11 سبتمبر.. اليوم الذي لا ينتهي أبدا

يقف الأستاذ أمام فصل من الشباب وتحيط به نوافذ مفتوحة. يمر موكب عسكري خارج المدرسة، ويملأ صوت موسيقى المارشات العسكرية جنبات حجرة الدراسة. ينصح الأستاذ كانتوريك طلابه بالتطوع في الجيش. يقول: «أظن أنها ستكون حربا سريعة. وسيكون حجم الخسائر فيها محدودا». كان ذلك في عام 1914، واستمرت الحرب أربع سنوات وكانت الخسائر فادحة. هكذا يبدأ فيلم «كل شيء هادئ على الجبهة الغربية». وبهذه الصورة أيضا بدأت أحداث 11 سبتمبر (أيلول) 2011.
باق أيام معدودة على حلول الذكرى العاشرة للهجمات الإرهابية على مركز التجارة العالمي والبنتاغون التي تسببت في خسائر هائلة في الأرواح وحالة من الرعب لا يزال من الصعب التعامل معها من الناحية الشعورية. كنت في منهاتن السفلى في ذلك اليوم، ولفترة طويلة بعد وقوع هذا الحادث المفجع، عمت أصوات العزف الحزين الباعث على الاكتئاب بمزامير القرب – لموسيقى «داني بوي» و«أميزينغ غريس» – جنبات الجزيرة، في تشييع جنازة تلو الأخرى. وكان المرور المتكرر لسيارة إطفاء، الذي عادة ما كان يثير مشاعر الاستحسان العفوي، تجربة شعورية لا تنسى.
وهكذا أصبحت أنا وكثيرون آخرون مثل هؤلاء الطلاب الألمان. فقد خرجنا للمشاركة في الحرب.

الآن، مرت 10 أعوام، ولم تنته الحرب بعد. ما زلنا نحارب في أفغانستان والعراق، حروب لم يعد لها أي مغزى الآن، أو، في حالة العراق، لم يعد لها مبرر. وعلى غرار هؤلاء الطلاب، غمرتنا حمى الحرب وسرنا بقيادة رجلين – رئيس ونائبه – على الأقل كنا غير مؤهلين كالقيصر الألماني أو، على الجانب الآخر، تلك المجموعة من رجال الدولة والمارشالات الذين زجوا بأوروبا إلى حرب ما زالت آثارها ملموسة حتى الآن.
الأمر نفسه مماثل للكارثة في العراق. لم يكن صدام حسين هو من هاجمنا، ولم يكن صدام حسين هو من امتلك ذخيرة من الأسلحة الكيماوية أو البيولوجية أو برنامجا نوويا. لم يكن هناك أي شيء من هذا – لم يكن هناك أي خطأ استخباراتي بسيط، مثلما يزعم الآن، وإنما خطأ نتج عن مفاهيم مفترضة مسبقا لا أساس لها من الصحة، إصرار على تخيل بعبع في كل خيال، برنامج نووي في البريق الضعيف لواجهة ساعة أو رغبة جامحة في الإطاحة برأس صدام حسين. لقد زحفنا للمشاركة في الحرب الخاطئة.

إنه موسم مشؤوم في واشنطن، كثير من الحديث عن انهيار أميركا وكيف انهار نظامنا مثار الاعتزاز والفخر. لن أراوغ. ولكن الانهيار الحادث لنظامنا تتجسد أمثلة مؤكدة عليه في شن حرب غير ضرورية ثم – على نحو مثير للعجب – إعادة انتخاب الأفراد غير الأكفاء الذين قاموا بها. هل من الممكن مع كل هذا الحديث المعسول عن «النظام المنهار» وعن كل تحياتنا للقوات الأميركية أننا لا نعبأ كثيرا بهم إلى حد أننا أحيانا ما نعطي فرصا ثانية للأشخاص عينهم الذين أودوا بحياة الأبرياء؟

غياب المحاسبة ليس مقصورا على مغامراتنا العسكرية الحمقاء، فقد انهار النظام المالي، ولم تعد هناك أعذار يمكن تقديمها. فالفرد البسيط كان يعني أولئك الحمقى الذين خدعوا بإيهامهم بأن الحصول على منزل خاص كان هدية المواطنة، وقد خسروها جميعا، لكن الأشخاص الذين كانوا السبب في هذه الكارثة عانوا عددا من السنوات السيئة ثم عادوا ليحصلوا على العمولات التي كانوا معتادين عليها. فسمحت لجنة الأوراق المالية والبورصة لبرني مادوف أن يسرق الجمعيات الخيرية والإسهامات الخيرية وصارع الوكالات الحكومية، وعدنا لنقول نحن أمة قادرة على تجاوز ذلك، ودائما ما نتخطاه.
بيد أن العراق كان مختلفا، فالحياة، لا المنازل، قد ضاعت – والشرق الأوسط قذف به في الهواء. وعندما عاد إلى الأرض كانت عدونا إيران أكثر قوة، وزاد تأثيرها حتى في العراق ذاتها. ونالت الحرب ضد «القاعدة» وحليفتها طالبان في أفغانستان اعترافا محدودا. غاب الهدف بمرور الوقت وصرنا نقاتل كما فعل هانيبال في إيطاليا لأننا لا نستطيع أن نفكر في شيء آخر يمكننا القيام به.
ذهبت إلى منزلي في 11 سبتمبر (أيلول) وحذائي مترب بغبار مركز التجارة العالمي. وشعرت بالكراهية التي كانت جديدة بالنسبة لي. وفي أعقاب ذلك بدأت هجمات الجمرة الخبيثة وكنت على استعداد للحرب – ضد «القاعدة» وطالبان، وصدام حسين أيضا. كنت مخطئا ولذا لا ألوم نفسي وفقط، بل ألومنا جميعا لمساندة ومكافأة عدم الكفاءة بفترة أخرى. لقد قال معلمنا بهمة واضحة: «أعتقد أنها ستكون حربا سريعة».
إن 11 سبتمبر (أيلول) هو اليوم الذي لن يموت على الإطلاق.

السابق
جوّع كلابه… فأكلته
التالي
باكورة الثورات بدأت في لبنان 2005