عند تغيير الدوَل إحفظ رأسك

قدّمت رموز في المعارضة مقاربة للاستراتيجيّة الوطنيّة الدفاعيّة، عنوانها " الجيش هو البديل عن المقاومة"، وسلاح حزب الله يجب أن يصبح في عهدة الجيش، لكن سرعان ما شهدت هذه المعادلة، وقبل أن يجفّ حبرها، انتكاستين من قِبل قوى في المعارضة، الأولى: الحملة المستنكرة على المؤسّسة العسكريّة التي لم تنتهِ فصولا بعد. واستمرار محاولات ربط النزاع بين مناطق في الشمال والداخل السوريّ.

وتأتي زيارة وزير الدفاع فايز غصن الى دمشق لتستفزّ المعارضة مرّتين، التوقيت السياسي، والصورة التي جمعت الوزير مع الرئيس بشّار الأسد، كانت استفزازيّة بالنسبة إلى رموز كثيرة في المعارضة. ثمّ التوقيت الأمني، كون الزيارة جاءت في زمن لم تستكمل فيه بعد معالجات موضوع ربط النزاع أو الاشتباك. وجاء البيان الختاميّ الذي نقلته (سانا) ليصبّ الزيت على النار، خصوصا لجهة الثناء "على الجهود الكبيرة التي يبذلها الجيش اللبناني بالتنسيق مع نظيره السوريّ لضبط الحدود بين البلدين، والتي أسفرت أخيرا عن إحباط الكثير من محاولات تهريب شحنات من الأسلحة التي تستهدف أمن البلدين واستقرارهما".

هناك حالة مربكة يتعاطى معها السلك الدبلوماسيّ الغربي بصعوبة. إنّه ميّال الى منطق قوى 14 آذار، وشريك أساسي في الحملة الإعلاميّة – السياسيّة – الدبلوماسيّة التي تستهدف سلاح حزب الله، وهي ليست بحملة جديدة ولا فريدة من نوعها، إذ سبق للتحالف الدوليّ أن وجّه رسائل مباشرة الى المسؤولين وإلى الحزب أيضا، لوقف المقاومة، ونزع السلاح، وكان الردّ واضحا لجهة التمسّك بالثلاثي الماسي "الجيش، والشعب، والمقاومة". وسعى التحالف الى طرح البديل، ولجأ من خلال دبلوماسيّته النشِطة في بيروت إلى التسويق لفكرة تسليح الجيش، ومدّه بما يحتاج من أسلحة وذخيرة وخبرات، لكنّ لقاءات الدبلوماسيّين، وتطوافهم على المسؤولين والقادة السياسيّين أسفر عن تظهير عائقين: إنّ إسرائيل تعارض أيّ توجّه لمدّ الجيش بالسلاح الحديث المتطوّر من قِبل أيّ دولة غربيّة مهما كان شأنها، وعمق علاقاتها الثنائيّة مع لبنان. ثمّ الخشيّة من أن يصبح هذا السلاح يوما في عهدة حزب الله, مع أن هذا الأمر لم يحصل في تاريخ لبنان.

وظهر الخيار الثالث نافرا بخطابه وسلوكيّته، خطاب يستهدف المؤسّسة الوطنيّة بلحمتها ووحدتها ودورها الحامي للسلم الأهليّ. وسلوكيّة هدفها ربط الاشتباك بين لبنان وسوريا تحت شعار دعم الانتفاضة في مواجهة النظام، ومن منطلقات مذهبيّة طائفيّة نافرة، في منطقة لبنانية هي النموذج في التنوّع والعيش الواحد.

والأخطر أنّ دبلوماسيّين متابعين يتحدّثون في مجالسهم عن مشاريع سياسيّة تتلطّى وراء محاولات ربط الاشتباك. مشاريع لها عرّابوها، ومنظّروها، وأموالها، ومصادر تمويلها، ورجالها، وقياداتها، وإنّ ما يجري على مرأى من الناس ليس عفويّا، ولا يقتصر على مساعدات إنسانيّة، ومعونات لوجستيّة تفرضها أواصر القربى، أو الجيرة، أو المؤثّرات العاطفيّة الأخرى، بل إنّ وراء الأكمة ما وراءها من مشاريع ومخطّطات الهدف منها إحداث تغيير في لبنان ينسجم ويتلاءم مع التغيير في سوريا، إذا ما نجحت المعارضة في إسقاط النظام. وتشاء الصدف أن تلتقي مضامين بعض التقارير التي وضعها ملحقون عسكريّون غربيّون يعملون في بيروت مع معلومات لدى مؤسّسات أمنيّة وعسكريّة رسميّة مفادها أنّ التدرّج في الخطاب السياسيّ تزامن وترافق مع تدرّج في الخطوات الميدانيّة على الأرض، وأنّ رفض السلاح الذي يمتاز ويتميّز به هذا الجانب، يقابل باقتناء وتوزيع السلاح من قبل الجانب الآخر، وإنّ الحرص على الجيش ووحدته ودوره، يقابل بالدعوة الى التزامه بخيارين لا ثالث لهما، إمّا الالتحاق بالجهود النشِطة لربط النزاع مع الانتفاضة السوريّة لجهة دعمها وتمكينها من إسقاط النظام، أو الدعوة الى تفتيت صفوفه بالضرب على الوتر الطائفيّ والمذهبيّ. ويجب الاعتراف بأنّ هذه المحاولات قد جوبهت من قِبل البعض بحملة استعراضيّة بائسة فاحت منها روائح التزلّف والتملّق صونا لمصالح شخصيّة ومآرب خاصة، إلّا أنّ المحاولات الجدّية المترفّعة عن الأهواء والأغراض والفئويّات والمذاهب هي تلك التي قامت بها قيادة الجيش من منطلق مناقبيّ وطنيّ ليس دفاعا عن المؤسّسة العسكريّة وهي ركينة الجانب، عصيّة على أيّ اختراق أنّى أتى، ومن أيّ جهة انطلق، بل دفاعا عن أمن المواطن، خصوصا في مناطق الغمز واللمز والتحرّك الملوّن المشحون، ودفاعا عن الوحدة الوطنيّة والسلم الأهلي، انطلاقا من مسلّمتين تؤطّران أيّ تحرّك يقوم به بعض حكماء مطابخ القرار في الداخل: "ما نريده لسوريا، هو ما يريده شعبها"، هذا على المستوى الثنائي. أمّا على مستوى المنطقة: "عند تغيير الدول إحفظ رأسك".

السابق
وزير الصحة يتجه لإعادة فتح مستشفى حاصبيا الحكومي
التالي
استنفار للجيش عند بوابة فاطمة بعد استفزاز إسرائيلي