بعد حولا وربثلاثين والعديسة: أهالي محيبيب يرفعون الصوت ضدّ ‘الشبّيحة’ الحزبيين في قريتهم

لم يكن أهالي بلدة محيبيب (قضاء مرجعيون، بعد بلدة مركبا وقبل بلدة ميس الجبل) يريدون الحديث عما جرى معهم آخر أيام شهر رمضان المبارك. لكنّ استمرار التهديدات من قبل عناصر "حزب الله" اتجاه بعض عائلات البلدة جعل الأخيرين يتصلون بموقع "جنوبية" لطلب نشر ما جرى بالتفصيل. إذ أنّ الجمر الذي ما زال تحت الرماد ما عادت أرجل العابرين فوقه تحتمله.
بدأت القصة في الإثنين الأخير من شهر رمضان. في 29 آب الفائت. حصل خلاف بين عفيف حجازي وبين عناصر من "حزب الله"، معظمهم من خارج البلدة، من بلدة ميس الجيل وبلدات أخرى، لأنّ المتحزبين في البلدة لا يزيدون عن 4 شبان منتسبين إلى "حزب الله".
والعناصر الحزبيين كانوا يتردّدون على محيبيب باستمرار لأنّ الحزب نصب فيها مركزا ثابتا بسبب قلّة ساكنيها وقدرة الحزبيين على صناعة "جوّ" حزبي فيها من دون كثير مضايقات من الأهالي، هؤلاء الذين لا يزيد عددهم عن المئتين صيفا وشتاء، من أصل نحو ألف ومئتي متحدر منها.
وعفيف حجازي هذا رجلٌ متديّن ويعتبر يد حزب الله اليمنى في البلدة. أثناء الخلاف صادف مرور محمد هاني جابر، وهو شاب في الـ19 من عمره. حاول محمد حماية حجازي، بمعية ابن عمه محمد سامي جابر، وانفضّ الإشكال على خير. لكن ما هي إلا ساعات قليلة، حتى هاجم شبان "حزب الله" (الذين هم من خارج القرية) محمد هاني، الذي سارع إلى الهروب باتجاه بيت أهله. حينها فقد الوالد أعصابه وتجمّع أهالي القرية مدافعين عن آل جابر في مواجهة "الجلَب" على القرية، بحسب أحد الوجهاء.
حينها، وبسبب الخوف من عشرات الرجال والنساء الغاضبين، راح الحزبيون، المراهقون في معظمهم، مع بعض الشبان العشرينيين والثلاثينيين، راحوا يطلقون النار في الهواء بحجة وجود جريح بينهم، وأشاعوا أنّ آل جابر يقطعون الطريق على إسعاف الجريح.
بعد ساعات قيل إنّ الجريح هو الشاب عيسى جواد، وبدأ شبان حزب الله بالإتصال بهاني جابر، والد محمد، مكيلين له التهديد والوعيد. وكان المتصلون من أبناء ميس الجبل. وعجز محمد ووالده عن الخروج من المنزل باتجاه مستشفى أو طبيب لاستصدار تقرير طبّي يوثّق الضرب الذي تعرّض له الشاب.
في اليوم التالي ظهر الشاب، الذي ادّعى أنّه جريح، في المركز الحزبي بمحيبيب. وبسبب الإحتجاز القسري لآل جابر، رفع شبان من الحزب شكوى قضائية ضدّ محمد جابر.
ويوم الأربعاء 1 أيلول، ليل الأربعاء – الخميس تحديدا، حاول شبان الحزب مهاجمة منزل هاني جابر. وتماما كما جرى في بلدتي ربثلاثين والعديسة، طوّق الحزبيون المنزل وحاولوا اقتحامه. أحد أهالي القرية شعر بالحركة فكان أن اتصل برجل في استخبارات الجيش اللبناني، الذي وصل فورا إلى منزل جابر المحاصر، وبات فيه حتى الصباح لحمايته. والجدير ذكره أنّ البيت المحاصر كان يضمّ الوالد هاني جابر وخمس فتيات، بعدما أخرج الوالد ابنيه، محمد وعلي (22 عاما) من المنزل إلى جهة آمنية خوفا من الإعتداء عليهما أو قتلهما.
أحد وجهاء القرية، وهو طلب عدم نشر اسمه خوفا من "انتقام حزب الله مني"، أكّد ما قاله وجهاء آخرون من أنّ الحزب "منع جمعيات كثيرة، أهلية ومدنية، من العمل في القرية بعد حرب تموز 2006"، وأضاف: "قوات الطوارىء الدولية منعت من إقامة مشاريع في القرية أيضا بحجج واهية. والموضوع الأهم هو محاولة قطع المياه عن القرية ليقولوا للناس إنّهم هم من يعطونهم المياه، كما الأموال".
أهالي القرية، الخائفين من ذكر أسمائهم، تحدثوا عن "مجموعة شبان مراهقين من خارج القرية، من ميس الجبل وغيرها، يعيشون في أكثر من مركز حزبي ويتحكمون بمفاصل البلدة، وكلّ من يعترض على قراراتهم يأتون بشبان من قرى أخرى ليضربوا المعارضين"، ووصفهم الأهالي بـ"شبّيحة" في هذا المعنى، وبأنّهم "ينشرون جوّا من القلق، ويعيّشون القرية في جوّ من الرعب".
أحد الناشطين الإجتماعيين في البلدة كشف عن محاولة "حزب الله" لوضع يده على أكثر من 500 دونم من المشاعات، وتابع: "سيطروا على نحو 40 دونم من خلال مخيم كشفي، ويحاولون تشريع وضع اليد على عشرات الدونمات الأخرى لتوزيعها على مناصريهم ومحازبيهم بحجة أنّهم لا يملكون أراض لبناء مساكن عليها".
ولفت أحد الأهالي إلى أنّ "الحزب منع الجامعة الإسلامية من بناء فرع لها في القرية، لأهداف وأسباب خاصة بهم لم نعرفها، وقطعوا الطريق على جامعة منطقة مرجعيون وبنت جبيل في أمسّ الحاجة إليها".
وبرأي أحد الوجهاء فإنّ "الحزب يمنع التنمية من خلال الجمعيات الأهلية والمدنية، وفي الفترة الأخيرة بدأ شبّانه يبحثون عن مبررات للتصادم مع المعارضين. الوجيه هذا يؤكد أنّ "شقيق هاني جابر، والد المعتدى عليه، هو خليل فوزي جابر، الشاب الذ استشهد أثناء الدفاع عن القرية في تموز من العام 2006، وهو نفسه، هاني، إعتقل لثلاث سنوات في معتقل الخيام، وبالتالي فهو ليس عميلا كما قال خطيب مسجد في عيثرون قبل أيام، حين وصف ما يجري في القرى الجنوبية الحدودية، بأنّه هجمة إستعمارية أميركية صهيونية 14 آذارية".
شبان الحزب أصرّوا على أنّ محمد، المطارَد، ضرب "الجريح الوهمي" سكينا في بطنه، فيما أكّد أحد آل جابر أنّ "المشكلة قديمة ومتجددة، وهي خلاف على الأرض، التي هي غير ممسوحة وتابعة للدولة، وكان مندوبون من الحزب يفاوضون هاني جابر للتنازل عن 30 دونما، كونه عضوا في اللجنة المكلفة متابعة موضوع الأرض منذ تحرّك موضوع المسح قبل سنوات، وهي تضمّ المختار المحسوب على حزب الله ورابط القرية وهاني".
ويؤكد المصدر أنّ "الخلافات عمرها أكثر من 60 عاما، من أيام الإقطاع، وقد أعلن الحزب غضبه على هاني لأنّه رفض التنازل عن 30 دونما، بحجة أنّ الأرض ليست ملكا له ليتنازل عنها، بل هي ملك الأجيال الآتية". فيما أرجعها آخر إلى أنّ "الغضب على هاني سببه عدم موافقته على كلّ ما يطلبه الحزب، فهو شيوعيّ عتيق ومقاوم لا يمكن ابتزازه بالتخوين، وشقيقه شهيد في الحزب، لكنّه يحاول أن ينشط عبر جمعيات وأعمال عامة لا تناسب مسؤولي الحزب الذين يريدون السيطرة على القرية بأكملها".
هكذا، وبعد حولا وربثلاثين والعديسة، تعاني محيبيب من رغبة الحزبيين في إخضاعها بالكامل لمشيئتهم، وكما في حولا وربثلاثين والعديسة، يبدو أنّ الأمر لن يكون سهلا، بل سكون مستحيلا، ويبدو أنّ "الشبّيحة" سيدفعون مه الثمن عاجلا أم آجلا.

السابق
متضامنون مع وضد
التالي
الحياة: رعد يرى ان المستقبل يرتكب خطيئة … حسن خليل: فقدوا صوابهم بعد السلطة