التيار العوني والمردة من الشيعة؟!

من حق البطريرك بشارة الراعي، الذي نُقدّر ونحترم، أن يتخذ المواقف التي يعتقد أنها تخدم رعيته، وتحافظ على طائفته·

ومن حق سيّد بكركي أن يُعبّر في تصريحاته عن قناعاته، ورؤيته لحماية الوجود المسيحي في المشرق، وتعزيز الدور الماروني في المعادلة اللبنانية·

وطبعاً من حق صاحب شعار <الشراكة والمحبة> أن يطرح الأفكار التي يراها مناسبة لترجمة هذا الشعار على أرض الواقع، وصولاً إلى تعزيز صيغة الشراكة الوطنية بين المسيحيين والمسلمين، سواء في لبنان أم على مستوى المنطقة العربية بأسرها·

إن التأكيد على هذه المسلمات البديهية يساعدنا، بل ويُسهّل علينا، التطرّق إلى <المواقف المفاجئة> التي أعلنها غبطته عشية اختتام البرنامج الرسمي من زيارته الفرنسية، وقبيل انطلاقه في جولته الرعوية في بعض المدن الفرنسية للإلتقاء برعايا كنيسته، وبعض اللبنانيين المقيمين في الديار الفرنسية·

* * *

يمكن اختصار مواقف البطريرك الراعي، التي يبدو أنها استندت إلى تحالف الأقليات، وأثارت ردود فعل واسعة في أوساط اللبنانيين، بالنقاط الثلاث التالية:

1 – تبرير وجود السلاح بأيدي فريق من اللبنانيين (حزب الله)، وربط هذه المسألة باستمرار الاحتلال لمزارع شبعا وما حولها·

2 – الدفاع عن بقاء النظام الحالي في سوريا، حفاظاً على الوجود المسيحي في المشرق، ولتفادي تعرّض مسيحيي بلاد الأمويين لما تعرّض له إخوانهم في بلاد العباسيين من اضطهاد وتهجير·

3 – التحذير من وصول الإخوان المسلمين إلى الحكم في دمشق، لأن ذلك سيدعم السنّة في لبنان -?كذا?- الأمر الذي يؤدي إلى أزمة بين السنّة والشيعة··· يدفع ثمنها المسيحيون في لبنان وسوريا·

الموقفان الأوّل والثاني أثارا ردود فعل عاصفة في الأوساط السياسية التي انقسمت كالعادة بين معترض (القيادات المسيحية في قوى 14 آذار)، ومؤيّد (حزب الله والتيار العوني وحركة أمل)· ومن المتوقع أن تستمر السجالات حولهما إلى أن يصدر تصريح توضيحي من البطريرك يحسم الجدل الدائر حول نسبة التغيّر الحاصل في موقف الراعي، وعما إذا كان هذا الموقف يُعبّر عن توجهات جديدة في بكركي، أم مجرّد اجتهاد شخصي يُمهّد لزيارات ولقاءات ينوي البطريرك الماروني الجديد القيام بها، وقد تكون أولى محطاتها دمشق·

لا ضرورة لصبّ الزيت على النار في المناقشات الحامية حول موضوعي السلاح والدفاع عن النظام السوري، لأن لدى الأطراف السياسية المعنية من قدرة على المواجهة، والتصدي من جهة 14 آذار، والدفاع من جهة 8 آذار، ما يكفي لاستمرار أوار هذه المعركة السياسية فترة طويلة·

ولكن ما يهمنا في هذه العجالة، هو التوقف عند الموقف الثالث الوارد في كلام البطريرك الراعي، الذي قد يكون هو الأخطر في هذه المرحلة بالذات، لأنه يفترض وقوع فتنة سنية – شيعية في لبنان وسوريا، في حال تغيّر النظام الحالي في دمشق!·

أولاً، لا بدّ من التأكيد مرّة أخرى، أن ما يجري داخل سوريا هو شأن سوري وطني بامتياز، وأن التعاطف الشعبي والرسمي الخارجي، سواء العربي أم التركي أم الأجنبي، لا يقلل من دور الشعب السوري الشقيق في تحديد خياراته، وسلوك الطريق التي يراها مناسبة للإصلاح والتطوير·

وبغض النظر عن النتائج التي سيُسفر عنها المخاض السوري الحالي، فثمة حقيقة، بل مجموعة حقائق تاريخية، لا يستطيع أحد أن يتجاهلها، أو أن يقفز عنها·

أولى تلك الحقائق أن الأخوة المسيحيين، وغيرهم من أهل الكتاب، قد عاشوا قروناً في كنف الدول الإسلامية المتعاقبة على عاصمة الأمويين في أمان وسلام، حتى في ذروة الحملات الصليبية الأوروبية على القدس ودول المنطقة، حافظ المسلمون على إخوانهم المسيحيين الذين انضم كثيرون منهم إلى جيوش مواطنيهم من العرب والمسلمين لصد الغزوات الصليبية عن أراضيهم·

أبرز تلك الحقائق، وقد لا تكون آخرها، أن المسيحيين العرب تبوّأوا أعلى المراكز الرسمية إبان عهد الملك فيصل الأوّل، ثم كان الراحل الكبير فارس خوري من أوائل رؤساء دولة الاستقلال في سوريا، في مرحلة لم يكن أحد يُفرّق بين المسلم والمسيحي، أو بين العربي والكردي، أو حتى بين الدرزي والسنيّ والعلوي، لأن الجميع كانوا ينضوون تحت لواء حركة وطنية تناضل من أجل الحرية والاستقلال وإنهاء عهد الانتداب·

لذلك، من السهل الاستنتاج أن أهل السنّة، وإن كانوا دائماً في موقع الأكثرية، لم يمارسوا يوماً التمييز الطائفي أو المذهبي، ولا حتى العنصري، بل على العكس تماماً، كانوا بمثابة الحضن الكبير الذي اتسع لكل مكونات المجتمعات العربية التي عاشت ردحاً من الزمن بسلام ووئام، بعيداً عن الحروب الطائفية التي اجتاحت أوروبا في عصور الظلم الفكري والتعصب الديني، إلى أن تدخّلت القوى الاستعمارية في بلادنا، وراحت تنفّذ سياسة <فرّق تسد>، وتزرع بذور الفتن والصراعات الطائفية بين أبناء الوطن الواحد، حتى يتسنى لها بسط هيمنتها على مقدرات هذه المنطقة·

ولعل هذه القوى الاستعمارية نفسها هي التي تروّج في هذا الزمن المخاوف من تطرّف الحركات الأصولية والفكر الظلامي الذي يتخذ من الدين ستاراً مزيفاً له، لتبرير تدخلها المستمر في شؤون دول المنطقة، خاصة بعدما كشفت الوقائع أن العديد من تلك الحركات المتطرفة هي من نتاج دوائر الاستخبارات الأميركية والأوروبية، بهدف العمل على تشويه صورة الإسلام الحقيقي·

أما مسألة الفتنة بين السنّة والشيعة، والتي قد يدفع ثمنها المسيحيون اضطهاداً وتهجيراً··· فتستحق أكثر من وقفة·

لعل البطريرك بشارة الراعي، يُدرك أكثر من غيره، بحكم متابعته المستمرة للتطورات السياسية، وشغفه المعروف بالإعلام، أن ما يجري حالياً في لبنان ليس صراعاً بين السنّة والشيعة، بقدر ما هو اصطدام وتنافس محتدم بين مشروعين استراتيجيين في المنطقة:

{ المشروع العربي الذي يحاول الحفاظ على الهوية العربية، ويحمي النظام العربي، عبر التصدّي للامتداد الإيراني الذي استطاع تحقيق اختراقات مهمة في الجسد العربي·

{ المشروع الفارسي الذي يطمح لاستعادة أمجاد الأمبراطورية الفارسية القديمة، وبسط هيمنته على المنطقة العربية وثرواتها، وقد استطاع هذا المشروع إنشاء أدوات محلية له في اكثر من بلد عربي، بعدما استغل النزعة المذهبية، وعمل على تغذيتها طوال السنوات الماضية· كما نجح المشروع الإيراني الفارسي في الوصول إلى شاطئ البحر المتوسط وبسط نفوذه على منطقة استراتيجية تمتد من غزة حتى الحدود السورية – التركية·

إن تصادم هذين المشروعين لا يُشكّل خطراً على المسيحيين وحدهم، بقدر ما يُعرّض أمن وسلامة المنطقة وأهلها، على اختلاف طوائفهم ومذاهبهم وأعراقهم، لحروب طاحنة لا تُبقي ولا تذر، من دون تمييز بين سنيّ وشيعي، أو بين مسلم ومسيحي·

لذلك، من السهل الاستنتاج أن كلام غبطة البطريرك بُني على افتراض لا علاقة له بالواقع، ويأخذ الأمور بمظاهرها الخارجية، السطحية، وبالتالي فإن الموقف البطريركي الخائف من الفتنة السنيّة – الشيعية، يبقى بعيداً عن الإحاطة بجذور الأزمات التي تتخبط فيها المنطقة العربية حالياً، والتي ينقسم حولها اللبنانيون حسب ارتباطات قياداتهم السياسية، وليس بسبب انتماءات النّاس الدينية أو المذهبية، إلا اذا كان سيّد بكركي الجديد يُصنّف <الكتائب> و <القوات اللبنانية> من أهل السنّة، ويعتبر <التيّار العوني> و <المردة> من أهل الشيعة··!!·

··· <وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسَن>·

ولعل هذه القوى الاستعمارية نفسها هي التي تروّج في هذا الزمن المخاوف من تطرّف الحركات الأصولية والفكر الظلامي الذي يتخذ من الدين ستاراً مزيفاً له، لتبرير تدخلها المستمر في شؤون دول المنطقة، خاصة بعدما كشفت الوقائع أن العديد من تلك الحركات المتطرفة هي من نتاج دوائر الاستخبارات الأميركية والأوروبية، بهدف العمل على تشويه صورة الإسلام الحقيقي·

أما مسألة الفتنة بين السنّة والشيعة، والتي قد يدفع ثمنها المسيحيون اضطهاداً وتهجيراً··· فتستحق أكثر من وقفة·

لعل البطريرك بشارة الراعي، يُدرك أكثر من غيره، بحكم متابعته المستمرة للتطورات السياسية، وشغفه المعروف بالإعلام، أن ما يجري حالياً في لبنان ليس صراعاً بين السنّة والشيعة، بقدر ما هو اصطدام وتنافس محتدم بين مشروعين استراتيجيين في المنطقة:
 المشروع العربي الذي يحاول الحفاظ على الهوية العربية، ويحمي النظام العربي، عبر التصدّي للامتداد الإيراني الذي استطاع تحقيق اختراقات مهمة في الجسد العربي·

 المشروع الفارسي الذي يطمح لاستعادة أمجاد الأمبراطورية الفارسية القديمة، وبسط هيمنته على المنطقة العربية وثرواتها، وقد استطاع هذا المشروع إنشاء أدوات محلية له في اكثر من بلد عربي، بعدما استغل النزعة المذهبية، وعمل على تغذيتها طوال السنوات الماضية· كما نجح المشروع الإيراني الفارسي في الوصول إلى شاطئ البحر المتوسط وبسط نفوذه على منطقة استراتيجية تمتد من غزة حتى الحدود السورية – التركية·

إن تصادم هذين المشروعين لا يُشكّل خطراً على المسيحيين وحدهم، بقدر ما يُعرّض أمن وسلامة المنطقة وأهلها، على اختلاف طوائفهم ومذاهبهم وأعراقهم، لحروب طاحنة لا تُبقي ولا تذر، من دون تمييز بين سنيّ وشيعي، أو بين مسلم ومسيحي·

لذلك، من السهل الاستنتاج أن كلام غبطة البطريرك بُني على افتراض لا علاقة له بالواقع، ويأخذ الأمور بمظاهرها الخارجية، السطحية، وبالتالي فإن الموقف البطريركي الخائف من الفتنة السنيّة – الشيعية، يبقى بعيداً عن الإحاطة بجذور الأزمات التي تتخبط فيها المنطقة العربية حالياً، والتي ينقسم حولها اللبنانيون حسب ارتباطات قياداتهم السياسية، وليس بسبب انتماءات النّاس الدينية أو المذهبية، إلا اذا كان سيّد بكركي الجديد يُصنّف <الكتائب> و <القوات اللبنانية> من أهل السنّة، ويعتبر <التيّار العوني و المردة من أهل الشيعة··!!·

···وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسَن· 

السابق
اللواء: ميقاتي رداً على عون: لنبذ العنف الكلامي وتضامن الحد الأدنى لتمرير العاصفة بسلام
التالي
نيران سورية تصيب ميقاتي وجنبلاط