الحرب الكونية على سورية

في مطلع القرن العشرين تآمرت القوى العظمى على سورية فقسّمتها في اتفاقية سايكس ــ بيكو 1916، وكان سيّئا الذكر البريطاني سايكس والفرنسي بيكو من الداعمين لمشروع الحركة الصهيونية التي حصلت سنة 1917 على وعد بلفور البريطاني المشؤوم بإعطاء اليهود سورية الجنوبية (فلسطين) وطناً لهم.
حركة الاستعمار التي انتشرت في آسيا وأفريقيا، كان أكثرها سوءاً ما حصل ضد سورية وشعبها. وإضافة الى التقسيم والاستيطان اليهودي وسلخ أجزاء غنية من سورية وإعطائها للأتراك (لواء كيليكيا والإسكندرون) كان المجتمع الدولي حريصاً على منع أي تقارب بين كيانات الأمة الواحدة، وكان دائم التآمر لإضعاف دول هذه الكيانات ولجم نموها.
وكان لثقافة الاستعمار دور في تشويه وطمس هوية وثقافة هذه المنطقة، وقد أدى عدد من السياسيين والمثقفين السوريين خدمات كبرى للمستعمر في تنفيذ خطته بضرب الثقافة السورية وطمس الهوية الأساسية واستبدالها بالهويات الكيانية والهويات الطائفية والمذهبية، فصرنا نسمع: لبنان أولاً ــ الأردن أولاً…
الطائفة أولاً ــ المذهب أولاً…
انطلق التركيز من قبل الاستعمار ضد سورية لأسباب جوهرية أهمها:
ــ السيطرة على الهلال الخصيب هي مفتاح سيطرة أي دولة إمبراطورية عبر التاريخ. وعندما تفقد الدولة الإمبراطورية سيطرتها على الهلال الخصيب، تفقد سيطرتها العالمية وتصبح دولة عادية.
ــ إن قيام دولة مركزية في الهلال الخصيب يُمثِّل تهديداً لمصالح الدول الاستعمارية في سعيها إلى الهيمنة الاستعمارية على العالم العربي وخيراته وعلى العالم، لذلك كان سعي البريطانيين وقبلهم دعوة نابليون، إلى إقامة دولة غريبة في جنوب سورية (فلسطين) تكون بحكم غربتها مرتبطة بالاستعمار حكماً وعدوة لشعب المنطقة وعائقاً أمام تطوره وتهديداً دائماً لوجوده.
ــ إن قيام نهضة حقيقية في سورية الطبيعية ودولة تجسد إرادة الشعب السوري هما العامل الأساس في تحرير العرب من المحيط الى الخليج. تحريرهم من الارتهان والتبعية للغرب وتحقيق نهضة حقيقية تؤمن كرامتهم ورفعتهم وعزتهم.
بعد سقوط الاتحاد السوفياتي سعت الولايات المتحدة الأميركية إلى ضمان هيمنتها العالمية ومنع صعود أي قوة منافسة في المدى المنظور.
يُمثِّل العالم العربي وخاصة منطقة الهلال الخصيب فيه محوراً أساسياً في الاستراتيجية الأميركية، ينبغي السيطرة عليه وضرب قوته وإضعافه عبر التفتيت والتجزئة وإثارة النزاعات المذهبية والطائفية والإثنية وغيرها. وليست الدعوة الأميركية غلى نشر الديمقراطية سوى ستار زائف يُخفي سعيها إلى تقسيم المنطقة وتفتيتها إلى كيانات مذهبية وإثنية متناحرة ودائرة في الفلك الأميركي الصهيوني. 
… يساعد أميركا في حربها على سورية، الدول الاستعمارية السابقة العريقة في قهر الشعوب وظلمها ونهب ثرواتها وخيراتها التي يعاودها الحنين إلى حقبة الاستعمار والتي تحاول بصلافة ووقاحة اعطاء دروس في الحرية والديمقراطية والأخلاق. والدولة التركية التي يطمح حزب العدالة والتنمية فيها إلى إعادة مجد عثماني ضائع لن تعيده تقوى زائفة باسم الدين ولا غيرة استعراضية كاذبة على مصالح عربية. وتساعدها بعض الأنظمة العربية المنفوخة حجماً ودوراً والمستسلمة للمشيئة الأميركية والتي تحاول استرضاء سيدها بأي ثمن عسى أن يبقيها ذلك في السلطة ويُجنِّبها سخط شعبها وغضبه.
المتآمرون على سورية لا يريدون أي اصلاح وهم يدفعون قوى المعارضة إلى رفض الحوار ويدعمون العنف المسلح وارتكاب المجازر والجرائم بحق العسكريين والمدنيين من أبناء سورية، ويختلقون الأكاذيب التي تهدف إلى منع الحوار والتحريض على الفوضى والعنف. وتحاول أميركا تجييش العالم كله ضد سورية، تساعدها في ذلك أبواق الإعلام الكاذب في فضائيات العهر السياسي وأبواق الفتنة والتحريض المذهبي والطائفي.
يقف إلى جانب سورية، الدول الحرة في العالم التي ترفض الخضوع للمشيئة الأميركية وعلى رأسها روسيا والصين والهند والبرازيل… أي الدول الصاعدة والناهضة التي تبشر بقرب ولادة نظام عالمي جديد أكثر توازناً وأكثر عدلاً. ويقف إلى جانب سورية كل الأحرار والشرفاء في العالم، و كل قوى المقاومة والممانعة في العالم العربي.
الحرب هي على دور سورية وعلى وجودها، وليست كما يدعي أسياد النفاق في النظام العالمي، ثورة ضد الاستبداد والنظم الشمولية. وليست من أجل الحرية والديمقراطية، كما يدعي بعض المخدوعين بقيم الغرب وأخلاقه. الغرب لا يفهم الا لغة مصالحه وثقافته العنصرية، ثقافة أنه السيد الذي له الحق في استعباد الشعوب. هذه هي الثقافة اليهودية الصهيونية كما ترد في التوراة والتلمود وهذه هي ثقافة الإمبريالية التي لم تقم ولا تقيم أي وزن للشعوب وحقوقها ومصالحها.
نتيجة هذه الحرب على سورية سترسم معالم النظام العالمي الجديد.
انتصار سورية في هذه الحرب يرسم أفقا لنظام عالمي جديد متعدد الأقطاب، وعولمة أكثر انسانية وعدالة، وأفولاً للهيمنة الأميركية والعربدة الصهيونية وقرب اضمحلال الكيان الصهيوني الغاصب ونهايته. ويرسم عالما عربيا بدول حرة وسيدة ذات منعة وكرامة.  

السابق
عراة يحولون الإنسان لحمار وحشي
التالي
علي عمار: بري دعامة رئيسة من دعائم المقاومة ومشروعها