نيران سورية تصيب ميقاتي وجنبلاط

يؤشر «المرصد السياسي» في بيروت الى «شيء ما» غير عادي يجري في كواليس الصراع الصاخب، المفتوح على «وهج» التطورات في سورية. فالساعات الماضية سجلت قصفاً سياسياً عنيفاً من «مرابض» عدة، استهدف وعلى وجه الخصوص رئيس الحكومة نجيب ميقاتي و«شريكه» في الحكومة الزعيم الدرزي وليد جنبلاط.
واللافت ان ثلاثة اطراف «تشاركت»، وإن في ادوار متفاوتة، في فتح «النار» على ميقاتي وجنبلاط، وهي: الشخصيات الأكثر التصاقاً بالنظام في سورية كالوزيرين السابقين ميشال سماحة ووائل وهاب، زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون و«حزب الله»، اضافة الى اصوات اخرى من فريق «8 آذار».
سماحة إتهم ميقاتي بـ «التواطؤ» ضد سورية، وجنبلاط بمعاودة فتح «الخط» مع مساعد وزير الخارجية الاميركية جيفري فيلتمان. وهاب حمل على ميقاتي لإعلانه الإلتزام بتمويل المحكمة الدولية ودعاه لتمويلها من «جيبه». عون شنّ هجوماً لاذعاً ضد ميقاتي «المخالف» الذي يحمي المخالفين ويحتمي بطائفته، وتوعده بتحميله المسؤولية.
اما «حزب الله» الذي «يهدئ» مع ميقاتي فإنه خرج عن صمته بعدما ضاق ذرعاً بـ «التمايز» المتزايد لجنبلاط، فإتهمه تلفزيون «المنار» الناطق بلسانه بـ «إقترابه من القوات اللبنانية (يتزعمها سمير جعجع) ومتفرعاته، داعياً عبر رئيس كتلته البرلمانية محمد رعد الى «عدم الانسياق وراء معادلات لا تسمن ولا تغني من جوع».
ورغم ان ميقاتي، الذي لا يهوى المساجلات السياسية اوحى بأنه «طفح الكيل»، وان جنبلاط، القارئ الجيد، حرص على القول انه لم يفهم ما اعلنه رعد، فإن الدوائر السياسية في بيروت رأت في الهجوم «المزدوج» على ميقاتي وجنبلاط ما هو ابعد من موقفهما المؤيد لتمويل المحكمة الدولية عبر صيغة ما تنأى بالحكومة عن مواجهة المجتمع الدولي.
وأبدت تلك الدوائر ميلاً للقول ان الاسباب الخفية لهذه الهجمة تكمن في واحد من أمرين: إما هجمة وقائية لإبقاء ميقاتي وجنبلاط في «بيت الطاعة» بعد اجتهادهما في اتخاذ مواقف لا تنسجم مع توجهات «الأكثرية الحالية» التي يقودها «حزب الله»، وإما لاعتبارات سورية تتصل بحسابات ميقاتي الاقليمية ـ الدولية وبمواقف جنبلاط العلنية الاخيرة.
والسؤال الذي لم يعد «مستغرباً» في بيروت هو: هل ينفرط عقد الحكومة التي جاءت بجهد مزدوج من «حزب الله» والنظام في سورية؟
من السابق لأوانه بلوغ السيناريوات هذا الحد، في تقدير اوساط واسعة الاطلاع، خصوصاً وان بقاء الحكومة او عدمها يشكل تطوراً استراتيجياً على صلة وثيقة بخيارات «حزب الله» الذي سبق وان جاهر بأن الحكومة الحالية باقية حتى انتخابات الـ 2013، والتي من شأنها تمكينه من الاتيان بأكثرية برلمانية ممسوكة تماماً.
غير ان اوساطاً اخرى لم تعد تستبعد ان يكون ميقاتي يتحين الفرص للقفز من الحكومة بعدما ادرك حجم الاخطار التي تحوط مكانته السياسية والمالية وعلاقاته الدولية، لا سيما في ضوء «الحشرة» التي تواجهها حكومته بسبب تعاظم العزلة الاقليمية والدولية لنظام الاسد.
ولم يكن ادل على هذه «الحشرة» من إضطرار الحكومة اللبنانية الى ان تغرد خارج السرب العربي مرة جديدة من خلال تسجيل تحفظها على بيان مجلس وزراء الخارجية العرب الذي صدر اول من امس حول سورية، رغم إجماع الدول العربية قاطبة، باستثناء سورية.
وكان الوزير السابق سماحة شنّ اعنف هجوم على ميقاتي معلناً «ان آل الميقاتي العاملين في اجراء الاتصالات السياسية التزموا في الخارج مع تيري رود ـ لارسن شخصياً والامين العام للأمم المتحدة ومع وزير خارجية فرنسا والمجموعة الديبلوماسية في الاليزيه، ومع مسؤولين غربيين آخرين بتمويل المحكمة الدولية وحماية المحكمة، والتزموا بتطبيق قرارات الولايات المتحدة الاميركية وأوروبا بمحاصرة سورية في لبنان، وأتفقوا على أن تحمى المفاصل الادارية التي عيّنها (الرئيس فؤاد) السنيورة وان تعتبر انها المفاصل الادارية لـ «المستقبل» في الامن والمال وادارة المشاريع والاقتصاد والخارجية في السفارات، ومثلما أسماهم (الرئيس ميقاتي) وهذا أمر خطير بأنهم أبناؤه الروحيين»، مضيفاً: «الهاجس هو حماية الاموال في الخارج، وعدم الدخول في المحاسبة، لأن هناك صفحات مفتوحة حول كيف نشأت ثروة ال ميقاتي، وما قاله البارحة يؤكد انه ملتزم في الداخل بهذه الامور، وملتزم بتصاريحه الباردة مع سورية».
في موازاة ذلك، اخذت المواقف الاخيرة للنائب وليد جنبلاط ولا سيما ردّه على كلام البطريرك مار بشارة بطرس الراعي تكشف المزيد من «انعدام الثقة» بينه وبين «حزب الله» كما مع القيادة السورية، اذ فيما كان رئيس «جبهة النضال الوطني» يغادر بيروت امس متوجهاً الى باريس حيث قيل انه سيلتقي عدداً من المسؤولين الفرنسيين، خرجت صحيفة «الوطن السورية» مشيرة الى ان مواقفه الاخيرة «تركت انزعاجاً وتململاً في أوساط 8 آذار التي بدأت تضيق ذرعا بمواقفه المتلونة والتي تفيد أنه بات يضيق ذرعا بحلفائه الجدد ويغرد خارج سرب الأكثرية الجديدة ولم يعد على موجة سياسية واحدة معها»..  
وتزامن هذا الهجوم السوري الاول من نوعه علناً على جنبلاط منذ «الصفحة الجديدة» التي فتحها مع دمشق والرئيس الاسد، مع تقارير في بيروت اشارت الى ان سورية قررت تجميد العلاقة مع الزعيم الدرزي على خلفية المواقف الأخيرة التي أعلنها من الحوادث الجارية فيها وأن دمشق «أقفلت أبوابها أمامه».
وعلى وقع هذا المناخ، ووسط تقارير عن ان موفدين من «حزب الله» ابلغوا الى ميقاتي استياء الحزب من مواقف جنبلاط لا سيما حول السلاح باعتباره «محاولة لفرط الحكومة»، اعلن رئيس «جبهة النضال الوطني» بقاءه على ما قاله قبل ايام مستغرباً، في ردّ على ما اوردته محطة «المنار» (تابعة لـ «حزب الله»)، الضجة التي أثيرت حول مواقفه وربطها بمواقف «القوات اللبنانية». وقال في تصريحات صحافية: «شو خص هيدي يهيدي»، مذكرا بأن ما قاله «لا يخرج عن سياق المواقف نفسها التي تم التفاهم حولها في هيئة الحوار الوطني».
واذ كشف جنبلاط انه «سيزور الراعي خلال اليومين المقبلين»، اكتفى بالقول ردا على سؤال عما تردد عن رفض سورية استقباله: «لم أطلب موعدا لزيارة دمشق».
وابدى اعتقاده أن على المسيحيين أداء دور أساسي في الحدّ من الصراع السنّي ـ الشيعي، مؤكداً أن تحالف الأقليّات سيقضي على المسيحيين، ما يؤدي إلى أن يصل البلد بعد مرحلة إلى الصدام السنّي ـ الشيعي. واضاف: «نظريّة تحالف الأقليّات دمّرت البلد»، مذكراً بأن رفعت الأسد، شقيق الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، هو أوّل من طرح هذه النظريّة، ولافتاً إلى «أن الرئيس الشهيد بشير الجميّل تبنّاها أيضاً»، مشيراً إلى أن تحالف الأقليات مشابه للنظريّة التي سعى «الأمير طلال أرسلان ووئام وهّاب لإقناع الدروز بها، وهو أن الدروز في خطر، وأن الخطر يأتي من السنّة». وأضاف: «تحالف الأقليّات سيقضي على الوجود المسيحي».
وعما تحدّث عنه بشأن سلاح «حزب الله»، قال: «صحيح أننا وضعنا في البيان الوزاري مبدأ التلازم بين الشعب والجيش والمقاومة، لكن لا بد من مناقشة هادئة لموضوع الاستراتيجيّة الدفاعيّة، وهذا ما اتفقنا عليه في الدوحة. لقد اخترعت بنفسي حينها عبارة الاستيعاب التدريجي للمقاومة في الدولة، أي الاستراتيجيّة الدفاعيّة وفقاً للظروف التي تُقررها المقاومة، وأشدّد على العبارة الأخيرة»، مشيراً إلى أن عبارة «وفقاً للظروف التي تُقررها المقاومة» قد تعني اليوم، أو بعد أسبوع أو عشرين عاماً، «الأمر متروك للمقاومة، لكن علينا بحث الاستراتيجيّة الدفاعيّة».
وعلّق على ما قاله الوزير السابق سماحة من أن قنوات الاتصال تجددت بينه وبين مساعد وزيرة الخارجية الأميركية جيفري فيلتمان، فقال: « لم أسمع كلام سماحة وأعتقد أنه يفهم بملفات الصين أكثر»، مشيراً الى انه لم يفهم كلام رئيس كتلة نواب «حزب الله» محمد رعد الذي دعا فيه الى «انتظار قراءة مواقف جنبلاط».
وفي هذه الاثناء، برز موقف لرئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع عكس قراراً من مسيحيي 14 آذار بطيّ صفحة المناخ الذي اعقب المواقف التي أطلقها البطريرك الماروني من باريس حول الوضع في سورية وسلاح «حزب الله» وحصر تداعياتها، وبدا مؤشراً قاطعاً الى ان جعجع سيحضر الاجتماع المقرر للقيادات المسيحية الرئيسية من 14 و 8 آذار في بكركي في 23 من الشهر الجاري.
فقد أعرب جعجع عن «ارتياحه لتوضيح البطريرك الماروني لمواقفه وبالأخص بعد تصريحاته يوم الثلاثاء ولقائه وفداً من قوى «14 آذار» بحيث شرح بأن كلامه اجتُزئ ودخل عليه تحوير وعدم دقة بالترجمة مما أدى الى تفسير هذا الكلام بطريقة لا تُعبّر عن رأيه الشخصي كما صرّح البطريرك نفسه».
ولم يُخفِ جعجع شعوره بالحيرة الكبيرة والغموض والحزن حين وصلت اليه مواقف البطريرك الراعي الأخيرة في فرنسا «وخصوصاً أنني أعايش تماماً مبادئ الكنيسة والفاتيكان ومسيرة المسيحيين عبر القرون كما أنني رافقت مواقف غبطة البطريرك الراعي منذ كان مطراناً وأعلم جيداً موقف الكنيسة وموقف الراعي من المبادئ الانسانية الكبرى والقيم الأساسية ومن حقوق الانسان والكرامة البشرية وحرية الانسان والديموقراطية ومن حق الشعوب في تقرير مصيرها اضافةً الى موقفها من الدولة لجهة انه لا يقوم مجتمع من دون ان يكون القرار الاستراتيجي والسلاح بيدها، فهذه المواقف جميعها ليست بجديدة على الكنيسة».
واذ رأى ان ما حصل من لغط بشأن تفسير كلام الراعي «ما هي الا غيمة عدم وضوح وقد زالت»، شدد على ان البطريرك الراعي «أمين على تراث بكركي وهذا مدعاة للارتياح ولعدم الضياع في تحاليل ليست بمكانها» 

السابق
التيار العوني والمردة من الشيعة؟!
التالي
حتى السواح !!؟