ماذا يريد حزب الله ؟

تحفل التطورات السياسية في لبنان بمجموعة من التداعيات التي قد يكون لها انعكاسات ليست عادية. فبعد ان تم الاتفاق على ملف خطة إصلاح الكهرباء، والتي كادت تسبب أزمة وزارية ـ بالرغم من اتفاق معظم الأطراف في الحكومة على كون الخلاف على هذا الملف تقنيا وليس سياسيا ـ برزت مجموعة من المؤشرات المقلقة، ربما تخفي خلافات ذات طابع سياسي، ومن الطراز الرفيع.

ليس سرا ان هناك تباينا سياسيا في لبنان حول مواضيع أساسية، كموضوع السلاح وملف المحكمة الدولية، وترسيم الحدود، والأحداث الجارية في سورية.

فالمعارضة الجديدة لها مقاربتها المتنوعة، والموالاة (أي أطراف الحكومة الحالية) لهم مقاربتهم المتنوعة أيضا من هذه المواضيع. وعدم التسليم بحرية الاختلاف حول هذه الملفات، يؤدي الى تصعيد التوتر السياسي، ويخلط الأوراق على شاكلة واسعة، والأجواء في لبنان، قد لا تسمح بإعادة خلط هذه الأوراق مجددا، وفي هذا التوقيت بالذات.

من حق حزب الله، والقوى التي تدور في فلكه، ان يكون لهم رؤيتهم الخاصة حول ما يتعلق بالصراع العربي ـ الإسرائيلي، وحول أهمية دور المقاومة في مواجهة العدو الإسرائيلي ـ ويشاطرهم في ذلك الكثيرون ـ ومن حق الحزب أيضا ان يكون له الموقف المعلن من المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، ومن الأحداث في سورية كونها مؤامرة (على ما يرى أمينه العام السيد حسن نصرالله). إلا انه من حق قوى سياسية وشعبية ـ خاصة منها من وقف الى جانب الحزب في أصعب الظروف ـ ان يكون لها رأي آخر، ولها أيضا الحق ان تتساءل عن الهدف من بعض المواقف والتهجمات، او المؤشرات المقلقة، في السياق الذي ينحو عليه اعلامه، وبعض مسؤوليه، او المؤيدين له. وبالتالي طرح مجموعة من النقاط قيد التداول، والتي يفرضها واقع الحال، ومنها:

 
أولا: هل يريد حزب الله إلغاء التنوع السياسي الموجود داخل الحكومة، وبالتالي القضاء على مبرر وجودها، من خلال التشدد في الانتقاد لكل من يتعارض معه في الملفات الخلافية، خاصة ان الانتقاد في بعض جوانبه تهجم يشبه اللغة التي كانت تستخدمها أجهزة المخابرات للتخلص من المعارضين لها، بدل ان يكون الأمر من خلال فتح نقاش ـ لا ينفد معه صبر أحد ـ حول المقاربات المختلفة للأحداث، لاسيما ان هؤلاء المعنيين قوى سياسية فاعلة ومؤثرة، ويخطئ من يعتقد انها يمكن ان تدار بالتهديد او الضغط ـ وعلى وجه التحديد الرئيس نجيب ميقاتي (الذي برأ علنا حزب الله من دم الرئيس الشهيد رفيق الحريري)، ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط (الذي لولاه لما تسنى لحزب الله ان يكون في الموقع السياسي الذي هو فيه اليوم).

ثانيا: ان رفع سقف الردود على مقاربات النائب وليد جنبلاط لبعض الملفات السياسية، واستخدام الإيحاءات التشكيكية، (إذا لم نقل التخوينية) أثار انتباه المراقبين، وبدا وكأنه حملة سياسية وغير سياسية، تكرر مشاهد سابقة، لم توصل الى نتيجة ـ علما ان جنبلاط معروف بكونه من الذين يقولون رأيهم بخلفية استشرافية، دون ان يكون صادرا عن اصطفاف في اي من الطوابير.

ثالثا: حزب الله، كونه مكونا أساسيا من مكونات الحكومة، ملزم ان يكون على رحابة صدر واسعة (وألا ينفد صبره) من سماع الرأي الآخر المختلف معه، خاصة اذا كان هذا الرأي صادرا عن شريك، لا يجوز ان يعامل إلا بالاحترام.

ان الحفاظ على لبنان والمقاومة، يستدعي تجنب السير في المستنقعات الرطبة التي قد تغرق فيها الأقدام. 

السابق
الحياة: بري: المجلس سيقوم بواجبه تجاه الكهرباء وسندعو لانعقاد الهيئة العامة لمناقشته وإقراره
التالي
ماذا قال ساركوزي للبطريرك؟