هل يجوز الإبقاءعلى السيئ خوفاً من الأسوأ؟

انقسم اللبنانيون ولاسيما منهم المسيحيون حول موضوع جديد يتعلق بمواقف البطريرك الراعي في فرنسا التي اثارت ردود فعل متباينة، وكأن الانقسامات حول مواضيع اخرى لا تكفي كي تزداد حدة بحيث لا تعود تنفع المساعي لتوحيد الرأي حيال المواضيع المهمة والقضايا المصيرية وجعل الرؤية مشتركة.

مواقف سيد بكركي ستكون موضوع بحث ومناقشة في لقاءات يعقدها معه عدد من القيادات للشرح والاستيضاح لمعرفة حقيقة ما رمى اليه في احاديثه وتصريحاته وإيضاح ما التبس على البعض وأسيء قصده وفهمه وما الذي جعله يثير المخاوف والهواجس كاحتمال قيام انظمة ديكتاتورية دينية مكان الانظمة الحزبية والفردية والشمولية في الدول العربية التي تتعرض لثورات شعبية تهدد مصير الاقليات وتحديدا المسيحيين، عل اثارة ذلك يمنع وصول المتشددين الى الحكم.
ومن النقاط التي ستكون موضوع استيضاح وشرح في اللقاءات مع البطريرك الراعي والملاحظات عليها:

اولا: القول بأن يعطى الرئيس الاسد المزيد من الفرص لتنفيذ الاصلاحات التي بدأها لانه "ليس شخصاً يمكنه "ان يقرر الأمور وحده (…) فلديه حزب كبير حاكم هو حزب البعث وهو انسان منفتح تابع دراسته في اوروبا وتربى على المفاهيم الغربية".
هذا القول لا تؤيده قيادات مسيحية واسلامية، ولا حتى قيادات عربية ودولية لانها تعتبر ان الرئيس الاسد اعطي فرص كافية ولم يقدم على اجراء اصلاحات تذهب بحكم الحزب الواحد، ولو كان يريد ذلك لما انتظر سنوات لاجرائها.
ثانيا: الخشية من حصول حروب اهلية في الدول العربية التي تشهد ثورات ومن تفتيت العالم، العربي الى دويلات متناحرة او قيام انظمة متشددة وعنيفة.
ان الخشية هذه قد تكون في محلها لكن اي دور يستطيع لبنان القيام به لمنع حصول مثل هذه الحروب ومنع تفتيت دول المنطقة، وهو دور يفوق قدرة من هو اقوى واكبر منه بكثير. لذا على لبنان في مثل هذه الحالة ان يعمل على تحصين وحدته الداخلية لمنع اي فتنة او تفكيك لكيانه.
ثالثا: القول ان "حزب الله" يحمل السلاح لان الاسرة الدولية لم تضغط على اسرائيل لتخرجها من بقية الاراضي المحتلة في لبنان ولم تساعد الفلسطينيين على العودة الى ديارهم، حيث لا يبقى عندئذ مبرر لاحتفاظ الحزب بسلاحه..
 
وهذا الموقف ايضاً تعارضه قيادات مسيحية واسلامية فسلاح الفلسطينيين في لبنان لم يمكنهم من تحرير فلسطين ولا من تأمين العودة الى ديارهم بل ارتد الى الداخل اللبناني وصار جزءا من اللعبة السياسية اللبنانية، وكذلك الامر بالنسبة الى سلاح "حزب الله" فاستعادة كل الاراضي العربية المحتلة اذا لم تتم بالمفاوضات، فيمكن استعادتها بقوة السلاح، وهذه تحتاج الى استراتيجية عربية موحدة لا اتفاق عليها حتى الآن، علما ان لبكركي موقفا واضحا وصريحا من هذا السلاح في بيانات مجلس المطارنة وهل يجوز ان يبقى سلاح في يد فئة للاستقواء به على فئة اخرى حتى اذا صار تعميمه على كل الطوائف اشتعلت حروب اهلية ولا يعود ثمة امل في قيام الدولة.

رابعا: الخشية من مرحلة انتقالية في سوريا قد تشكل تهديداً لمسيحيي الشرق، فيدفعون الثمن خصوصا في حال وصل "الاخوان المسلمون" الى الحكم فيكون اكثر قسوة من الحكم الحالي.
هذه الخشية لدى البطريرك الراعي تشعر بها قيادات سياسية ودينية لكن ليس لاي دولة ان تخالف ارادة اي شعب في اختيار نظامه وحكامه، وهل مطلوب من المسيحيين في الشرق ان يؤيدوا الانظمة الديكتاتورية اذا كانت تحميهم والا تعرضوا للهجرة والتهجير والاعتداءات اذا اختاروا انظمة اخرى؟!

لذلك ليس لمسيحي لبنان ان يتدخلوا في شؤون ما يريده المسلمون في بلدانهم، لئلا يجرّون على انفسهم تدخل الآخرين في شؤونهم وخياراتهم، وان التعاطي مع الثورات في العالم العربي ينبغي ان يتم في اطار الشؤون الداخلية لكل دولة، وعلى المسيحيين وهم من دعاة الحرية والديموقراطية، تأييد الشعوب في سعيها الى ذلك، ودعمها لاقامة انظمة تحترم الانسان وحرياته وتؤمن بتداول السلطة وليس بالحزب الواحد والحاكم الواحد تحمي حقوق الانسان.
وانه اذا كان لا بد من دور تقوم به القيادات المسيحية والاسلامية المعتدلة فهو دور التحرك الواسع لدى عواصم دول القرار من اجل الاسراع في تحقيق سلام شامل وعادل في المنطقة كي يقوم عندئذ في كل دولة نظام ديموقراطي يصون ارادة الشعب الحرة والدولة القوية.
ومن الاهمية بمكان التوافق مع سيد بكركي على القضايا المصيرية، ليظل سيد التوافق والتصالح بين الزعماء المسيحيين على كل ما يفرقهم 

السابق
أين كان معمّر القذّافي وأين صار؟
التالي
تحضيرات غير مسبوقة