قصة خط خلوي برسم وزير الاتصالات

قال لي موظف شركة الهاتف الجوال الشهيرة في مصر: لدينا ثلاثة انواع من الخطوط، فأيا منها تريد؟
قلت: اريد الخط الذي يسهّل لي الاتصال خلال زيارتي القصيرة لمصر.
قال: عليك بخط «إيزي».
سألت من باب الترف: هل استطيع استخدامه خارج مصر؟
اجاب: نعم وفي كل بلاد الدنيا. انه خط «رومينغ».
بعد استكمال الاجراءات التقليدية وعملية تسجيل الخط الجوال قال الموظف: خمسة وثلاثون جنيها مصريا (نحو ستة دولارات اميركية).
همست في سري: خط هاتف جوال ودولي (رومينغ) بستة دولارات فقط؟
لم تنته الحكاية عند هذا الحد. طلبت تعبئة الخط (تشريج) بأقصى حد حتى لا اضطر الى تعبئة الخط بصورة شهرية. قال لي الموظف «تستطيع التشريج بمائتين وخمسين جنيها مصريا (نحو اثنين واربعين دولارا اميركيا)».
بعدها جاءتني رسالة بصوت انثوي ناعم تقول: «تنتهي صلاحية هذه التعبئة في 31 مايو (ايار) في العام 2014. ويرجى اعادة التحميل قبل هذا التاريخ حتى لا تضطر الى دفع خمسة جنيهات كرسم لاعادة تشغيل الخط».
لا يحتاج الأمر الى تعليق اذا ما قورن بتكاليف الهاتف الجوال في لبنان، حيث تؤكد الوقائع الدولية انها الاعلى والاغلى في العالم، فضلا عن انهاء صلاحية الخط خلال شهر واحد على الاقل وثلاثة اشهر على الاكثر بتكلفة تصل الى خمسة وسبعين دولارا اميركيا، من دون توفير الخدمة الخارجية للخط (الرومينغ).

طبعا لا تنفرد مصر بمثل هذه الخدمة المخفضة جدا لتكاليف الهاتف الجوال. فمعظم دول العالم تنهج هذا المنحى، بحيث بات الهاتف الخلوي وسيلة شعبية جدا، الا في لبنان حيث التكاليف ما تزال خيالية. فقبل سنتين كنت عائدا من سيراليون في افريقيا عبر غانا حيث امضيت ثلاثة ايام في عاصمتها أكرا. وقد دفعني الترف الى شراء خط هاتفي جوال من احد «الاكشاك» على قارعة الطريق بما يعادل دولارا واحدا فقط، وأكملت «التشريج» بسبعة دولارات, واستخدمته طوال الايام الثلاثة بمكالمات خارجية، ومع ذلك لم تنفد الدولارات السبعة ولا انتهت صلاحية الخط منذ ذلك التاريخ.
يعرف اللبنانيون المقيمون في الخارج حجم العروض التي تقدم في مجال الهاتف الجوال، بحيث لا تشكل التكاليف الا النزر القليل من مداخيل الناس. وبالتأكيد يعرف وزير الاتصالات في لبنان هذه المعلومات، مثلما يعرفها وزراء الحكومة ورئيسها بالذات الذي كان يمتلك احدى اكبر شركات الهاتف الخلوي في العالم. ومع ذلك كانت التخفيضات التي اقرتها الحكومات والوزارات المتعاقبة على تكاليف الهاتف الجوال دون الحد الادنى المطلوب، مع ان هذه التخفيضات باعتراف وزراء الاتصــالات زادت مداخيل الوزارة من هذا القطاع.
ليس معقولا ولا مقبولا ان يتكبد اللبناني شهريا حدا ادنى اجباريا من الكلفة على الهاتف الجوال يقدر بنحو خمسة وعشرين دولارا اميركيا، وإلا تنتهي صلاحية الخط ويُرمى في سلة المهملات. ولا يجوز ان يتكبد اللبناني الف دولار اميركي بدل تأمين لاستخدام خطه الجوال خارج الاراضي اللبنانية (الرومينغ). ولا تمكن مقارنة تكاليف الهاتف الجوال بالحد الادنى للاجور في لبنان، على اساس انه اعلى من الدول المجاورة ودول افريقيا.
صار من الضروري ان تتوقف الحكومة اللبنانية امام تكاليف الهاتف الجوال باعتبار انها تملك شركتي الهاتف الخلوي، ولم يعد من الجائز اعتبار هذا القطاع مصدرا رئيسيا للدخل في لبنان، ومقايضته بخسائر الكهرباء، مع العلم ان التخفيضات والعروض المحفزة على استخدام الجوال لم يثبت انها شكلت تراجعا في الدخل، لكنها على الاقل تشجع الطبقات دون المتوسطة على امتلاك واستخدام الهاتف الجوال وتوسيع الشبكات وزيادة المكالمات في الداخل والخارج. وعندها يمكن للبناني ان يتنفس المزيد المزيد من «الهواء الخلوي» الذي تبيعه الدولة للناس.
القضية برسم وزير الاتصالات نقولا صحناوي الذي يطمح الى خطوات تعزز شعبيته ومستقبله السياسي!

السابق
مرارات حزب الله!
التالي
آسارتا للمسؤولين اللبنانيين: التعرّض لليونيفيل يهدد استمراريتها