الراي: الراعي أعاد صوغ موقفه موضحاً حيثياته ومتمسكاً بجوهره

بعد «زوبعة» الردود التي أثارتها المواقف «المباغتة» التي اطلقها البطريرك مار بشارة بطرس الراعي من باريس حيال الوضع في سورية وسلاح «حزب الله» والتي جاء وقعها كـ «المياه الساخنة» على المعارضة و«الباردة» على قوى 8 آذار، افسحت عودة رأس الكنيسة المارونية الى بيروت المجال امام «اندفاعة» زيارات لمقر البطريركية الصيفي في الديمان لاستيضاح سيد الصرح حول تصريحاته التي قوبلت في العاصمة اللبنانية بـ «عاصفة» ترحيب من فريق الاكثرية الجديدة وسيل من الانتقادات من قوى 14 آذار.
ولم تنجح «إعادة الصياغة» التي قام بها الراعي لمواقفه امام مجموعة «منتقاة» من الصحافيين الذين التقاهم مساء الاحد في تبديد المخاوف التي أثارتها لدى مختلف أطراف المعارضة بمسيحييها ومسلميها ولا سيما لجهة تحذير البطريرك من انه «اذا تأزم الوضع في سورية أكثر مما هو عليه، ووصلنا إلى حكم أشد من الحكم الحالي كحكم الإخوان المسلمين فإن المسيحيين هناك هم الذين سيدفعون الثمن سواء كان قتلا أم تهجيرا»، وإشارته الى انه «إذا تغيّر الحكم في سورية وجاء حكم للسنّة فإنهم سيتحالفون مع إخوانهم السنّة في لبنان، مما سيؤدي إلى تأزم الوضع إلى أسوأ بين الشيعة والسنّة»، وربطه استمرار سلاح «حزب الله»، وإن من باب مطالبة فرنسا بحسب الذرائع منه، بتحرير ما تبقى من اراض لبنانية محتلة وتحقيق عودة اللاجئين الفلسطينيين.
وفي حين ينتظر ان تشكل جولة البطريرك اليوم وغداً في عدد من قرى المتن الاعلى مناسبة لرصد «المزاج» الشعبي حيال مواقفه المستجدة وسط معلومات عن تحضيرات من مناصري تيار العماد ميشال عون لاستقبالات «الطبل والزمر» لإسباغ «شعبية» على هذه المواقف التي ستلقى صدى «جماهيرياً» شيعياً منظماً لـ «ردّ التحية» خلال محطته في بعلبك ـ الهرمل يوم الجمعة والسبت المقبليْن، فان مسيحيي 14 آذار، الذين زار عدد منهم الديمان امس، بدأوا بوضع وثيقة سياسية تستند على النصوص المرجعية للكنيسة المارونية، من الإرشاد الرسولي إلى المجمع الماروني وصولاً إلى ثوابت الكنيسة المارونية لإعلانها في لقاء مسيحي موسّع، في ردّ غير مباشر على مواقف رأس الكنيسة المارونية التي اعتُبرت عملية «ارتداد» على ثوابت بكركي في النظرة الى العلاقات بين مختلف مكونات الشعب اللبناني كما الى دور المسيحيين في محيطهم.
وفي موازاة الاعداد لهذه الوثيقة، ذكرت تقارير صحافية ان مسؤولين في حزب الكتائب (من 14 آذار) كانوا اتصلوا بالفاتيكان للاستفسار عن مواقف الراعي، وهم قالوا ـ بناء على اتصالاتهم ـ أن لا علاقة للفاتيكان بمواقف البطريرك المفاجئة «بل إنها ناتجة من اجتهاد شخصي في ما يراه السياسة الأنسب لبكركي».
وكما في «الكتائب»، كذلك في حزب «القوات اللبنانية» الذي بادر رئيسه سمير جعجع إلى إبلاغ نواب ومسؤولين في حزبه وأصدقاء أن كلام البطريرك «تحوّل كبير لا يمكن أن يمرّ، لا مفرّ من التصدي لمضمونه، ولكن من غير الاصطدام بقائله أو الإقلال من احترامه ومكانة المنصب»، وبما يضمن ايصال رسالة الاعتراض «لمن يهمه الامر» اولاً «وايضاً الى «الشركاء في 14 آذار والوطن (السنّة) الذين لا يمكن، بعدما أُخضعوا من «حزب الله» لـ «فحص دم» في عروبتهم في الاعوام الخمسة الاخيرة ان يُخضعهم مسيحيون لفحص دم في لبنانيّتهم، هم الذين التفّوا حول شعار لبنان اولاً ورفعوه ولعبوا دوراً لم يعد جائزاً التنكّر له في تحقيق الاستقلال الثاني الذي ارتوى بدماء الرئيس الشهيد رفيق الحريري وبعده سائر شهداء ثورة الأرز»، على ما قالت أوساط قواتية.
وفي موازاة ذلك، ينتظر ان تشكل مواقف الراعي، محور اللقاء الذي يُعقد في الديمان بعد غد بينه وبين رئيس الجمهورية ميشال سليمان، قبل ان يتوجّه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي يوم الجمعة الى المقر الصيفي للبطريركية للاستبيان من البطريرك شخصيا عما قيل في باريس، لأن كلامه هناك فيه شقان، الاول المتعلق بالسلاح المقاوم وهذا لا مشكلة فيه لأن هناك إجماعاً وطنياً حوله. أما الشق الآخر فيتعلق بالكلام عن السنّة وأريد استيضاح البطريرك هذا الكلام.
وكان الراعي، الذي دعا امس لتجنيب الجماعات المسيحية الوقوع في ذهنية «الغيتو»، استغرب في لقائه مع حلقة ضيّقة من الصحافيين اتهامه بالتخلي عن ثوابت بكركي، لافتاً الى «ان البطريركية لم تقل يوماً بالعداء لسورية والبطريرك السابق نصرالله صفير لطالما طالب بأحسن الجيرة معها»، معتبراً ان الكلام الذي ادلى به «تم اجتزاؤه واخرج من اطاره ولذلك فُهم على غير محمله او تم تحويره ايضا»، نافيا ان يكون كلامه قد تم التشاور فيه مسبقا مع الفاتيكان او يعبر عنه وإن كان يلتقي معه في المبادئ نفسها لجهة رفض العنف. 
واوضح البطريرك انه اكد لمن التقاهم في فرنسا أنَّ «بكركي مع الإصلاحات في دول العالم العربي، بما فيها سورية، ومع الحريات والحقوق التي ينادي بها المواطنون في أي بلد عربي، لكن بكركي أيضاً ضد الحرب والعنف، سواء كان مصدرَهما المسؤولون أو المواطنون»، لافتاً إلى «دعم بكركي الديموقراطية في أي بلد، لكنها لا تريد أن ترى ديموقراطية وفق الطريقة التي اتبعت مع العراق، عندما شُنّت عليه الحرب»، وأضاف: «عوض أن يبلغ العراق الديموقراطية، غرق في نزاع سني ــ شيعي، وأدى ذلك إلى ضرب الوجود المسيحي فيه».
واذ لفت الى «أنني تحدثت عن مخاوف للاستدراك وليس للتأكيد ان هذه الامور ستحصل»، اوضح أنَّ «خشية بكركي تكمن في إجراء تحوّل من نظام عربي إلى آخر، بما في ذلك سورية، ومن أن يترافق هذا الانتقال مع مجيء أنظمة أكثر تشدّداً»، وقال: «لذلك، عندما نتحدّث عن هذين الخيارين، وبكركي لا تؤيد نظاماً عربياً أو تناوئ آخر، فإنَّ المفاضلة هي بين السيئ والأسوأ. ولا نريد أن نصل إلى حرب أهلية في دول مجتمعاتها مذهبية كحال سورية حيث هناك سنّة وعلويون لان المسحيين سيدفعون الثمن».
واشار الى ان أحد محاوريه من مستشاري الرئيس الفرنسي سأله بالنسبة الى الوضع السوري: «وماذا كان يمكن أن يحصل؟». فردّ البطريرك: «كان يمكن إجراء إصلاحات. الأمر لا يتعلق بالرئيس (الأسد) وحده. هناك وراءه حزب «البعث (العربي الاشتراكي)» الذي هو قوي، طويل وعريض يمكن أن يقبل بالإصلاحات وقد لا يقبل بها. لا يكفي أن يقبل الرئيس أو يرفض وحده. كان قد بدأ في مارس الماضي عدداً من الإصلاحات، فهذا المعتّر (le pauvre) كان يقوم بإصلاحات. ماذا كان يستطيع أن يفعل؟». وردّوا عليه فوراً: «إنه قاتل (assasin)». فعقّب البطريرك: «طبعاً نحن مع التغيير ونتفهّم مطالب الناس. لكننا أولاً ضد العنف».
ورأى أنَّ «لفرنسا والأسرة الدولية مسؤولية حيال مشكلات تشكو منها، وأخصّها سلاح «حزب الله»، إذ ليس مقبولاً ولا منطقياً أن يكون لحزب سلاح، وأن يكون لحزب ممثل في الحكومة ومجلس النواب سلاح. وليس في إمكان أحد تجريده من سلاحه. لكن من غير المنطقي التصدي أيضاً لحزب يقول إنه يريد تحرير بلاده من الاحتلال أو الدفاع عنها. ومسؤولية فرنسا والأسرة الدولية هنا أنهما لا تساعدان على تنفيذ القرارات الدولية بحمل إسرائيل على الجلاء عن الأجزاء التي تحتلها في الجنوب، لنزع الذريعة التي يتسلّح بها «حزب الله»، فلا يسع فرنسا والأسرة الدولية أن تلقي بنا في النار وتقولا لنا إننا نحترق».
وأشار إلى انَّ «تجاهل القرارات الدولية ينطبق أيضاً على المشكلة الأخرى التي نواجهها، وهي وجود الفلسطينيين على أرضنا»، وأضاف: «نحن نقول بعودة هؤلاء إلى أرضهم بمعزل عن إنشاء الدولة الفلسطينية، لأنَّ ثمة قراراً دولياً بذلك صدر عام 1948 هو القرار 194 وللفلسطينيين في لبنان سلاحهم في المخيمات وخارجها، ونحن نقاوم التوطين ونرفضه، وعلى فرنسا والأسرة الدولية العمل على معالجة هذا الوجود كي لا يتحوّل إلى توطين ».
وفي المواقف من تصريحات الراعي الباريسية، قال رئيس «حركة التجدد الديموقراطي» نسيب لحود في ردّ ضمني على البطريرك «(…) ان المصلحة اللبنانية العليا ومصلحة الجماعات الدينية كلها من دون استثناء في هذه اللحظة الدقيقة التي تجتازها المنطقة العربية هي في الانحياز من دون اي تردد الى جانب النزعة المشروعة للشعوب العربية نحو الحرية والكرامة الانسانية وحقوق الانسان. وهذا الموقف المبدئي والاخلاقي والاستراتيجي لا يتناقض ابدا مع مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي من البلدان العربية، حيث يعود الى كل شعب حق تقرير مصيره بنفسه، إنما بكل حرية وبمنأى عن آلة القتل والقمع التي تفتك بالمتظاهرين المسالمين».
واعتبر «أن التعبير المشروع عن مخاوف من مطبات ومنزلقات ومصاعب يمكن أن تحيط بهذا التحول التاريخي الذي تشهده المنطقة يجب ألا يطغى على التعاطف من دون أي التباس مع هذه النزعة الانسانية والمواطنية البديهية نحو الحرية، والتي تتلاقى في جوهرها مع روح الاديان كلها، بما فيها المسيحية والاسلام».
كما اعلن السفير الفرنسي في لبنان دوني بييتون بعد لقائه الرئيس ميقاتي «ان البطريرك الراعي تناول الموضوع السوري في باريس في الاطار الاقليمي، وكانت مناسبة لإبداء قلقنا من جراء المأزق الحالي الذي يتخبط فيه نظام الرئيس السوري بشار الأسد»، مبدياً أسفه «لأن تكون زيارة البطريرك الناجحة أثارت هذا الكم من الجدل حول تصريحاته والانقسام في صفوف اللبنانيين». 

السابق
الدولة بخدمتهم !!
التالي
السفير: ميدفيديف نؤيّد قراراً دولياً متوازناً لا يتضمن عقوبات