تصدع نظرية المؤامرة

تركيا ومصر دولتان تدرجان ضمن الدول الحليفة والصديقة للولايات المتحدة الاميركية، وتقيمان علاقات دبلوماسية مع اسرائيل. وفي خضم التشكيك بهاتين الدولتين ودورهما الاقليمي من قبل ما يسمى قوى الممانعة، تتقدم هاتان الدولتان وتثيران في المشهد الاسرائيلي قلقا جديا عبّر عنه رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو حيال ما سماه التحولات التاريخية التي يشهدها محيط اسرائيل، غداة اقتحام السفارة الاسرائيلية في القاهرة من قبل الثوار المصريين مساء الجمعة حتى فجر السبت.
فيما دعا وزير الدفاع الاسرائيلي ايهود باراك الى اجتماع للمجلس الوزاري الامني السياسي المصغر "الكابينيت" في اسرائيل، لبحث آخر التطورات في ظل تصاعد العزلة ضد اسرائيل في المنطقة.مشيرا الى انه يجب التعامل بجدية عالية مع آخر التطورات المحيطة باسرائيل، حيث تجري متغيرات مهمة جدا بدءا بالعلاقات مع تركيا ومرورا في مصر وانتهاء بالموضوع الفلسطيني…

الارباك والقلق الاسرائيليان لا يقلان عن الارباك الذي يحيط ب"منطق الممانعة" وخطابها، ذاك الذي بدا منذ انطلاقة الثورة السورية، في حال من التناقض. هذا المنطق اذ رحب بالثورة التونسية وثورة مصر ، شكلت الثورة الليبية فخا له، لانه سكت عن جرائم العقيد معمر القذافي، وساهم في تأخير انتصار الثورة ثم رحب بانتصارها متجاهلا مساعدة حلف الناتو في تحرير ليبيا. هذا مع العلم ان اهم مبررات امتناع الممانعين عن دعم الثورة السورية هي المواقف الدولية المؤيدة للثورة والمنددة بجرائم النظام الاسدي. في سورية يحصي حلف الناتو اعداد قتلى الثوار السوريين ليس اكثر، وما جرى في ليبيا لا يبدو انه قابل للتكرار في سورية رغم كل الشهداء الذين يسقطون يوميا.

نظرية المؤامرة تهتز ومنطقها يتصدع، والنظام السوري الذي يواجه شعبه، يوغل في استخدام ذريعة المؤامرة، التي باتت، مع سقوط كل شهيد واستباحت كل مدينة اوحي او بلدة، يتكشف وهنها، حتى وصل السوريون الى اعلان الجمعة الاخيرة "جمعة الحماية الدولية". على قاعدة، اذا كان النظام يتمادى في غيّه وقتله تحت شعار مواجهة المؤامرة الخارجية، فيما السوريون شهداء على ما يجري في بلادهم، فانهم لم يجدوا في طلب الحماية الدولية الا واجبا وطنيا لردع النظام والة الموت التي تحصد ارواحهم.

وخطاب المؤامرة يبدو جواب الممانعين الوحيد على الاسئلة حول ارتكابات النظام السوري وتجاوزاته الاخلاقية والانسانية . وهم يعتقدون ان هذا الشعار مازال قادرا على تبرير المجازر والقتل، في سبيل تأبيد حكم الاجهزة الامنية"الممانعة". لقد عبّر الثوار الليبييون عن شكرهم لتدخل "الناتو" الذي اعانهم على المستبد بهم منذ 42 عاما، ورأوا في "المتآمر" مخلصا ومنقذا من براثن مدعي مواجهة المؤامرة. والارجح ان الحال في سورية لن يكون شديد الاختلاف.
واذا كان منطق "الاعتدال العربي" قد تلقى صفعة قوية صدعت اركانه ولا تزال بسقوط النظامين التونسي والمصري، فان منطق "الممانعة" بالايقاع الايراني تلقى صفعة قوية هزت من ركائزه ومن بنيان خطابه ايضا من خلال ما جرى في ليبيا ويجري اليوم في سورية. وبات واضحا القلق من تقدم دور تركيا والثوارالمصريين في التصدي للعنجهية الاسرائيلية، بدلا من الادعاءات الممانعاتية.

قلق النظام السوري من استعادة مصر دورها من بوابة الديمقراطية، يوازي القلق الاسرائيلي من هذه الثورة المستمرة. والقلق الايراني من الاندفاعة التركية لدعم القضية الفلسطينية والتغيير الديمقراطي في العالم العربي، لا يقل توترا عن القلق الاسرائيلي من دعم الاتراك الجدد لشعبي فلسطين وسورية. لذا ليس مفاجئا اليوم ان تتحسس اسرائيل الخطر من تركيا ومصر بدلا من لبنان وسورية.

في سورية رفع المتظاهرون "منحبك يا اوباما" وفي ليبيا قبّل الليبيون اعلام الدول التي دعمتهم في حلف الناتو، علما ان الشعوب العربية عايشت التجربة الاميركية الدولية في العراق، وما عادت ترى الدور الخارجي لتحرير العراق فزاعة كما اراد الممانعون ان ترى الشعوب وان تخاف.
  

السابق
تحولات نفطية
التالي
تيرو جينس.. باب أمني عبر مراقبة مواقع المقاومة