المطلوب…خطة وطن!

أن يقول الرئيس نجيب ميقاتي إن الحكومة تجاوزت قطوعاً حساساً عندما اقرت "خطة الكهرباء" فذلك أمر مفهوم، وخصوصاً بعدما وصلت الخلافات بين اعضائها الى درجة كانت تهدد بشلها وتحويلها حكومة تصريف اعمال، في ظل معادلة النائب ميشال عون: "إما الحكومة وإما الكهرباء"!
أما عندما يقول "إن الحكومة حققت انجازاً مهماً جداً للدولة وللمواطن" فانه يقع في المبالغة ويبدو كمن يستعجل الضحك على ذقون اللبنانيين، الذين يقبعون في العتمة منذ ربع قرن، رغم انهم انفقوا على"المغاور الكهربائية" اكثر من 15 مليار دولار وهو ما يساوي ثلث الدين العام.

هذه ليست المرة الاولى التي يقال للناس إن الكهرباء في طريقها اليكم، وان زمن العتمة سينتهي، وانكم سرعان ما ستدخلون نعمة 24/24. ولكن العبرة في التنفيذ وفي قدرة هذه الدولة المهترئة على معالجة ازمة تستعصي على الحل منذ عقدين ونيف، فقد واصلت الخزينة العاجزة ضخ المليارات على الكهرباء، وظل اللبنانيون دائماً إما في العتمة وإما في قبضة دولة اصحاب المولدات!
ليس هناك من يريد استباق الامور، ولا هناك الآن من يريد المقارنة بين ما ستولده المليارات الخمسة عندنا من الطاقة، وما ولدته مثلاً في بلدان اخرى فيها دولة ومسؤولية ومسؤولون، ولكن في انتظار الـ700 ميغاواط بعد عمر طويل من العتمة، من حق المواطن ان يسأل: اذا كنا قد قررنا ان ننفق ملياراً و200 مليون دولار على انتاج هذه الكمية من الطاقة وعلى نقلها وتوزيعها، فماذا عن مسألة الجباية التي يفترض اساساً ان تعيد الى الخزينة ما ننفقه من المليارات؟ وهل هناك خطة قابلة للتنفيذ في هذا المجال المستعصي على الدولة التي يحدثنا ميقاتي عن"انجازها الكهربائي"، بينما سر الانجاز يكمن عملياً في الجباية ومنع السرقة وانهاء لعبة العدادات الوهمية التي توضع للتمويه ليتم التعليق خفية من ورائها؟

ذات يوم هدد احد وزراء الطاقة الميامين بأنه سينشر لوائح بأسماء زعماء وسياسيين ووزراء ونواب ووزارات وسفارات ومرجعيات وقبضايات ومناطق يمتنعون عن دفع فواتير الكهرباء المتراكمة، وقد بلغت قيمتها المليارات، لكنه لم يجرؤ، تماماً مثل اولئك الجباة المساكين الذين يعودون احياناً بالاهانات او بالكدمات والجروح، يصابون بها لمجرد انهم تجرأوا وحاولوا ان يحصّلوا فواتير الكهرباء!
للجنرال عون اقول: ليس المهم ان نواصل ضخ المليارات الى البرميل المثقوب، بل المهم اصلاح الثقوب، وهو امر عسير لأنه يعني اصلاح الدولة لتكون دولة فعلاً يحترمها المواطنون ويدعمونها، وهذا يعني اننا في حاجة أولاً الى"خطة وطن".

وللرئيس ميقاتي اقول: ليس الانجاز في ضرب اليد على الطاولة والقول للوزير جبران باسيل: "إما ان تمشوا بخطة الكهرباء معدّلة وإما امشي انا". الانجاز الحقيقي ان لا تكون الحكومة قد رفعت عجز الكهرباء في هذه المرحلة من مليارين ونصف مليار الى اربعة مليارات ونصف مليار.

السابق
منطق الدولة··في مواجهة الإستحقاقات!
التالي
الأسد ورأس الذئب الطائر