متى يفقد حزب الله صبره…

ندما قال رئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب محمد رعد بنبرة عالية: "هناك من يستغل صبرنا وتسامحنا، فهذا له حدود. وأنا اقول لهم ما هو السقف العام لهذا الصبر. طالما أننا قادرون على المحافظة على وحدة بلدنا وقوته بصبرنا سنبقى صابرين، ولكن إذا رأينا أن الأمور سوف تمتد من الخارج الى داخل البلد، فإن هذه اليد سوف نقطعها"… فإن أوساطاً رسمية وسياسية وشعبية ذهبت في تفسير حقيقة الدوافع إلى قول ذلك مذاهب شتى. فمنهم من قال إنها ناتجة من توتر وقلق بحكم ما يجري في سوريا، ومنهم من قال إنها تعبير عن حقيقة نيات "حزب الله" اذا ما حُشر في الزاوية ولم يعد أمامه وسيلة للدفاع سوى اللجوء الى الحل الامني عندما يتعذّر اللجوء الى الحل السياسي.

والسؤال المطروح هو: متى يفقد "حزب الله" صبره ويباشر قطع الأيدي إذا ما امتدت من الخارج الى الداخل، ومن هو هذا الخارج الذي يقصده؟ إذا كان يقصد إسرائيل، فإن جميع اللبنانيين سيقفون صفاً واحداً في التصدي لها لأن الجميع حرصاء على الوحدة الوطنية والعيش المشترك. وإذا كان يقصد دولاً غربية، فإن هذه الدول قد لا تتدخّل إلا لمواجهة تدخل دول أخرى. وإذا كان ما يجعل "حزب الله" يفقد صبره هو خوفه على الوحدة الوطنية من تدخل خارجي، فإن أوساطاً سياسية تتساءل لماذا لا يقدم الحزب على مبادرة انقاذية تحفظ هذه الوحدة وتحميها من أي خطر داخلي أو خارجي وذلك بوضع سلاحه في تصرف الجيش والدولة اللبنانية وأن يتحوّل حزباً سياسياً كسائر الأحزاب في لبنان، لأنه لن يكون مقبولاً وإلى أجل غير معروف أن يبقى الحزب الوحيد المسلّح في لبنان وأن يظل وحده الآمر الناهي بقوة هذا السلاح، بل أن يعود الجميع في لبنان إلى ممارسة النظام الديموقراطي الصحيح والسليم الذي بموجبه تحكم الأكثرية المنبثقة من انتخابات نيابية حرة نزيهة والأقلية تعارض، لأن هذا النظام أثبت أنه هو الأفضل وهو الذي يحقّق الاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي، وهو الذي يحوّل بإرادة الشعب الحرة، الاكثرية أقلية والأقلية أكثرية، لا ان تكون اكثرية مفروضة على الشعب بقوة الحكم الفردي أو الشمولي أو الديكتاتوري. وبعد أن يقدم الحزب على هذه الخطوة الإيجابية المهمة يبقى عليه أن يتعامل مع المحكمة الخاصة بلبنان في ضوء القانون والأصول توصلا إلى معرفة الحقيقة التي يجب أن تُعرف وإن قضت اي تسوية بألا تُقال في جرائم الاغتيال التي وقعت في لبنان وكان أخطرها جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه، وأن يتولى الحزب الدفاع عن المتهمين بارتكاب هذه الجريمة بتقديم قرائن البراءة امام المحكمة وليس بعقد المؤتمرات الصحافية والادلاء بالتصريحات التي لا تصرف في سوق القانون وانتظار صدور الاحكام عن المحكمة التي وحدها تدل على أنها مسيسة او عادلة. فإذا اثبتت التهمة على العناصر الاربعة المنتمين الى الحزب، فلا يعني ذلك ان الحزب كله متهم او ان الطائفة هي المتهمة، مثلما العمالة لاسرائيل اذا اتهم بها حزبيون فلا تنسحب على الحزب ولا على المذاهب.

وعندما يصدر الحكم بحق المتهمين يصبح الباب مفتوحاً للبحث عن عفو شامل ومصالحة حقيقية تطوي صفحة وتفتح صفحة جديدة على لبنان المستقبل. وهذا ما حصل غير مرة في تاريخ لبنان. فحوادث 1860 انتهت بعبارة "مضى ما مضى"، وميثاق 1943 غير المكتوب رفع شعار "لا شرق ولا غرب"، اي لا المسلمون يدعون للوحدة مع سوريا ولا المسيحيون يطلبون حماية فرنسا. وانتهت احداث 1958 بحكومة لا غالب ولا مغلوب، وحروب عام 1975 انتهت باتفاق مكتوب عُرف باتفاق الطائف وصار دستورا للبنان على امل ان يؤدي تطبيقه كاملا الى قيام الدولة اللبنانية القوية والقادرة على حفظ الأمن بقواتها الذاتية والاستغناء عن اي قوة مستعارة وذلك بحل جميع الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية وتسليم اسلحتها الى هذه الدولة.

لذلك، فإن "حزب الله" اذا كان يحرص فعلا على الوحدة الوطنية وعلى العيش المشترك فعليه الا ينتظر ماذا يفعل الخارج في لبنان، بل ماذا يفعل الداخل حفاظا على الوحدة الوطنية والعيش المشترك. وهذا يبدأ بوضع السلاح في تصرف الجيش كي تقوم عندئذ الدولة القوية الواحدة التي لا دولة سواها ولا سلطة غير سلطتها ولا سلاح غير سلاحها، وعندما لا يعود معنى لمعادلة "الجيش والشعب والمقاومة" انما تكون الدولة القوية الواحدة هي المبنى والمعنى وهي التي تحوّل "الاقانيم" الثلاثة اقنوما واحدا جامعا للكل وضابطا للكل من دون تفرقة او تجزئة.

اما اذا كان "حزب الله" يفقد صبره إذا سقط نظام الرئيس الاسد وقام نظام آخر لا يرتاح اليه، او اذا عقدت صفقة ما على حسابه، او اذا امتدت الاتهامات في جرائم الاغتيال في لبنان من القاعدة الى القيادة، واصبح الحزب مكشوفا امام المحكمة الدولية، فيلجأ اذذاك الى سلاحه، فلا يكون يريد عندئذ المحافظة على وحدة لبنان ارضا وشعبا ومؤسسات، بل يكون من حيث يدري او لا يدري يريد ضرب هذه الوحدة، وهذا ما لا تريده قيادة الحزب الحكيمة والعاقلة خصوصا في زمن التحولات الكبرى في المنطقة.

السابق
السفير: الحكومة أقوى من الكهرباء.. تلازم الضوابط والضمانات
التالي
مخفر الدرك