السفير: أردوغـان يأمـل مستقبـلاً عربـياً تركيـاً مشتـركاً: مَـن يقمعــوا شعـوبهـم يرتكبـوا خطــأً جسيمــاً

حل رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، أمس، ضيفاً على وزراء الخارجية العرب، المجتمعين في مقر الجامعة العربية في القاهرة، وهي المحطة الأولى من جولة على دول «الربيع العربي» ستقوده أيضاً إلى ليبيا وتونس، والقى كلمة ذات طابع إرشادي تناولت قضايا الديموقراطية وعلاقات تركيا مع محيطها، واستغلها لتوجيه رسائل لأكثر من طرف، في لغة بدت مشابهة لتلك التي اعتمدها الرئيس الأميركي باراك أوباما في خطابه الذي وجهه إلى العالم العربي من القاهرة عام 2009.
مشاركة أردوغان في اجتماع مجلس الجامعـة العربيـة المنعقد
في دورته السادسة والثلاثين بعد المئة، أشبه باحتفالية، وقد وصفها الإعلام المصري بـ«التاريخية»، إذ دخل رئيس الوزراء التركي القاعة الكبرى لمقر الجامعة، وسط تصفيق حار من الحضور، سواء من وزراء الخارجية العرب والوفود المرافقة لهم ومن الإعلاميين.
ورحب رئيس وزراء قطر الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني بزيارة أردوغان ووصفه بالصديق، مشيداً بجهود تركيا في رفع الحصار عن غزة، وقال إنها دليل على أن أنقره تقف إلى جانب العرب في الظروف السيئة قبل الحسنة. كما رحب الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي بأردوغان، الذي وصفه بـ«الصديق الكبير»، وأشاد بالدور الذي تلعبه تركيا إقليميا ودوليا، مشدداًعلى ان الشعوب العربية تقدر ما تقوم به تركيا.
وقال أردوغان، في خطاب ألقاه أمام الوزراء العرب، إن «مزيدا من الحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان يجب أن يكون شعارنا المشترك، لأن أحدا لا يستطيع الادعاء ان شعوبنا لا تستحق أن تنظر إلى المستقبل بأمل».
وأضاف «إننا ملزمون بتلبية المطالب المشروعة لشعوبنا بوسائل وأساليب مشروعة»، مشيراً إلى أن «هؤلاء الذين يحاولون قمع المطالب المشروعة بوسائل غير مشروعة وبالقوة، هؤلاء الذين يؤجلون العدالة سوف يفهمون، ليس اليوم لكن غدا، انهم يرتكبون خطأ جسيما».
وأشار أردوغان إلى الشاب محمد بوعزيزي، الذي أطلق شرارة الانتفاضة في تونس، ومن ثم في دول عربية أخرى، قائلا انه «ذكر العالم مرة أخرى بقيمة الشرف الإنساني».
وشدد أردوغان على أنه «من غير الوارد بالنسبة لتركيا أن تتخذ موقفا لامباليا من التطورات في الشرق الأوسط، ليس لكونها جزءا من جغرافية المنطقة وحسب، بل لما لها من تاريخ مشترك ومستقبل واحد».
وأعرب رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان عن أمله في «صياغة مستقبل عربي تركي مشترك يقوم على الحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان» مشيرا إلى أن «تركيا والعرب يشتركون في العقيدة والثقافة والقيم» وأن «صدى ما يحدث في العالم العربي يصل إلى تركيا».
ورأى أردوغان أن «نضال الشعب الليبي في مجال الحرية يستحق التقدير»، منوها بقرار الجامعة العربية الاعتراف بالمجلس الوطني الانتقالي.
واعتبر أردوغان أن «القضية الفلسطينية هي قضية كرامة ويقتضى علينا أن نعمل في إطار هذه الحقيقة» مشدداً على أن «فلسطين هي قضية لكل الإنسانية ولكل المساندين للكرامة والعدالة وأنها قضية حيوية حتى بالنسبة للسلام العالمي». ورأى أن الوضع الحالي في غزة لا يمكن أن يستمر، وأن على الفلسطينيين إعلان دولتهم المستقلة التي يسعون للحصول على اعتراف دولي بها، مؤكداً دعم أنقرة لهذا التوجه في كل المحافل الدولية.
من جهة ثانية، كرر أردوغان شروط تركيا لعودة العلاقات مع إسرائيل إلى ما قبل الهجوم على «أسطول الحرية». وقال إن إسرائيل «تدافع عن شرعيتها من جهة، وفي الوقت ذاته تقوم بممارسة غير مسؤولة، فهي تسحق الكرامة الإنسانية والقانون الدولي والاعتداء على المواكب الدولية». وشدد على أن «إسرائيل لن تخرج من عزلتها إلا إذا تصرفت كدولة عاقلة مسؤولة جدية وطبيعية».
وأضاف ان «الحكومة الإسرائيلية تجاهلت مطالبنا بالاعتذار وتتجاهل القوانين الدولية»، كما أعرب عن رفض بلاده تقرير لجنة بالمر، الذي وصفه بأنه «أسير الذهنية الإسرائيلية»، وأضاف «إننا نعتبره كأنه لم يكن»، محذراً الأمم المتحدة وكل الأوساط الدولية من أنهم إذا استمروا في دعم إسرائيل فإنهم سيكونون شركاء في الجريمة.
وفي خطاب مسائي ألقاه في دار الأوبرا في القاهرة، أكد أردوغان «مصر سوف تعبر هذه المرحلة بأمن وسلام استنادا لتاريخها العريق». وأضاف ان «المنطقة تعيش مرحلة تغيير تاريخي وثوري وديموقراطي، وبدأت تبعث ميلادها من جديد كبعثنا بعد الموت»، معربا عن شعوره بالسعادة البالغة والفخر الشديد وهو يشارك الشعب المصري فرحته بثورته. 
وأشاد أردوغان بالشباب في مصر وتونس وليبيا. وقال إنه «كما كان في التاريخ التركي شاب قام بإنهاء حضارة سوداء ودشن حضارة جديدة عريقة عندما فتح اسطنبول وهو محمد الفاتح فإن هناك شبابا في مصر أغلقوا صفحة وفتحوا صفحة حضارة جديدة، فسلام على مصر، سلام على شعب مصر، سلام على شباب مصر». وتابع «نحن رأينا في مصر ثورة بدأ نقطة اطلاقها مهندس حاسوب شاب عمره 26 سنة»، في إشارة إلى الناشط وائل غنيم.
وأضاف ان «مصر وتركيا يد واحدة.. كما أن القاهرة واسطنبول شقيقتان»، منوهاً بمقولة الخطاطين الشهيرة «القرآن نزل في مكة وقرئ في مصر وكتب في اسطنبول»، وقد حرص أردوغان على أن يردد هذه العبارة باللغة العربية.
وحول الوضع في سوريا، قال أردوغان إن الشعب السوري لم يعد يصدق الرئيس بشار الأسد لأنه لم ينفذ الإصلاحات، موضحاً انه «مع زيادة عدد القتلى المدنيين في سوريا نحن نرى ان الإصلاحات لم تتحقق ولم يتكلموا بصدق. لا يمكن ان نصدق هذا. والشعب السوري لا يصدق الأسد ولا أنا أصدقه. نحن أيضا لا نصدقه».
في سياق آخر دعا أردوغان، في مقابلة تلفزيونية، إلى وضع الدستور استنادا إلى مبادئ الدولة العلمانية، مشدداً على أنها لا تعني دولة اللادين، بل هي دولة تقف على مسافة واحدة من كل الأديان، مضيفاً «لا تقلقوا من الدولة العلمانية وأتمنى وجود دولة علمانية في مصر».
وأشار أردوغان إلى أن مصر تستطيع بناء دولة حديثة بعد الثورة إذا طبقت ثلاث خطوات تتمثل في الإدارة الجيدة للمواطنين، والاهتمام بالتعليم، وأخيرا التنظيم الجيد لأموالها، فضلا عن القضاء على الفساد وتحقيق الاستقرار.
وأثار حديث أردوغان عن العلمانية صدمة كبيرة للإسلاميين في مصر، وخصوصاً جماعة «الإخوان المسلمين»، إذ قال القيادي في الجماعة، ونائب رئيس حزبها «العدالة والحرية» عصام العريان انه تعجب جدا من كلام أردوغان، مشدداً على أنه لا يحق لرئيس الوزراء التركي التدخل في شؤون مصر الداخلية.
وكان أردوغان أعلن، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الوزراء المصري عصام شرف، وقوف أنقرة إلى جانب القاهرة، حتى تتغلب على الصعوبات التي تواجهها حالياً، مشيرا إلى أن حجم التبادل التجاري بين البلدين يبلغ ثلاثة مليارات دولار في الوقت الحالي وسيتم رفعه «خلال فترة قصيرة إلى خمسة مليارات دولار».
واستهل أردوغان زيارته مصر بزيارة «مقابر الشهداء الأتراك» الذين سقطوا في فلسطين خلال الحرب العالمية الأولى، ثم أجرى محادثات مع رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية المشير حسين طنطاوي، والتقى كذلك شيخ الأزهر أحمد الطيب في مقر المشيخة في القاهرة، حيث شددا على استمرار التعاون الثقافي والإسلامي بين الجانبين لنشر تعاليم الدين الإسلامي المعتدل  

السابق
المتي في وادي التيم: جلسات وطقوس خاصة
التالي
النهار: الحكومة تتكهرب بالمحكمة والسلاح …الراعي: الإجتزاء ليس مواقفي