخها. لكن لم تكن هناك محاسبة حقيقية، فعليا، في أي مكان على الأعمال الإجرامية، التي تمثلت في نقل كثير من المتهمين بالإرهاب فيها، بعضهم مذنب بالفعل، وبعضهم بريء، من غرفة تعذيب إلى الأخرى في أوروبا والشرق الأوسط.

الأمر يجب أن لا يكون على هذا النحو، فبعد الهجمات الإرهابية الضخمة في أوسلو هذا الصيف، لم تتفق القيادة النرويجية والضحايا وعامة الناس، في الرأي، على إعلان أن أفضل استجابة ممكنة هي التمسك بالقيم الديمقراطية وسيادة القانون. وبعد أن قام قاتل بذبح قادة شباب وتدمير منشآت حكومية رئيسية – مثيرا حالة من الذعر لم تشهدها البلاد منذ الاحتلال النازي في أربعينات القرن الماضي – سعى النرويجيون إلى طلب الإرشاد وحصلوا عليه. بدءا من الملك ورئيس الوزراء، مرورا بالمناصب الأخرى داخل الحكومة والمعارضة السياسية، كان الرأي المتفق عليه هو أن القيم الليبرالية الممثلة في حرية التعبير والتسامح هي الوسيلة لمواجهة الإرهاب، وهناك إجماع على أن هذا ليس صراعا لمعرفة أي الأطراف يمكن أن يهزم الآخر – إنها قضية مفادها أن نثبت للجميع أننا نقدم حلا أفضل – ومن ثم، يمكننا أن نمنع ظهور إرهابيين جدد.
 
هل يمكن أن يتفوق نموذج النرويج على الكثير من الأمثلة السابقة للعمليات الإرهابية التي تمت مواجهتها من خلال أساليب غير قانونية وانهزامية؟ يختلف التهديد من جانب جماعة دولية، مثل تنظيم القاعدة، عن تهديد هجوم إرهابي محلي – ولن يعلم أحد ماذا كان يمكن أن يكون رد فعل النرويجيين لو كان الهجوم من قبل جماعات إسلامية متطرفة لا من جانب مجموعة من اليمينيين المتطرفين من داخل البلاد.
لكن الأسباب وراء عقد من الإرهاب تبقى واحدة، كان هو خيانة لأعمق قيمنا، حينما اتفق قادتنا على تسليم السجناء السريين لقادة مثل القذافي وبشار الأسد وحسني مبارك، وعندما انتهك بعض كبار المحامين في دولنا القانون لتمكين أجهزتنا الاستخباراتية من الإفلات من عقوبة التعذيب. وهذه الوصمة لن تمحى ما لم يُجر تحقيق جنائي لكبار المسؤولين بإدارة بوش، الذين سمحوا بمثل هذه الجرائم.
ومن المهم بالمثل إجراء تحقيقات شاملة مع المسؤولين الأوروبيين، الذين شاركوا بفاعلية في برامج تسليم المتهمين، والاعتقالات السرية، وأساليب التحقيق المتعسفة، ومقاضاتهم. وإلى أن يحدث ذلك، فستلازم هذه القضية الحكومات الأميركية والأوروبية المتعاقبة في كل مرة يتم فيها الكشف عن سجلات حاكم طاغية وفضح ريائه.
إن الوسيلة المثلى لإعادة الحق لضحايا الإرهاب هي إثبات أن بإمكاننا تقديم بديل أفضل. إنها قضية تتعلق بالقيادة. إن قاعدة المثل العليا تعني عدم فتح غرفة التعذيب مطلقا.
* مدير في منظمة «هيومان رايتس ووتش»، ووكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، ووكيل وزير الخارجية للشؤون الخارجية بالنرويج. 

السابق
أسبوع للفرح في النبطية… ولا فرح!
التالي
اختتام ورشة عمل اللاجئون الفلسطينيون وحق العودة