الجمهورية: عودة الاعتبار للوسطية السياسية تُريح المعارضة ولا تُزعج الاكثرية

توقفت أوساط سياسية محايدة أمام المواقف الأخيرة التي أطلقها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، معتبرة أن ما قاله يشكّل إحراجا لفريقي 8 و14 آذار من زاوية انّ الفريق الأول لا يبدو في وارد الاصطدام مع ميقاتي للأسباب المعلومة نفسها، أي الحاجة إليه والخشية من إحراجه فإخراجه، ولا الفريق الثاني قادر على المزايدة على مواقفه، أو أن يسجل عليه مأخذا في هذا الموضوع أو ذاك.

وتقول الأوساط إنّ من استمع إلى ميقاتي، ظَنّ لوهلة أنه يستمع إلى الرئيس فؤاد السنيورة أو الرئيس سعد الحريري، نظرا للتطابق في المواقف من المسائل الاستراتيجية كما الملفات الداخلية، ولعل أبرز ما يمكن تسجيله في هذا السياق يَكمُن في الآتي:

أوّلا : تأكيد رئيس الحكومة التزامه وحكومته بالقرارات الدولية، ومن ضمنها المتعلقة بالمحكمة الدولية، مشيراً إلى أن "لبنان عضو مؤسس في عصبة الأمم، لذا لا يمكن أن يكون انتقائيّا في تنفيذ القرارات الدولية".

ثانيا : دعوته "حزب الله"، "لأنه متأكد من براءته"، إلى تعيين محامين للمرافعة عن المتهمين أمام المحكمة الدولية من أجل إثبات براءتهم.

ثالثا : تشديده على تحييد لبنان عن الانعكاسات التي يمكن أن تنجم عن التطورات في المنطقة، قائلا: "نحن لن نتدخل في الشأن السوري، ونتمنى للشعب السوري ما يتمناه لنفسه".

رابعا : رغبته في استيضاح البطريرك عن مواقفه الأخيرة في فرنسا، وخصوصا في موضوع الكلام عن السنّة.

خامسا : تأكيده أن الموظفين السنّة الستة، الذين دعا النائب ميشال عون إلى محاسبتهم، يقومون بواجبهم على أكمل وجه، متسائلا: "هل الشخص الذي يقوم بكشف الجواسيس يرتكب خطأ، أم أنّ قوى الأمن الداخلي التي تقوم بواجبها هي التي ترتكب خطأ؟. وهل سعيد ميرزا والدكتور سهيل بوجي، الذي لا يختلف اثنان على قدرتهما وعلمهما وإمكاناتهما، يرتكبان خطأ؟"، سائلا "ما هذا الكلام؟".

وأشارت الأوساط السياسية إلى "أن مواقف الرئيس ميقاتي أعادت الاعتبار لما يُسمّى بـ"الوسطية" في المشهد السياسي اللبناني الموزع بين 8 و14 آذار، هذه "الوسطية" التي لم يكن ممكنا بروزها موضوعيا لولا تراجع فريقي النزاع بشكل أو بآخر، إذ إنّ الانقسام الممتد منذ العام 2005 إلى اليوم، لم يفسح في المجال أمام بروز قوى خارج هذا السياق، ما يؤكد بأن "الوسطية" تتعلق بظروف وأوضاع أكثر منها بأشخاص وقوى سياسية".

ولفتت الأوساط إلى أنه "حتى الرئيس ميقاتي لم يتمكن من تسويق وَسطيّته أو فرضها في طريقة تكليفه أو في تشكيل الحكومة، لا سيما أنّ فريق 8 آذار كان يحرص باستمرار على تذكيره بحجمه، وأنه كان وراء تكليفه. ولكنّ تطور الأوضاع في سوريا، وانهماك النظام السوري بشؤونه الداخلية، وبروز اتجاهات دولية وإقليمية واضحة لإسقاط هذا النظام، كلّ ذلك انعكس خللا وضعفا وإرباكا في إدارة "حزب الله" للعبة السياسية، وخصوصا الحكومية، وهذا ما أفسح في المجال أمام الرئيس ميقاتي لتوسيع هامشه السياسي، وتحوّله، بفعل هذا الظرف السياسي، إلى قوة سياسية لا مصلحة لـ"حزب الله" بمخاصمتها، لأن مصير الحكومة يتوقف عليها، هذه الحكومة التي تشكّل بالنسبة إلى الحزب مسألة استراتيجية وحيوية لا يمكن التفريط بها".

وأشارت الأوساط إلى "أن ما ينطبق على "حزب الله" يَنسحِب على 14 آذار التي تحوّلت، بعد إخراجها من السلطة واندلاع الثورة السورية، من لاعب سياسي إلى فريق انتظاري له أسبابه، ربما، الذاتية والموضوعية. ولكنّ سفر الرئيس سعد الحريري، واكتفاء هذا الفريق بدور رد الفعل، أدى إلى تسليمه بالدور الذي يقوم به ميقاتي، خصوصا في لحظة تقاطع مواقف الأخير مع مواقف 14 آذار من الكهرباء إلى تمويل المحكمة، وما بينهما في موضوع تثبيت الموظفين السنّة خلافا لإرادة عون بإبعادهم".

وقالت الأوساط "إنه تِبعا لما تقدم، بَاتَ في الإمكان، من الآن وصاعدا، الحديث عن قوة وسطية في البلاد، فهي خارج الاصطفافات السياسية، وتشكّل حاجة لـ8 آذار من أجل استمرار الحكومة، وحاجة لـ14 آذار للحؤول دون وقف التمويل والكيدية السياسية، كما تتقاطع مع هذا الفريق أو ذاك على "القطعة"، ولكن الأساس أن هذه القوة غير مستعدة للعودة إلى صفوف 14 آذار، ولا الذوبان في 8 آذار، إنما منحتها الظروف السياسية الشخصية المعنوية والقدرة على التأثير والفعل السياسيين".

وتذكر الأوساط نفسها أن الكلام عن الوسطية لا يقتصر على الرئيس ميقاتي الذي يقوم بدوره كاملا في هذا المجال، إنما ينسحب أيضا على النائب وليد جنبلاط الذي يتمايز عن 8 آذار بمواقف جريئة تذهب من تأييد الانتفاضات العربية، وخصوصا السورية، ولا تنتهي بالتشديد على ضرورة تمويل المحكمة الدولية، هذه المواقف التي وصلت بجنبلاط إلى حدّ انتقاد البطريرك مار بشارة بطرس الراعي من زاوية رفضه "ربط مصير لبنان بتحرير مزارع شبعا، وربط مستقبله بنزاعات المنطقة بأكملها"، واعتباره (جنبلاط) أنّ الكلام التخويفي الذي قيل حول صعود التيارات السلفية او الاصولية كلام غير دقيق ويستعمل كالفزاعات، لأن المطالب الشعبية غير قابلة للتجزئة. وهذا ما دفع وسائل إعلام "حزب الله" إلى انتقاد جنبلاط في افتتاحية نشراتها الاخبارية، التي رأت "أنّ اللافت كان اقتراب رئيس "جبهة النضال الوطني" النائب وليد جنبلاط من "القوات اللبنانية" ومتفرعاتها، بانضمامه الى منتقدي البطريرك مار بشارة بطرس الراعي، أكان لجهة الموقف من سلاح المقاومة او التوطين، او ممّا وصفه جنبلاط بالكلام التخويفي من التيارات السلفية الصاعدة".

ولكنّ الكلام عن الوسطية، ودائما وفق الأوساط نفسها، "لا يكتمل من دون الحديث عن رئيس الجمهورية الذي هو أقرب إلى الثنائي ميقاتي-جنبلاط، إنما ما زال يحرص على تدوير الزوايا، بخلاف رئيس الحكومة ورئيس جبهة النضال الوطني. أمّا الرئيس نبيه بري، فيمكن اعتباره وسطيّا مع وقف التنفيذ".  

السابق
النهار: بكركي تفتح أبوابها لحوارات الهواجس والاعتراضات انتقادات جنبلاط تثير استياء حزب الله
التالي
شكاوى من الضاحية..