الراي: نصف فوز لميقاتي ونصف خسارة لعون في تسوية حزب الله الـبوليتيكو كهربائية

شغلت التسوية السياسية التي توصل اليها الافرقاء السياسيون داخل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي (مساء اول من امس) وأفضت الى اقرار خطة الطوارئ الكهربائية المراقبين لجهة قراءة مدلولاتها وحسابات الربح والخسارة فيها وانعكاساتها على اوضاع اطراف الاكثرية الجديدة ولا سيما زعيم «التيار الوطني الحر» النائب العماد ميشال عون ورئيس الحكومة نفسه في ضوء الاشتباك السياسي الذي حكم الخلاف على الخطة والذي استمر حتى آخر لحظة.

وقد استوقف المراقبين في هذه القراءة تطور لافت تمثل في صورة جرى تعميمها اعلامياً على نطاق واسع لمصلحة الرئيس ميقاتي مرجحة كفة مكاسبه بشكل واضح على كفة العماد عون (صاحب اقتراح قانون خطة الكهرباء التي وضعها صهره الوزير جبران باسيل) الذي وإن عزى انصاره ومحيطه المكسب الاساسي له في اقرار خطة انتاج 700 ميغاوات بكلفة 1.2 مليار دولار، فان ذلك لم يقلل أهمية تمكن ميقاتي من فرض غالبية توجهاته في الخطة مدعوماً من سائر الافرقاء في الحكومة عبر وضع الضوابط القانونية والتمويلية والادارية وتجزئة تمويل الخطة على اربع دفعات حتى سنة 2014 وهو ما كان وزير الطاقة جبران باسيل قد عارضه منذ بداية طرح الخطة على النقاش داخل الحكومة.
والواقع ان اوساطاً سياسية قريبة من القوى الوسطية في الحكومة قالت لـ «الراي» ان هذا الكباش السياسي والتقني والقانوني انتهى بما لا يقبل جدلاً الى نتيجتين اساسيتين هما تأكيد ان مصير الحكومة واستمرارها شكلا «خطاً احمر» واضحاً ممنوعاً من التجاوز اقله في المرحلة الحاضرة، وان كسر اي طرف سياسي غير وارد في سياق اي ملف تعالجه الحكومة، ما يضيء لاحقاً على استحقاق تمويل المحكمة الدولية وما يمكن ان يصار عبره الى اجتراح تسوية مماثلة لخطة الكهرباء.

ولكن الاوساط نفسها تبرز اهمية خروج ميقاتي بصورة رئيس حكومة تمكن بعدما ضرب بيده على طاولة مجلس الوزراء راسماً امام باسيل معادلة «إما تمشي بالخطة معدلة او انا امشي»، من منع تجاوز موقعه وصلاحياته على حساب الطموحات الواسعة للعماد عون الذي اخذ نقطة ايجابية واحدة هي اقرار مجمل المبالغ المطلوبة للخطة والزام الحكومة التمويل اللازم ولكن في مقابل اضطرار فريقه الى التسليم بكل الضوابط الاخرى التي تمسك بها ميقاتي مدعوماً من الافرقاء الاخرين ولا سيما النائب وليد جنبلاط.
وتقول الاوساط نفسها ان ابلغ رسالة سياسية خرج بها هذا الكباش تمثلت في ان حلفاء عون ولا سيما منهم «حزب الله» وحتى وزراء النائب سليمان فرنجية و«الطاشناق» الذين يضمهم «تكتل التغيير والاصلاح» (كتلة عون النيابية) وضعوا حداً لتمادي عون في القراءة اللاواقعية التي ذهب عبرها الى تهديد مصير الحكومة ولو انهم حرصوا على حفظ مياه وجهه في المخرج الذي اعتمد. وهذا يعني ان على عون من الان فصاعداً ان يدرك ان اي ملف جديد او «معركة» اخرى ستكون محكومة بهذه المعادلة.
غير ان قوى المعارضة و14 آذار ورغم اقرارها بصحة هذه القراءة للدلالات الشكلية المباشرة لهذه التسوية الحكومية، فانها ترى من جانبها ان تنازلات عون وخسارته المبدئية في هذه المعركة الداخلية ضمن صفوف الاكثرية لا تعني في المقابل خروج ميقاتي بمكسب كبير على ما يجري تصويره اعلامياً وسياسياً.
وقالت مصادر بارزة في المعارضة لـ «الراي» ان مكسب ميقاتي وترجيح كفته على عون لا يحجب حالة التعثر الكبير الذي اصاب حكومته والمرشح للتفاعل تباعاً في اي ملف كبير آخر من جهة، فضلاً عن ان الخطة الكهربائية في ذاتها بدت اشبه بعمل دعائي اكثر منها خطة متماسكة قابلة للتنفيذ السريع والفعال.
وتعتبر المصادر المعارضة ان مناقشة الخطة في مجلس النواب على ايدي نواب المعارضة وكتلها ستكون كفيلة باظهار كمّ هائل من نقاط الضعف فيها بما يكشف هشاشة الادعاءات السياسية بوجود انتصارات وانكسارات بين اطراف الحكومة ولان مجمل الخلاصة السياسية تُظهر ميقاتي وعون كما سائر اطراف الحكومة في مظهر العجز عن التصدي بفعالية لازمة الكهرباء والتلهي بدلاً من ذلك بتضخيم النتائج الدعائية لهذا الكباش.
وبحسب المصادر المعارضة فان اكثر ما يدلل على تسخير خطة الكهرباء لمعركة الاحجام والمواقع بين افرقاء الحكومة هو الاستهانة بمنطق الدولة بدليل فصل اعتمادات الخطة عن الموازنة نزولاً عند رغبة عون في مقابل تمكين ميقاتي من فرض ضوابط هي في النهاية اقل ما يمكن توقعه في خطة كهذه. وهذا يعني ان على المعارضة ان تفضح في مناقشة الحكومة لهذه الخطة كل هذا المنحى، وهذا ما بدأ التحضير له بقوة في انتظار احالة الخطة على مجلس النواب.
وكانت جلسة مجلس الوزراء مساء اول من امس شهدت آخر جولات «عضّ الأصابع» بين وزراء العماد عون وبين الرئيس ميقاتي وفريقه ومعهم وزراء النائب وليد جنبلاط، وأيّدهم، لضرورات عدم فرط الحكومة، «حزب الله» والرئيس نبيه بري.
واشارت المعلومات الى ان سجالاً حاداً دار خلال الجلسة بين ميقاتي والوزير جبران باسيل بعدما كان دخل ومعه وزراء تكتب التغيير والاصلاح غير راضين بالتعديلات على الخطة التي كانت مدار بحث ماراثوني نهاراً وأقنعت حلفاء عون وبينهم «الكاشناق» وتيار النائب سليمان فرنجية.
وافادت التقارير انه خلال السجال مع باسيل، انفعل رئيس الحكومة وقال لوزير الطاقة بعدما ضرب يده على الطاولة: «تعلمت منك يا معالي الوزير أن أعتمد قاعدة إما أن يحصل كما أريد وإما أنسحب. فإذا كانت الأمور كذلك، أنا أقول لكم إما ان تمشوا بخطة الكهرباء معدَّلة وإما أمشي أنا». بعدها وافق باسيل على التعديلات التي شكلت تثبيتاً للنقاط التي كان تم الاتفاق عليها بين الرئيس ميشال سليمان وبري وميقاتي وجنبلاط وهي:
* عدم منح قطاع الكهرباء لوزير الطاقة اذ ظلّ مجلس الوزراء في صلب مسؤولية الإشراف على تنفيذ الخطة.
* الاجازة للحكومة ايجاد مصادر تمويل من خلال قروض ميسرة او اصدار سندات خزينة بالعملة اللبنانية او العملات الاجنبية، وتفويض الرئيس ميقاتي اجراء الاتصالات اللازمة مع الصناديق والهيئات الاقليمية والدولية لتأمين التمويل.
* تشكيل لجنة وزارية برئاسة ميقاتي من ثمانية وزراء بالاضافة اليه، مهمتها ادخال تعديلات على القانون 462 خلال ثلاثة اشهر بما يسمح للقطاع الخاص بالاشتراك في عمليات التلزيم والتمويل وغيرها. * تشكيل الهيئة الناظمة خلال شهرين.
* اعتماد مشروع قانون للخطة بدل اقتراح قانون بما خالف رغبة وزراء «التغيير والاصلاح» الذين طالما تمسكوا بالاقتراح باعتباره يحمل توقيع النائب ميشال عون.
* تقسيط الدفعات وتقسيمها على 4 دفعات حتى 2014.
* إلزام باسيل باطلاع رئيس الحكومة على دفتر الشروط وعلى كل ما يتعلق بالخطة، الأمر الذي يمر لاحقاً على مجلس الوزراء مجتمعا.
* إلزام وزير الطاقة بالعودة الى ادارة المناقصات التابعة لرئاسة الحكومة في المناقصات التي ستتمّ في هذا الخصوص.

وبعد هذه التعديلات التي اعتبرتها قوى 14 آذار «انتصاراً للمعارضة» واخذاً بالملاحظات التي كانت ابدتها، خرج الوزير باسيل من الجلسة رافعاً يده أمام الصحافيين بـ «اشارة النصر»، فيما اعلن ميقاتي ان الحكومة طلبت منه إجراء اتصالات مع الصناديق والهيئات الدولية لتأمين تمويل المشروع، لافتا الى ان جزءا من الخطة سيمول بواسطة الصناديق العربية، وموضحاً ان «مؤسسة كهرباء لبنان ستدير المشروع ولذلك كان القرار بتعيين مجلس ادارة جديد لهذه المؤسسة ووزير الطاقة سيكون وزير وصاية».
وفي المواقف، وصف النائب عاطف مجدلاني (من كتلة الرئيس سعد الحريري) اقرار مشروع الكهرباء في مجلس الوزراء بـ «الانتصار لموضوع انمائي وهزيمة لحرب صورية قادها الوزير باسيل وعمه عون»، في حين رأى النائب محمد قباني (من كتلة الحريري) ان «ملامح ما تم الاتفاق عليه بشأن خطة الكهرباء تشير الى ان هناك ضوابط وضعت ابرزها انشاء الهيئة الناظمة والالتزام بالقوانين خصوصاً القانون 462 »، وقال ان «اتصال رئيس حكومة بالصناديق لتأمين جزء من التمويل هو نقطة كانت المعارضة تطالب بها، ومازالت، لأن ذلك يؤمن الرقابة على العمل التنفيذي».

في موازاة ذلك، بدات الانظار تشخص على المخرج الذي سيتم التوافق عليه لتمويل المحكمة الدولية والاستجابة لطلب الاخيرة سداد المبلغ المتبقى من حصة لبنان والبالغ نحو 32 مليون دولار.
وفي هذا الاطار، وفي حين اشارت تقارير الى مخرج طرحه وزير العدل شكيب قرطباوي خلال لقائه في بيروت رئيس قلم المحكمة هيرمين فون هايبل ويتمثل في «إصدار مرسوم عادي بناء لاقتراحه يقضي بتحويل المبلغ على أن يوّقع عليه الى جانب توقيع كل من رئيسي الجمهورية والحكومة ووزير المال»، لفتت معلومات اخرى الى اتجاه يميل الى صرف هذا المبلغ بموجب سلفة خزينة، وسط استبعاد ادراج حصة لبنان من التمويل من ضمن الموازنة العامة لسنة 2012، لان هذا الامر يحتاج الى خمسة او ستة اشهر.
ونقلت صحيفة «اللواء» ان الرئيس ميقاتي اوضح للمتصلين به، في هذا الشأن، انه لا يستطيع ان يترأس جلسات مجلس الامن في نهاية سبتمبر الجاري، قبل ان يقوم لبنان بالوفاء بالتزاماته تجاه المحكم

السابق
اللواء: عون يثير بتوقيت مريب أزمة مع ميقاتي حول الموظفين السنَّة؟
التالي
ايجاد مخرج جديد لتمويل المحكمة عبر وزارة العدل