في خطأ عابر..

ليس جديداً ولا غريباً ولا طارئاً حديث الأقليات في محيطنا والمدار. "فالمسألة الشرقية" موجودة منذ تاريخ طويل، لكنها تنمو أو تخبو تبعاً للحظة التي تغلّفها.
في التاريخ السياسي الراهن، نما ذلك الحديث مع قيام إسرائيل، ثم طبع جزءاً من ثقافة جيل الحرب الأهلية اللبنانية منذ بداياتها ولحظاتها الأولى. حيث القراءة شبه الموحّدة لـ"تفسيرها" العام كانت تفيد بأنها ترجمة لسعي إسرائيل الى تفتيت المنطقة المحيطة بها الى كيانات طائفية ومذهبية متناحرة ومتنافرة ومتحاربة تدور في فلكها هي الكيان الطائفي الأقوى.

ليست بعيدة عن واقع الحال تلك القراءة للحرب اللبنانية والوظائف المباشرة التي قدمتها وخدمت إسرائيل. ومنها إزهاق فكرة التسوية الدينية للقضية الفلسطينية من خلال إزهاق مثالها التعايشي في لبنان. ثم إحالة النضال الوطني الفلسطيني برمته الى مجرد مُنتج ومُسبّب لحروب أهلية من الأردن الى لبنان.

لكن الإطار التفسيري العام ذاك، لا يعني إيغالاً في فكرة "المؤامرة" الخارجية ونسبة كل ما حصل عندنا إليها.. انما هو استعارة، تُسقط على الأمر الراهن الخاص بالوضع السوري والقراءات الأحادية له. وخروج تلك القراءات عن كل خفر وترو (وباطنية؟) في أحكامها، ثم تبرير كل ذلك بموضوع الأقليات والضرورة القصوى للمحافظة عليها وعلى دورها في المنطقة.

التذكير بالكيان الطائفي الأقلوي الأقوى الذي هو إسرائيل، يحيل حُكماً كل كلام أقلوي طائفي آخر الى ردف ذلك الكيان بأسباب قوة إضافية، وإعانته على إشاعة مناخه، بغض النظر عن "أسباب" الإثارة الخاصة بنا لذلك المناخ، وما إذا كانت نتاج قراءة صادقة (ولو كانت خاطئة) لما حصل ويحصل، أم نتاج افتعال مقصود يريد لنا أصحابه ان نغرق في شبر ماء مُفترض للتغطية على بحور الجور والظلم والطغيان القائمة!

يثير التبرم والزعل هذا النوع من الأحكام. لكنه لا يُلغي ضرورته التذكيرية القصوى. ولا يغيّب النقاش الضروري في معنى الذهاب بوضوح الى استعداء المناخ العربي والإسلامي العام في لحظة دخوله في حالة تحررية غير مسبوقة في تاريخه..
بهذا المعنى، لا يحق لمن يفتش عن ذرائع دينية تاريخية لدوافع سياسية آنية، أن يوصم القرّاء بقلّة الفهم. أو يفترض ان اسماع الناس مغطّاة بشمع الكيد. أو أن أبصارهم مغشاة بستائر تستر رغبات الابتلاع والاقصاء والذمّية..كل تلك الافتراضات لا تغطي لحظة الشطط الخطيرة في توقيتها ومراميها، ولا تلغي ذلك التوجس والقلق العميقين والصادقين على أحوال الأقلية المسيحية نتيجة محاولات استخدامها كدرع واقية من قِبَل من يُراد لنا أن نصدّق، انه درعها الواقية.

لا يحكم التاريخ على الأكثرية في المشرق العربي انما يحكم لها.. ومهما كانت النيّات (صافيات أم عكرات) فإنها لا تلغي الانتباه بتمعن تام الى تلك "الصدفة" التي تُعلي قضية "حلف الأقليات" الى واجهة الصدارة، في زمن إسرائيلي بامتياز! ومهما ادعى أصحاب الفعل الممانع من عداء (حقيقي فعلي) لذلك المشروع اللصوصي.
الاخطاء العابرة لا تبرر الخطايا الدائمة.. وأنظمة الطغيان أخطاء عابرة لا تبرر أي نوع من الخطايا المغلّفة بالخوف، من دون أن ينتبه دعاة ذلك الوهم الى التاريخ ولا الى الجغرافيا ولا حتى الى السياسة بمعنييها التكتي والاستراتيجي!
 

السابق
اللواء: الخلافات السياسية تحاصر حكومة ميقاتي ·· وإنهيار الثقة بين حزب الله وجنبلاط
التالي
النهار: بكركي تفتح أبوابها لحوارات الهواجس والاعتراضات انتقادات جنبلاط تثير استياء حزب الله