جنبلاط.. رسائل محيّرة في كل الاتّجاهات

لدى رئيس "جبهة النضال الوطني" النائب وليد جنبلاط دائما الجديد في المواقف السياسية المبنية على قراءته المتلاحقة للتطوّرات الداخلية والإقليمية والدولية، وكذلك على ما يتوافر لديه من معطيات ومعلومات تعوّد أن يُسقطها على أرض الواقع المحلّي والإقليمي ويبني في ضوئها هذه المواقف، والتي يراها البعض من الحلفاء أو الخصوم "حمّالة وجوه" ويعطيها تفسيرات عدّة.

والواقع أنّ جنبلاط، وخلافا لما يظنّ البعض، لم يتراجع بعد عن استدارته السياسية وخروجه من فريق 14 آذار الى الموقع الوسطي، ولكن ما يحصل هو أنّ مواقفه يجد فيها فريق الاكثرية احيانا ما هو قريب من الموقف الاكثري أو متطابق معه، وأحيانا اخرى يراها بعيدة عنه، والأمر نفسه ينطبق احيانا على فريق 14 آذار الذي لم يفقد بعض أطرافه بعدُ الأمل بعودة جنبلاط اليه مجدّدا.

ويعتقد سياسيّون انّ التفسيرات التي تطلقها مواقف جنبلاط، لدى فريقي الاكثرية والمعارضة، إنّما تتّصل بحركة النزاع بينهما، وبأهمّية الموقع الجنبلاطي الوسطي منها، لأنّ كليهما يرغب بشدّة في ان يكون جنبلاط "مغرّدا" في صفّه، فيما الرجل يبدو من خلال كلّ ما يقوم به عابرا للوضع الداخلي الى حدّ كبير الى الخارج مركّزا على الاوضاع الاقليمية والدولية وما ستؤول اليه حركة المتغيرات التي تشهدها المنطقة العربية، بغية الوقوف على ما سيكون عليه مستقبل لبنان وبقية الدول العربية، وكذلك ما سيؤول اليه التعاطي الدولي مع كلّ ما يجري.

ويقول مصدر قريب من جنبلاط في معرض تفسيره لخلفيّات المواقف الحاليّة لرئيس "جبهة النضال الوطني" إنّ "هذه المواقف مرتبطة بالتطوّرات التي تحصل على اكثر من صعيد داخلي وإقليمي، فداخليّا نأمل في ان لا تتعطّل الحكومة عند كلّ منعطف، وعند طرح كلّ ملفّ، فنحن ايجابيون ونريد للحكومة ان تحقّق انجازات في كلّ الاتجاهات، وفي كل الملفّات العالقة، خصوصا وأنّه تبيّن أنّ التعطيل الذي مورس في ملف الكهرباء كان في غير مكانه، وفي نهاية المطاف وضعت الضوابط التي كنّا نطالب بها بعيدا عن السعي الى تسجيل نقاط ربح وخسارة في هذا الملفّ. ويبقى الأهمّ ان نذهب في اتجاه معالجة جذرية لكثير من الملفات العالقة، وذلك لا يتحقّق إلّا بفصل التجاذبات السياسيّة عن الملفّات الاقتصادية والإنمائية".

ويضيف المصدر: "أمّا بالنسبة الى موضوع تمويل الحكومة للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان، فنحن لسنا مع وضع لبنان في مواجهة مجانية مع المجتمع الدولي، إذ في حال تمنّع الحكومة عن تأمين التمويل يستطيع المجتمع الدولي ان يبحث عن بدائل اُخرى، فيكون عندئذٍ تأمّن تمويل المحكمة وغامر لبنان بلا جدوى بعلاقاته الدولية، ولذلك نحن مع تمويل المحكمة".

أمّا عن الحليفة الإقليمية لموقف جنبلاط، فيقول المصدر القريب منه، إنّ رئيس جبهة النضال الوطني "كان واضحا في ما قاله لجهة أنّ حقوق الشعوب واحدة ولا يمكن تجزئتها، فهي مطالب واحدة في مجال الحرّية والكرامة والديموقراطية، وما يصح في بلد عربي لن يكون مستثنى في بلد عربي آخر، وقد أقرّت القيادة السورية بالإصلاحات السياسية، وعبّر عنها الرئيس بشّار الاسد في خطاباته المتتالية، ولم يعد هناك من مجال لحكم الحزب الواحد، بل أصبح ضروريّا الذهاب نحو التعدّدية الحزبيّة. ونأمل الخير للشعب السوري وأن تجتاز سوريا هذه المرحلة الدقيقة".

قد يكون لدى جنبلاط كثير سيقوله في قابل الأيّام، فما قاله في الأمس، وما سيقوله لاحقا، ينطوي في ما يبدو على كثير من الرسائل المباشرة وغير المباشرة او المبطّنة، الى جهات كثيرة في الداخل والخارج، وهذه الرسائل التي تحيّر البعض تَشي بأنّ ما تعيشه المنطقة سيستمرّ طويلا حتى يبلغ خواتيمه التي يرغب كلّ فريق في الداخل والخارج في أن تأتي وفق ما يشتهي دوره وموقعه على الخريطة السياسية التي بدأت ترسمها المتغيّرات الجارية 

السابق
يوم كشفي تدريبي ودورة إنقاذ بحري للكشاف العربي في الزهراني
التالي
هل يمكن إنقاذ الاقتصاد الأميركي؟