الراي: جمعة الراعي في بيروت صدمة قابلتها أسارير عريضة و… تجهّم

في بيروت كانت امس «جمعة» البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي بـ «إمتياز». فمواقفه «المتطايرة» من باريس احدثت «صدمة» مزدوجة في بيروت، ظهرت ملامحها سريعاً في «الأسارير العريضة» لحلفاء سورية و«حزب الله» الذين باغتهم الراعي بذهابه أبعد مما يتوقعون او ربما «يحلمون»، وفي «تجهم» تحالف «14 آذار» المعارض، الذي حلّت «مقاربات» الراعي «المفاجئة» لا سيما على اطرافه المسيحية كـ «الصاعقة».
فمواقف الراعي، الذي اختير بطريركاً في مارس الماضي بعدما اختار البطريرك «الدائم» الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير الاستقالة لتقدمه في العمر، طغت على كل ما عداها، تقدمت على المواجهة السياسية الصاخبة بين «تيار المستقبل» بزعامة سعد الحريري و«الثنائي الشيعي» المتمثل برئيس البرلمان نبيه بري و«حزب الله»، وخطفت الاضواء عن «اللغم» القديم ـ الجديد الكامن في الموقف من دفع الحكومة المستحقات المالية المتوجبة للمحكمة الدولية.
ففي إطلالات عدة اعلن الراعي وقوفه الى جانب نظام الرئيس بشار الاسد، مطالباً بـ «اعطائه المزيد من الفرص للإصلاحات»، مشيداً بـ «مزاياه» كشخص منفتح تربى في الغرب، محذراً من انه «اذا وصل الاخوان المسلمين الى سدة الحكم في سورية فإن المسيحيين سيدفعون الثمن أكان قتلاً ام تهجيراً»، لافتاً الى انه «اذا حكم السنة في سورية فإنهم سيتحالفون مع السنة في لبنان ما سيؤدي الى تأزم الوضع الى ما هو اسوأ بين السنة والشيعة».
وذهب الراعي في مواقفه «المثيرة» الى حد اعلانه انه مع بقاء سلاح «حزب الله» الى حين عودة الفلسطينيين الى ديارهم «عندها نقول للحزب سلم سلاحك»، والى انه «مع المحكمة الدولية شرط الا تكون مزورة او مسيسة»، وهي المواقف التي سرعان ما احدثت «ضوضاء» في بيروت، التي تلقفتها كـ «النار في الهشيم»، حيث بدت في طابعها المثير للجدل وكأنها «تصب الزيت على نار» الصراع الشرس في البلاد حول الموقف من «كل شاردة وواردة».
في الشكل، ثمة من قرأ مواقف الراعي على انها من نوع «المفاجأة غير المفاجئة»، بدليل الحذر الشديد الذي شاب علاقة المكونات السياسية اللصيقة ببكركي (مقر البطريركية) بالراعي الذي صارت حركته محل «تندر» في الجلسات المقفلة، كالقول مثلاً «عندنا بطريرك دائم (صفير) وبطريرك داير (الراعي)»، في اشارة الى اكثار الاخير من جولاته والمهرجانات التي تقام له، وهي تعكس مزاجاً غير مريح ازاء توجهاته.
في المضمون، اعتبرت المواقف «غير المسبوقة» لرأس الكنيسة المارونية اشبه بـ «انقلاب» على الإرث الذي أرساه الكاردينال صفير على مدى اكثر من ربع قرن، وهو ما بات يعرف بـ «ثوابت الكنيسة»، لا سيما في تغليبها للقيم الاخلاقية والانسانية، وفي إنحيازها المطلق لمعايير الحرية والسيادة والاستقلال ووحدة الدولة والعيش المشترك وما شابه، وهو ما جعل مقاربات الراعي تحدث هذا الدوي السياسي الذي فاجأ الجميع، الذين هللوا لها او الذين اصيبوا بـ«الخيبة» من جرائها.
ورغم الكلام عن «تململ» داخل أروقة الكنيسة، او التعاطي مع تصريحات لممثل الفاتيكان في الخليج المطران منجد الهاشم على انها بمثابة «تصويب» لمواقف الراعي مما يجري في سورية، او «تريث» خصوم النظام السوري، من مسيحيين ومسلمين، في الرد على «العظات السياسية» للبطريرك، فإن إتدادات مواقفه تصعب «لملمتها»، وهي مرشحة لمزيد من التفاعل نتيجة «قطعها» مع الماضي القريب للكنيسة و»ثوابتها»، ووصلها مع خيارات مغايرة تماماً.
وفي تعبير عن وطأة هذا التطور، قال نائب مسيحي من قوى «14 آذار» لـ «الراي» ان الحكمة تقتضي من البطريرك الراعي إلتزام فضيلة الصمت حيال ما يجري في سورية، لا الدخول على خط الصراع فيها، مشيراً الى ان مصلحة المسيحيين تقتضي اقله النأي بهم لا ربط مصيرهم بمصير النظام وإقحامهم في معركة مفتعلة مع شرائح واسعة من مجتمعهم».
وكان البطريرك الراعي حذّر من باريس من انه «اذا تأزم الوضع في سورية أكثر مما هو عليه، ووصلنا إلى حكم أشد من الحكم الحالي كحكم الإخوان المسلمين فإن المسيحيين هناك هم الذين سيدفعون الثمن سواء كان قتلا أم تهجيراً، وها هي صورة العراق أمام أعيننا». واذ اكد «ان أبناء لبنان يعيشون متساوين، مسلمين ومسيحيين، على كل الصعد السياسية والاجتماعية»، اشار الى انه «إذا تغيّر الحكم في سورية وجاء حكم للسنّة فإنهم سيتحالفون مع إخوانهم السنّة في لبنان، مما سيؤدي إلى تأزم الوضع إلى أسوأ بين الشيعة والسنّة».
ولفت الى ان «ما يهم الكنيسة هو ألا يحصل أي عنف لأننا هذا ما ننبذه»، معلناً «اننا في الشرق لا نستطيع في الشرق تغيير الديكتاتوريات إلى ديموقراطيات بسهولة، وإن قضايا الشرق يجب أن تحل بعقلية أهل الشرق».
واذ شكك بنزاهة المحكمة الدولية الخاصة بلبنان وقال «نؤيد المحكمة ولكن شرط الا تكون مسيسة او مزورة»، قدّم في مقابلة مع قناة «العربية» مقاربة بشأن سلاح «حزب الله»، فأشار الى «أن السلاح مرتبط بشؤون عديدة، وهذا ما قلناه للسلطة في فرنسا، فالكل يقول لماذا يحمل «حزب الله» سلاحاً، وأجبنا أن الأسرة الدولية لم تضغط على «إسرائيل» للخروج من الأراضي اللبنانية، وما دامت هناك أراضٍ لبنانية محتلة فحزب الله سيستمر في القول إنَّه يريد أن يحمل السلاح دفاعاً عن أرضه، فماذا نقول له حينذاك؟ ليس معك حق؟ وسلِّم سلاحك؟». وأضاف: «أيضاً هناك فلسطينيون على الأراضي اللبنانية يملكون سلاحاً ثقيلاً وخفيفاً ويريدون حق العودة، وحزب الله يريد أن يساعدهم على العودة إلى أراضيهم، ويجب أن يضغط المجتمع الدولي على إسرائيل لإعادتهم إلى أراضيهم وعندها نقول لحزب الله سلم سلاحك فلا حاجة لك به منذ الآن».
واستدرجت مواقف البطريرك مجموعة ردود من مسيحيي 14 آذار، اذ اعلن نائب رئيس حزب «القوات اللبنانية» النائب جورج عدوان تعليقاً على ما قاله الراعي عن سلاح «حزب الله» ان «كل ما نقوم به من تضحيات كي تقوم الدولة القوية وكي تقوم بدورها في التحرير والدفاع عن التراب اللبناني، وان تتابع حق العودة للفلسطينيين بقدراتها وعلاقاتها الدولية، نأتي اليوم لنعطي تبريرا لقيام دولة خارج الدولة وتغطية وجود سلاح غير سلاح الجيش والقوى الأمنية»، مؤكدا أن «موضوع السلاح ومقاربته بهذا الشكل يضرب كل مفهوم الدولة اللبنانية»، ومشدداً على اننا «ثابتون على موقفنا وهذا يجب ان يكون موقف كل اللبنانيين من دون استثناء».
 
واذ اوضح «اننا سنفصل دائما بين علاقتنا وتعاطينا مع بكركي وبين موقفنا الواضح الذي سنثابر عليه»، قال رداً على سؤال عن حديث الراعي عن حماية المسيحيين: «الدور المسيحي أينما كان هو حماية حقوق الإنسان والحريات، وحمايتهم تتم بالتفاعل مع مجتمعاتهم والسير باتجاه حرية الإنسان. وفكرة الحماية من فريق وفريق آخر لا تحمي المسيحيين. فدور المسيحيين المشرقي هو بالتفاعل مع مجتمعهم».
بدوره اعلن منسق الامانة العامة لقوى 14 آذار النائب السابق فارس سعيد «اننا طالبنا ونطالب بإسقاط النظام السوري، ونحيي شجاعة الشعب السوري الاعزل الذي يقاوم البنادق والقهر بشجاعة وصبر استثنائيين»، وقال: «كما ان المسيحيين في لبنان لا يمكن ان يكونوا مع الحرية في لبنان وضد الحرية في سورية، فلا يمكن ان يكونوا مع الديموقراطية في لبنان وضدها في سورية، ولا سيما ان ضمانة الحرية والديموقراطية في لبنان تمر عبر حرية وديموقراطية سورية وكل العالم العربي».
ولفت الى «ان المطالبة الحقيقية من اجل تأمين الحقوق لجميع المواطنين اكانوا مسلمين اومسيحيين هي بقيام دولة مدنية في لبنان وسورية وكل انحاء العالم العربي، وهذا هو مشروعنا السياسي. ونقول هذا الكلام في هذه اللحظة التاريخية الذي يمر فيها العالم العربي كي لا يقال ان الربيع العربي تزامن مع خريف الموارنة».
ولفت بيان للمكتب الإعلامي لـ«الجماعة الإسلامية» ردّ فيه على ما صدر عن البطريرك الماروني في فرنسا، وما قاله العماد ميشال عون عن الوضع في سورية وجاء فيه: «ما كنّا نتوقع هذا الموقف من البطريرك الراعي، خصوصا أنه توصّل بالاستنتاج إلى أن أي تغيير يقدم عليه الشعب السوري سينعكس سوءاً على العلاقة في لبنان بين المكوّنات اللبنانية، وهذا ما يدحضه التاريخ الطويل الذي أثبت أن العائلات اللبنانية عاشت مع بعضها لعقود طويلة من دون قلق أو خوف من بعضها، وأن المسلمين يحرصون حرصاً كاملاً على أفضل علاقة فيما بينهم ومع المكوّنات اللبنانية الأخرى».
وذكرت «الجماعة الإسلامية» البطريرك بأن «مختلف مكوّنات الشعب العراقي من دون استثناء دفعت ضريبة الاحتلال قتلاً وتهجيراً، وفي غالبية الأحيان دفع المسلمون الثمن الأكبر، وإن أي مقارنة بهذا الخصوص لا ترتكز أساساً إلى معايير عادلة».
ورأت أن «إثارة النعرات الطائفية وغير الطائفية في هذه الظروف بالذات لا يعود بالمنفعة على أيّ من مكوّنات المنطقة، التي تمتّعت بالعيش المشترك على مدى قرون من الزمن، فضلاً عن أنه يفتح الباب لسجالات متبادلة تعود بالضرر على الجميع»، داعية إلى «تفعيل الحوار الإسلامي المسيحي الكفيل بطمأنة كل المكونات، بعيداً عن منطق التشكيك أو المواقف المسبقة». كما دعت الى «ترك الشعوب تقرير مصيرها بنفسها، وهي التي عاشت لقرون يحفظ بعضها بعضاً».
وكان العماد عون اعرب عن تأييده الكامل لمواقف الراعي معتبراً «أن هذا الموقف يتأقلم مع الأجواء السّياسية الواقعية الحالية ومع استراتيجية معينة للنّظرة إلى الوضع القائم في الشّرق الأوسط».
وقال عون في حديث الى برنامج «كلام الناس» عبر تلفزيون «المؤسسة اللبنانية للإرسال» عن الوضع في سورية «ان النظام سيُكمل الاصلاحات ولن يسقط لأنّه يحافظُ على التّراكمات الثّقافية الّتي تناهضُ إسرائيل»، سائلاً «الذين يترقبون ويأملون سقوط هذا النظام إذا كانوا يعلمون من سيأتي مكانه، وإذا كانوا يعلمون أن شريعة الاخوان المسلمين تقول إن الديمقراطية هي ضد الشريعة؟»، واضاف: «أريدُ أن أسألَ مسلمي بيروت، إذا أصبحَ النّظام سلفياً أم دينياً في سورية ما هو موقعهم؟ أنا ما أعرفه هو أنّ موقعي يصبح «أهل ذمة» ولنا حق بوظائف الدّواوين، ولكن الرجال الّذين يلبسون Cravate والنّساء اللّواتي يذهبن عند الحلاق.. ماذا سيفعلون؟».
وفي الشق الداخلي لم يوفّر عون وزير الداخلية مروان شربل، كاشفاً عن علاقة باردة مع النائب وليد جنبلاط، واصفاً المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، بأنها «غير شرعية، وهنا مشكلة التمويل»، من دون ان يحدد موقفاً صريحاً برفض هذا التمويل، تاركاً القرار للحكومة.
وقال: «إذا رفض ميقاتي إزالة مدير شركة «أوجيرو» عبد المنعم يوسف ومدير عام قوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي ومدعي عام التمييز القاضي سعيد ميرزا ورئيس شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي العقيد وسام الحسن و(أمين عام مجلس الوزراء) سهيل بوجي من مراكزهم، إذاً هو يعتبر نفسه أنه فوق القانون».
وردا على سؤال اشار الى ان علاقته برئيس الجمهورية ميشال سليمان جيدة، «لكن له جماعة على الارض يخربون دائما الوضع».
في موازاة ذلك، وفي اول تعليق له على ادراجه من واشنطن على القائمة السوداء الاميركية اعلن السفير السوري في لبنان علي عبد الكريم لصحيفة «الـلواء» أن «الاتهام الاميركي لي يعدّ بمثابة وسام شرف وشهادة تقدير كونه صدرعن دولة تنتهك يومياً حقوق الإنسان»، مشيراً إلى ان «العقوبات هي حلقة في المسلسل الذي تقوم به الإدارة الأميركية من قلب للحقائق واجتراء على سيادة الدول؟».
واضاف: «لا أظن ان أحداً يستطيع أن يسجّل لي أي مخالفة لا مهنية ولا دبلوماسية خلال فترة السنتين والثلاثة أشهر التي أمضيتها في لبنان، لانني كنت وما زلت حريصاً على تطبيق القوانين المرعيّة واحترام العلاقة الأخوية مع هذا البلد الشقيق». 

السابق
الحياة: نواب أمل وحزب الله:المستقبل يكذب … فتفت: نصر الله اعطى ويكيليكس صدقية
التالي
السفير: المتظاهرون يقتحمون سفارة إسرائيل … ويسقطون عَلمها مصـر: الـقـوى المدنـيـة تعـيـد الـتـوازن إلـى الشـارع