11 سبتمبر.. عمل شائن في التاريخ

«ماذا كنت تفعل يوم 11 سبتمبر (أيلول)؟. هذا هو السؤال الذي سيسيطر على كافة الأحاديث خلال الأيام القليلة المقبلة، على الأقل في العالم الغربي. وحتى يومنا هذا، لا يمكن إنكار الجانب العاطفي لهذا اليوم المأساوي، ولكن ماذا عن الجانب الاستراتيجي؟
هل يعد 11 سبتمبر نقطة تحول تاريخية في القرن الـ21، كما كان اغتيال سراييفو في شهر يوليو (تموز) عام 1914 هو العلامة الفارقة في مطلع القرن العشرين؟
وعلى النقيض مما أعلنه بعض المحللين في أعقاب الهجمات الإرهابية، لم يكن 11 سبتمبر نقطة البداية لعالم يسيطر عليه «صراع الحضارات» كما قال الكاتب صموئيل هنتنغتون في التسعينات من القرن الماضي.
ونستخلص من تجاربنا السابقة أن هذه المأساة الإنسانية الفريدة من نوعها – والتي أدت إلى مقتل ما يقرب من 3000 شخص في برجي مركز التجارة العالمي في مانهاتن – تبدو وكأنها نقطة الذروة وبداية تراجع تنظيم القاعدة في حربه الطائفية ضد مبادئ الإسلام الراسخة، بقدر حربه ضد العالم الغربي.
ولم يكن 11 سبتمبر – لحسن الحظ – بداية عالم يهيمن عليه «الإرهاب المفرط»، حيث استمر الإرهابيون الذين استوحوا أفكارهم من تنظيم القاعدة في تنكيس راياتهم في العديد من البلدان بدءا من إسبانيا وحتى بريطانيا ومن الهند وحتى نيجيريا، لمجرد الإعلان عن غيض من فيض من أهدافهم.
وتم وضع هؤلاء الإرهابيين في موقف دفاعي نتيجة لتعبئة العالم بأسره ضدهم، وهو الجهد التعاوني الذي جعلهم غير قادرين على تكرار هجوم 11 سبتمبر.
وأعلن مقتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن في خضم الربيع العربي – وهي الثورات التي بدأت دون علم أو مشاركة الإسلاميين الأصوليين – عن هزيمة الإرهابيين وبزوغ فجر عالم آخر للإسلاميين، حتى ولو كانت الأحزاب الإسلامية تبلي بلاء حسنا في الانتخابات في بلدان أخرى مثل مصر.
وبكل تأكيد، لا يمكن أبدا وأد الإرهاب بشكل كامل، وسيكون هناك المزيد من الهجمات الإرهابية وربما ينتصر تنظيم القاعدة في معركة أو أخرى، ولكنه قد خسر في نهاية المطاف.
ويتحدث مؤرخو القرن الـ21 عن «قانون العواقب غير المقصودة» الذي زاد من سرعة المواجهة بين بضعة آلاف من الناخبين في ولاية فلوريدا في الانتخابات الرئاسية عام 2000 وبين عشرات الإرهابيين الذين استقوا أفكارهم من آيديولوجيا تنكر القيم والعادات التقليدية، وربما يكون ذلك قد أدى إلى تعديل مسار التاريخ.
لقد أدت المواجهة بين جورج دبليو بوش وهجمات 11 سبتمبر إلى عواقب لم يتوقعها الإرهابيون أنفسهم حتى في أحلك أحلامهم، فلم يكن من المرجح أن يستغل آل غور، في حالة كونه هو الرئيس، هجمات 11 سبتمبر كذريعة لشن الحرب على العراق، وهي الحرب التي أدت إلى مضاعفة الديون الأميركية.
قد يكون شيئا مبالغا للغاية أن نقول إن بن لادن بالنسبة للولايات المتحدة مثله مثل رونالد ريغان بالنسبة لتراجع الإمبراطورية السوفياتية، المحرك الرئيسي للاندفاع المدمر وغير المدروس (سباق التسلح في موسكو، والمغامرات الخارجية بالنسبة لواشنطن).
وبالطبع تختلف الولايات المتحدة اليوم عن الاتحاد السوفياتي بالأمس، فالتناقضات الداخلية في الولايات المتحدة ليست بعمق ولا خطورة مثيلاتها في الاتحاد السوفياتي.
ومع ذلك، يحق لنا أن نتساءل عما إذا كان العقد الأول من القرن الـ21 قد كان عقدا «خاسرا» بالنسبة للولايات المتحدة، وما إذا كانت شجرة الإرهاب الأصولي – من وجهة النظر الأميركية – غير قادرة على إخفاء غابة الصعود والنمو في قارة آسيا.
وقد كان الانتصار الأميركي المزعوم ضد الأصولية انتصارا باهظ الثمن، ليس فقط بسبب تكلفته المالية والمعنوية والدبلوماسية الباهظة، ولكن أيضا بسبب رد الفعل المبالغ فيه وإهدار الطاقة التي كان يمكن استخدامها بشكل أفضل في أفغانستان والعراق.
ربما تعاملت الولايات المتحدة مع الهجمات الإرهابية بشكل أقل مما ينبغي قبل 11 سبتمبر، ولكن الشيء المؤكد أنها بالغت في رد فعلها بعد وقوع الهجمات.
وعلى هذا الأساس، تعد هجمات 11 سبتمبر لحظة تاريخية، ولكن ليس بالضرورة نتيجة للأسباب التي بدت سائدة في ذلك الوقت. في الواقع، لم تكن هذه الهجمات إشارة إلى بدء عالم جديد، ولكنها عجلت من نهاية القرن الأميركي

السابق
مناورة لليونيفيل في الناقورة
التالي
جوزيف المعلوف:احتمال تعطيل اقرار خطة الكهرباء في المجلس النيابي غير وارد