هل يمكن إنقاذ الاقتصاد الأميركي؟

خلال الأسبوع الماضي، شهدت البلاد الكثير من المشاحنات الحزبية فيما يتعلق بالاقتصاد، ولذا قد يكون من المفيد أن نتوقف ونقيم ما نعرفه وما لا نعرفه. دعونا نبدأ بخمسة مقترحات لا يوجد حولها الكثير من الشكوك:
المؤكد أن لاقتصاد في حالة سيئة. انتهت فترة الركود في شهر يونيو (حزيران) 2009، ومنذ ذلك الحين بدأ الاقتصاد في التعافي، ولكن لا يشعر معظم الأميركيين بذلك. وقد توقفت الأمور عن التردي، ولكنها لم تتحسن بشكل كبير، وينمو الاقتصاد بمعدل هذيل وهو ما جعل معدلات البطالة تصل لمستويات قياسية.
ترتبط الأنباء المخيبة للآمال بشأن فرص العمل ارتباطا وثيقا بالنمو الضعيف للناتج المحلي الإجمالي. ويطلق الاقتصاديون على العلاقة بين النمو والبطالة اسم «قانون أكون» على اسم العالم الاقتصادي آرثر أكون الذي درس هذا القانون في الستينيات من القرن الماضي. ويقول قانون أكون، في جوهره، إنه لكي نقلل معدلات البطالة، يجب أن يرتفع الناتج المحلي الإجمالي بأعلى من معدله في المتوسط على المدى الطويل بنسبة 3 في المائة. وحتى الآن في عام 2011، وصل معدل النمو إلى أقل من واحد في المائة.
ويعد الإنفاق على السلع الاستثمارية هو المكون الأكثر تقلبا في الناتج المحلي الإجمالي خلال دورة العمل. ويتضمن هذا الإنفاق المعدات والبرمجيات وتراكم المخزون وتشييد الوحدات السكنية وغير السكنية. ويعد الانكماش الاقتصادي الأخير خير دليل على هذه المشكلة: خلال الفترة بين ذروة النمو الاقتصادي في الربع الرابع من عام 2007 وحتى انتهاء الركود الاقتصادي بشكل رسمي، انخفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 5.1 في المائة فقط، في حين انخفض الإنفاق على الاستثمارات بنسبة 34 في المائة.
– وتزامن هذا الانتعاش الذي لم يصل إلى المستوى المتوقع مع انتعاش استثماري ضعيف من الناحية التاريخية. وبمقارنة تجربتنا الأخيرة مع ما حدث في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي، عندما عانت البلاد من انكماش اقتصادي كبير حتى وصل معدل البطالة إلى أكثر من 10 في المائة. انتهى هذا الركود خلال الربع الرابع من عام 1982، وهذا يعكس حجم الأزمة التي يعيشها الاقتصاد. وخلال العامين التاليين، ارتفع الإنفاق الاستثماري بنسبة 54 في المائة. وعلى النقيض من ذلك، ارتفع الإنفاق الاستثماري خلال أول عامين من هذا الانتعاش بنصف هذه النسبة.
وفي حين يمكن أن يُفسر تباطؤ سوق الإسكان بالوتيرة البطيئة للاستثمارات السكنية، ولكن لا يعد هذا هو الأمر برمته، حيث كان الاستثمار في الأعمال التجارية ضعيفا أيضا. وعلى مدى العامين الماضيين، ارتفع الاستثمار غير السكني بنسبة لا تتجاوز 12 في المائة، مقابل 27 في المائة خلال أول عامين بعد ركود عام 1982. وبالمثل، انخفض باب الإنفاق على المعدات التجارية والبرمجيات بأكثر من ضعف الانخفاض خلال هذا الركود مقارنة بفترة الركود الاقتصادي في عام 1982، كما أنه يعد أبطأ في التعافي.
وكانت هذه هي الأشياء التي نعرفها على وجه اليقين، والآن يأتي الجزء الأصعب وهو: كيف يمكن تحليل هذه الحقائق؟.
عادة ما ينظر دعاة التحفيز المالي التقليدي إلى انخفاض مستويات الاستثمار على أنه عرَض، وليس سببا، للانتعاش الضعيف. ويرى هؤلاء أن الشركات تحجم عن الاستثمار لأنها تفتقر إلى وجود العملاء الحريصين على الإنفاق. وإذا كانت الحكومة قادرة على تشجيع الطلب من خلال توزيع الأموال على الأسر التي لا تملك نقودا أو من خلال شراء السلع والخدمات بصورة مباشرة، فسوف تستجيب الشركات لذلك بزيادة إنفاقها.

ومع ذلك، تعد التقلبات في الإنفاق الاستثماري، بدلا من أن تكون مجرد رد فعل سلبي، واحدة من القوى الدافعة للطفرات ودورات الأعمال التجارية. ويشير الخبير الاقتصادي البارز جون مينارد كينز إلى أن الإنفاق الاستثماري يتأثر في جزء منه بـ«الغرائز الحيوانية» للمستثمرين والتي وصفها بأنها «تحفيز عفوي على العمل بدلا من التراخي». ويحدث الركود عندما يتحول التفاؤل إلى تشاؤم وتحجم الشركات عن المراهنة على المستقبل المزدهر، في حين يحدث الانتعاش عندما تعود الثقة إلى المستثمرين. وبالتأكيد، قد تكون وجهتا النظر صحيحتين، حيث إن العلاقة بين الاستثمار والاقتصاد الكلي هي ما يمكن أن يطلق عليه اسم حلقة من ردود الفعل الإيجابية، حيث ستؤدي زيادة الاستثمار في الأعمال التجارية إلى زيادة التوظيف، سواء من قبل أولئك الذين ينتجون السلع الاستثمارية أو أولئك الذين يشترونها. وتعني زيادة فرص العمل حصول المزيد من العمال على رواتب، وهو الأمر الذي سيؤدي بدوره إلى زيادة الطلب الكلي على السلع والخدمات. وعندما ترى الشركات مزيدا من العملاء على أبوابها، فسوف تقوم بزيادة الإنفاق الاستثماري مرة أخرى.
ولكن السؤال الآن هو: ما الذي يجب على صناع السياسة القيام به لتأجيج الغرائز الحيوانية وتشجيع الشركات على الاستثمار؟
 
سوف تكون إحدى الخطوات الواضحة هي تخفيض الضرائب المفروضة على الدخل. فوفقا لدراسة أجريت في عام 2008 من قبل منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، «وجد أن الضرائب على الشركات هي الأكثر ضررا على النمو». إن الإصلاح الضريبي الذي خفف العبء على دخل رأس المال وحوله نحو الاستهلاك من شأنه أن يقوم بتحسين احتمالات النمو على المدى الطويل وتشجيع مزيد من الاستثمار اليوم.
ومع ذلك، سيكون هناك تفاؤل مفرط إذا ما اعتقدت أن أي سياسة عامة بمفردها يمكن أن تؤدي إلى نوع من الإنفاق الاستثماري القوي الذي كان موجودا في حالات الانتعاش الاقتصادي السابقة. وتؤثر الإجراءات الحكومية التي لا تعد ولا تحصى على الربحية المتوقعة لرأس المال في المستقبل، ولا تشمل هذه الإجراءات السياسات المتعلقة بالضرائب فحسب، ولكنها تشمل أيضا تلك السياسات المتعلقة بالتجارة والتنظيم.

على سبيل المثال، فإن تمرير اتفاق التجارة الحرة مع كوريا الجنوبية والذي ضعف في الكونغرس بعد مرور أكثر من أربع سنوات على التفاوض بشأنه، سيكون خطوة في الاتجاه الصحيح، كما يمكن أن يكون كبح جماح المجلس القومي للعلاقات العمالية خطوة أخرى في هذا الاتجاه: قد يكون قراره بمنع شركة «بوينغ» من فتح مصنع غير نقابي في ولاية كارولينا الجنوبية قد حظي بإشادة من العمالة المنظمة، ولكنه بالتأكيد لم يشجع المستثمرين. وغالبا ما يعتمد الاقتصاديون على تصنيف القضايا على أنها إما قصيرة المدى أو طويلة المدى، وفي هذا الإطار يتم النظر إلى الركود على أنه عبارة عن مشكلات على المدى القصير تتطلب حلولا على المدى القصير. ومع ذلك، قد يكون هذا النهج مجرد تبسيط لفهم هذه المسألة. ويشكل نقص الإنفاق الاستثماري جزءا كبيرا من الصعوبات الاقتصادية الحالية، ولكن دائما ما يتم إجراء استثمارات رأس المال مع التركيز على المستقبل. وقد يكون أفضل حل لمشكلاتنا على المدى القصير هو التركيز على السياسات التي من شأنها أن تقوم بتعزيز النمو على المدى الطويل 

السابق
جنبلاط.. رسائل محيّرة في كل الاتّجاهات
التالي
هل ستخفض رواتب الرؤساء التنفيذيين؟