الراي: حسابات ميقاتي وواقعية حزب الله تحميان الحكومة المصابة بانعدام الوزن

لم ينجل الغبار الناجم عن «الحروب الصغيرة» بين مكونات الحكومة، رغم محاولات تبديد الشكوك المتبادلة بين اطراف «الأجندات المختلفة» على طاولة مجلس الوزراء، التي من المرجح ان تستمر ميداناً لمنازلات تعكس حراجة الاستحقاقات التي تنتظر لبنان على المستويين الداخلي والاقليمي.

ولأن «لا دخان من دون نار» كانت المناخات الداكنة عكست معارك بـ «الواسطة» شنت على رئيس الحكومة نجيب ميقاتي والزعيم الدرزي وليد جنبلاط، من اطراف من داخل الحكومة وخارجها، ما اوحى بانزعاج اقليمي (سورية) وداخلي (حزب الله) من سلوكهما، لا سيما في المدة الاخيرة.
واللافت ان الموجة الاخيرة من الحملة على ميقاتي وجنبلاط فاقمت من ازمة الثقة بين مكونات الاكثرية الحالية، التي ولدت في ظروف «اضطرارية» لم تكن فيها سورية على ما هي عليه الآن، وتالياً فان «حزب الله» كان اكثر قدرة على الامساك بـ «قواعد اللعبة» المتحركة في البلاد.
والسؤال الذي يأخذ شكل «الهمس» في بيروت هو: هل يمكن ان تتحول «الحروب الصغيرة» بين مكونات الحكومة «حرباً كبيرة» تطيح بها؟ وفي اي ظروف يقترب الصدام بالمفرق الى صدام في الجملة؟ وحيال اي ملفات او قضايا يمكن ان يخرج الجمر من تحت الرماد المتطاير بين الحين والآخر؟

في الرد على هذا النوع من الاسئلة التي ربما تبدو «مبكرة»، تتحدث دوائر مراقبة في بيروت عن مستويين من الظروف، واحد يتصل بالتداعيات التي «لا يستهان بها» لما يجري في سورية، وآخر على صلة بطبيعة «جدول الاعمال» الداخلي.
وفي تقدير تلك الدوائر انه كلما «تخلخل» نظام الرئيس بشار الاسد في سورية اتسع هامش الحركة لأطراف لبنانية رئيسية بدءاً من رئيسي الجمهورية والحكومة وصولاً الى جنبلاط، فتراخي قبضة النظام في دمشق يعني تراخيها في بيروت ايضاً.
فلبنان، الذي قرر «مؤازرة» النظام في سورية في مواجهته المفتوحة مع المجتمعين العربي والدولي لن يكون في امكانه التمادي كثيراً او طويلاً في مجاراته سورية في «شطب» المجتمع الدولي وادارة الظهر للمجتمع العربي، لأن لا طاقة له على ركوب هذا النوع من المجازفات الخطرة التي تضع مصيره على المحك.
وثمة من يعتقد في بيروت ان حسابات الرئيس ميقاتي وواقعية «حزب الله» من شأنهما تطويل عمر الحكومة عبر ادارة الصراع في الحكومة على قاعدة النجاة بـ «اهون الشرور». فميقاتي لا يريد حرق اصابعه و«حزب الله» لا يريد خسارة متراسه الداخلي (الحكومة).

وبهذا المعنى فان ميقاتي يفيد من واقعية الحزب عبر ميله الى عدم تقديم تنازلات جوهرية (كعدم تخليه عن الموظفين السنة الكبار في الادارة والقضاء والامن وتمسكه بتمويل المحكمة الدولية)، وذلك ادراكاً منه بأن الحزب لن يتمادى في الضغط عليه.
وفي المعنى عينه ان «حزب الله» يفيد من الغطاء الاقليمي – الدولي الذي يوفره ميقاتي لحكومة، ناصبها معظم العرب والغرب «الريبة» منذ لحظة ولادتها، وتالياً انه صاحب مصلحة «استراتيجية» في بقائها، لا سيما لملاقاة انتخابات العام 2013.
غير ان «حماية» الحكومة بحسابات ميقاتي وواقعية «حزب الله» لا تعبر بالضرورة عن خيارات جنبلاط الذي اكثر اخيراً من الاشارات التي توحي بـ «تململه» من التموضع في «الصف» خلف حلفاء النظام السوري في لبنان.
وكانت جلسة مجلس الوزراء (اول من امس) شكّلت منبراً لردّ غير مباشر قام به الرئيس نجيب ميقاتي على العماد ميشال عون الذي كان شنّ هجوماً قاسياً عليه بلغ حد اتهمامه بـ «التشبيح». وتحدث ميقاتي في مستهل الجلسة عن «المناخات غير الصحية في الحياة السياسية والنقد غير البناء»، منتقداً ما يسمعه اللبنانيون من «كلام سباب وشتائم»، داعيا الى «العودة للمنطق ونبذ العنف الكلامي»، لافتًا الى أنّ «تجارب الماضي علمتنا أنّ الحوار يبقى الوسيلة الأهم لحل المشكلات». وسرعان ما برز اول اصطفاف على طريقة «المحاور» ضمن الحكومة حين اعلن وزراء النائب وليد جنبلاط تضامنهم مع رئيس الوزراء الذي اكد ايضاً في ملف الكهرباء أنّ هذا المشروع «لا يشكل انتصاراً لفريق على آخر، بل هو انجاز لكل لبنان».
في موازاة ذلك، ورغم «التبريد الاعلامي» بين «حزب الله» والنائب جنبلاط بعد اول انتكاسة علنية في العلاقة بينهما على خلفية انتقاد رئيس «جبهة النضال الوطني» مواقف البطريرك مار بشارة بطرس الراعي في باريس رافضاً ربط مصير لبنان بمزارع شبعا وربط السلاح بملف التوطين مؤكداً وجوب استيعاب سلاح الحزب تدريجاً في اطار الدولة اللبنانية، فان «الرسائل» توالت الى الزعيم الدرزي الموجود في باريس على شكل تسريبات اعلامية من جهة كما في صيغة «معاتبات بالواسطة» بلغته من دمشق. 
وكان لافتاً في هذا السياق ما اوردته تقارير في صحف قريبة من الاكثرية الجديدة (الأخبار) نقلاً عن بعض أوساط قوى «8 آذار» ولا سيما حلفاء نافذون لـ«حزب الله» وسورية، من دعوة الى ضرورة استمرار «تخويف» رئيس جبهة النضال الوطني من أجل انتزاع المكاسب والمواقف منه، ومنعه من أي تحوّل آخر في خياراته. وانتقد هؤلاء ما وصفوه بـ«تدليع» حزب الله للزعيم الدرزي الذي ينبغي أن يبقى في الخوف والتخويف من سورية وحزب الله على السواء لان «من دون ابقائه خائفاً لن يستمر معنا».

وفي سياق متصل، برزت معلومات عن لقاء عقده جنبلاط قبل ثلاثة ايام مع نواب خرجوا من كتلته (اللقاء الديموقراطي) على خلفية تصويته لمصلحة تسمية ميقاتي رئيساً للحكومة في يناير الماضي على حساب الرئيس سعد الحريري، الامر الذي اعتُبر «رسالة» من الزعيم الدرزي بانه يقترب من اعادة احياء «اللقاء الديموقراطي» وهو ما سيكون بحال حصوله ليس على قاعدة جذب النواب الخارجين منه اليه بل على قاعدة اقترابه هو منهم.

واذ دعت أوساط سياسية في بيروت الى رصد طبيعة اللقاءات التي سيعقدها جنبلاط في باريس التي يتردد ان الرئيس الحريري موجود فيها، استوقفتها التقارير الصحافية التي تحدثت عن ان رئيس «جبهة النضال» تلقى قبل ايام رسالة سورية شفوية تحمل عتباً يقترب من «اخذ الخاطر» منسوب الى الرئيس بشار الاسد، على خلفية ما نسب ايضاً الى جنبلاط من انه ابلغ الرئيس سعد الحريري بأن «عليك ان تفعل مثلي وتنتظر عند ضفاف النهر»، وهي العبارة التي كان استخدمها في آخر اطلالة تلفزيونية له في يوليو الماضي حين اعلن في اشارة الى المحكمة الدولية «انا مع عدالة القدَر (…) أجلس على ضفة النهر وأنتظر، ولا بد ان يوماً ما ستمرّ جثة عدوي من امامي، ولماذا لا تأخذ 14 آذار بهذه النصيحة؟».

وفي السياق نفسه لفت ما اعلنه نائب حزب «البعث» عاصم قانصوه الذي ربط مواقف جنبلاط الاخيرة «والمحيرة» بـ «اشارات ربما تكون وصلته عن طريق الاميركيين والاتراك وتتعلق بتغييرات ستحصل في سورية».
وعلى وقع هذه التجاذبات، تحوّلت جلسة اللجان المشتركة التي انعقدت امس لدرس خطة الكهرباء التي أرسلتها الحكومة «حلبة مصارعة» بقفازات سياسية وتقنية بين نواب الاكثرية ونواب المعارضة قبل ان يتم رفعها الى الاثنين المقبل.
وفيما دخل نواب الاكثرية الجلسة وبذهنهم انجاز المناقشات «بجلسة واحدة» تمهيداً لاحالة المشروع في أسرع وقت على الهيئة العامة للبرلمان لاقراره باعتبار انه محال الى مجلس النواب بصفة المعجل وواضعين اي نقاشات مطوّلة في خانة «العرقلة السياسية»، حضر نواب 14 آذار متمسكين بحقّهم في المناقشة على قاعدة وضع ضوابط لخطة الكهرباء، وتحبيذ التمهل بالمباشرة في تمويلها ريثما يتم تشكيل الهيئة الناظمة المخصصة للرقابة والتي اتفق على تأليفها في مهلة ثلاثة او أربعة أشهر.
وركّز نواب المعارضة اسئلتهم على الخطة التي يعتبرون انها «غير واضحة» معتبرين ان ما تسلموه «هو مشروع انفاق وارقام ولكن من خلال قانون برنامج»، ومطالبين بخطة واضحة «كي نعمل في شكل علمي وليس بطريقة التشبيح غير القانوني» على ما قال النائب محمد قباني.

وما ان افتُتحت الجلسة حتى لفحتها «الرياح الساخنة»، بعدما ادى اختيار رئيس «كتلة المستقبل» البرلمانية فؤاد السنيورة ليكون اول المتكلمين على مدى نحو 35 دقيقة الى اعتراض نائب «حزب الله» علي عمار الذي اعتبر ان التقاليد والعرف يقضي بان يكون وزير الطاقة (جبران باسيل) اول المتكلمين منتقداً «التمييز» وسائلاً هل هناك نواب درجة اولى ونواب درجة ثانية، قبل ان يوضح رئيس الجلسة المشتركة للجان الادارة والعدل، المال والموازنة ، الاشغال العامة والطاقة والمياه النائب روبير غانم انه منح السنيورة الكلام بناء على طلب الاخير لارتباط خاص لديه.
كما اعترض عمار على مضمون مداخلة السنيورة التي رأى انها انطوت على مس باتفاق الطائف والدستور، وسائلاً «هل يظنّ السنيورة نفسه سلطان السلاطين»، الأمر الذي رفضه نواب المعارضة، قبل ان يردّ النائب احمد فتفت (من كتلة الرئيس الحريري) مؤكداً على المساواة «التي نريدها في كل شيء بما في ذلك الامن وغيره». 

السابق
شو يعني !!؟
التالي
اكتشاف 16 أرضاَ عملاقة في الفضاء