منطق الدولة··في مواجهة الإستحقاقات!

إنتهى مسلسل الكهرباء في مجلس الوزراء أمس الأول على مبدأ لا غالب إلا الدولة، ولا مغلوب إلا كل من حاول الاستئثار بالسلطة والإيحاء بأنه صاحب القرار الأول والأخير في البلد، على أساس تحالفاته وانتماءاته إلى الأكثرية المستجدة وحجم تمثيله في وزارة اللون الواحد·

وتنفّس اللبناني الصعداء بعد بوادر الحلحلة للأزمة التي تطوّرت وعلا سقف مناوراتها إلى حدّ تهديد وجود الحكومة، ولكن، وللمرة الأولى منذ سنوات، علا صوت المصلحة الوطنية العليا على الطموحات الشخصية، وتمّ إيجاد المخارج ضمن الضوابط الرقابية والمهل المريحة لخزينة الدولة، وليس على حساب المواطن كما كان مرسوماً لها·· فتقسيم الاستحقاقات المالية على أربع دفعات، يُتيح الفرصة لمجلس الوزراء لاستدراج المساعدات من الصناديق العربية الصديقة، مما يخفّف العبء على خزينة الدولة· وإخضاع المشروع لإشراف مجلس الوزراء مجتمعاً، إضافة الى الهيئات الناظمة والرقابية وإدارة المناقصات حسب الأصول المرعية، قد أعطى زخماً قوياً لدولة المؤسسات، خاصة بعد الممانعة المحقّة التي مارسها الرئيس ميقاتي من ناحية استخدام السياسة العونية <إما على طريقتي أو لا طريقة أخرى>، فكان أن تمّ إخضاع قضية حياتية ملحّة إلى سلطة الشرعية وأعاد للمواطن بعضاً من ثقته بمؤسسات الدولة المفقودة بسبب تجاربه العديدة الفاشلة معها·

·· وبعد قطوع الكهرباء، هل تستغل الحكومة الفرصة لتستعد للقطوعات القادمة، وعلى رأسها قضية تمويل المحكمة الدولية الشائكة·

فالقضايا الحياتية التي يتوقع أن تُطرح على طاولة البحث، لا بد أن تجد المخارج الملائمة خاصة مع إجماع جميع الأطراف على ضرورة تأمينها لتثبيت شعار <كلنا للعمل>· أما قضية التمويل، فهي خارج لائحة القضايا المتفق عليها، بل على العكس، يُتّهم الرئيس ميقاتي بالتفرّد في التزاماته تجاه الشرعية الدولية والمجتمع الدولي في خصوصها، حتى باتت الإستنسابية شعار الأكثرية الجديدة، تأخذ من كل جهة ما يناسب مصالحها وتحاربها بما لا يناسبها!!

فتارةً تُصادق على تكليف المحكمة الدولية وتعترف بها، وطوراً تحاربها بكل الوسائل المُتاحة وتعتبرها وكأنها لاغية·· إلا أن هذا المنطق غير المقبول دولياً، ولن ينصاع له رئيس الحكومة الذي يحاول إعادة لبنان على الخارطة الدولية بعدما تمّ تجاهله بسبب حكومة اللون الواحد، والتي يملك فيها حزب الله الكلمة الفصل، ممّا يُزعج دول القرار إلى أقصى الحدود، ويجعلها تتحيّن الفرص لحصول أول هفوة حتى تتخذ إجراءات أكثر شدّة للحدّ من نفوذ حزب الله على الساحة اللبنانية·

وهكذا، يكون رئيس الحكومة اليوم الضامن الأول لحزب الله، وتشكّل الحكومة الحالية خط دفاع أول لأقطاب الساحة الداخلية وبالتالي ليس من مصلحة أحد المشاكسة ضمن الحكومة أو تهديد وجودها، لأن استقالتها تعني الدخول بالمجهول واستبدال رئيسها بشخصية أقل وزناً على المسرح الدولي، ممّا يترك حزب الله وحلفاءه دون دعم يُذكر بمواجهة الهجمة الغربية على المحور الداعم له، خاصة في ظل غياب الإجماع الداخلي حوله، والإنقسام الحاد الحاصل حول سلاحه·

فهل ينتصر منطق الدولة مرة أخرى، ويمر قطوع تمويل المحكمة وتحافظ الحكومة على تماسكها والتزاماتها الدولية، وتُدير التداعيات الداخلية بالحكمة والإتزان الذي حمى البلاد والعباد حتى اليوم من الوقوع في أتون الصراعات المذهبية والحروب الأهلية مرة أخرى، أم تقرّر الأكثرية الجديدة، أو من يقرّر عنها، الدخول في مغامرة غير محسوبة تضع مصير وطنٍ برمّته على المحك؟

السابق
النهار: حملة شيعية واسعة دفاعاً عن رئيس المجلس والمستقبل يردّ محذّراً من قمة الترهيب
التالي
المطلوب…خطة وطن!