أخضر ويابس

مجّ أبو رامز سيجارته وبعد ان نفخ دخانها راح يرندح: مين بيقدر يغتالك يا ثورة مين، لو نظّمتِ عمالك والفلاحين".
عندما تطلعنا نحوه واستمعنا الى تلك الردّة المقفّاة، رجع بنا الزمن الى اواخر عقد الستينيات حين كنا نخرج في تظاهرات حاشدة كان ابو رامز احد قادتها وكتاب اهازيجها.
ضحك ابو رامز حين رآنا على تلك الحالة وقال مازحاًُ: فرقت على شعرة، لو كانوا أمهلونا يومين او ثلاثة كنا نظمنا عمالنا والفلاحين وكانت ثورتنا نجحت.
كانت واحدة من قفشات ابو رامز الجميلة المؤلمة التي تغني عن صفحات من النقد الذاتي لتلك المسيرة النهضوية التي انطلقت في لبنان بالتزامن مع انطلاق الثورة الفلسطينية وحركة اليسار العالمي.
سرعان ما تجمعت "القوى المضادة" فأغرقت لبنان في اتون الحرب الاهلية التي التهمت الاخضر واليابس ومن بين ما التهمته، العمال والفلاحين الذين كنا نرغب في تنظيمهم.
ليس في النية اي رغبة لجلد الذات إذ اننا حتى قبل اشهر قليلة كنا قد غرقنا في الانكفاء فيما كان كثيرون قد غيروا جلودهم مرات ومرات. 
مجموعة ابو رامز التي تجتمع اكثر من مرة اسبوعياً عادت اليها الحياة منذ أشهر وتحديداً حين ارتفعت صرخات محمد البوعزيزي في تونس لتليها صرخات خالد سعيد في مصر.
يجلسون اليوم يترقبون اصوات الناس في شوارع اليمن وسوريا والبحرين والمغرب والجزائر.. ويتهامسون.
يقول لهم ابو رامز: لماذا تتكلمون بصوت خافت؟ ما بقي من العمر اكثر مما مضى.. لا يجيبون مباشرة. يتضاحكون ثم كلما رن هاتف خلوي معلناً وصول خبر عاجل يسائل بعضهم بعضاً: ماذا؟
لا جديد، سريعاً، انما قد سقط عشرة قتلى حتى الآن، ورائحة الدماء تنتشر في الحقول 

السابق
رسالة الى السيد البطريرك
التالي
هل تهور أردوغان؟