كبير القوم خادمهم وليس العكس

البطريرك الراعي في عظة يوم الأحد 21 اغسطس الماضي قال "المسيحيون والموارنة خصوصا مطالبون عيش الرحمة والمغفرة لاسيما في هذه الأيام حيث تطغى الخلافات والاتهامات والتخوينات واللااخلاقيات على كل صعيد. لبنان يمتاز بنظام سياسي مغاير عن كل أنظمة العالم فهو ارض التلاقي. لهذا علينا الانفتاح على الشرق والغرب خصوصا في هذا الوقت الذي تتخبط فيه منطقتنا بالآلام والحروب, وعلينا استعادة دورنا كعنصر استقرار في هذا العالم العربي, ولكن علينا أن نستقر أولا في ما بيننا وفي وطننا ولهذا ندعو إلى هدم جدران التباعد ووقف الخلافات والانقسامات لان لبنان ملتقى لجميع الناس".

جاء في إنجيل القديس متى 23/2-3: "إن الكتبة والفريسيين جالسون على كرسي موسى, فكل ما قالوا لكم احفظوه واعملوا به, وأما مثل أعمالهم فلا تفعلوا لأنهم يقولون ولا يفعلون."
من المفاهيم الخاطئة في تفسير البعض لكلام السيد المسيح هذا أنه يوجب الطاعة لرجال الدين طاعةً عمياء ومطلقة من دون أي اعتراض, وفق قول المسيح: "كل ما قالوا لكم احفظوه واعملوا به." ومن الأخطاء الشائعة أيضاً أن رجال الدين هم بعامة مراؤون يقولون ما لا يفعلون, وأعمالهم عموماً طالحة, ولكن مهما كانت أعمالهم شريرة فيجب أن يُطاعوا طاعة عمياء, ويَبقوا في كراسيهم ومراكزهم الدينية من دون أي حسيب أو رقيب, أو حساب أو عقاب.

أما المفهوم المنطقي والعقلاني الصحيح فهو القول "إن الكتبة والفريسيين جالسون على كرسي موسى, فكل ما قالوا لكم احفظوه واعملوا به" يخص الطاعة لما طابق وانسجم مع شريعة موسى, والوصايا العشر على نحو خاص, وكل ما خالف هذه الوصايا وروح هذه الوصايا, ليس فقط لا يدخل في نطاق قول السيد المسيح بل يتوجب عدم طاعته ومعارضته والوقوف ضده علنية. كما أن التعميم بأن كل رجال الدين أعمالهم شريرة خطأ, فهناك الكثير منهم يعملون الأعمال الصالحة, وليس كلهم يقولون ما لا يفعلون وإن كان هذا النوع قلة في زماننا العاطل هذا الذي نسميه في قرانا زمن المحل.
إنها كارثة عندما ينحرف أعلى مرجع ديني إلى أمور الدنيا الفانية ويتخلى عن الروحانيات وينحدر بخطابه إلى درك مماحكات السياسيين وتقلباتهم واتهام من ينتقد ممارساته وأقواله ومواقفه بجماعات "الاتهامات والتخوينات واللااخلاقيات".

في المفهوم الروحاني الكنسي والإنجيلي إن كل من يساير مقامات الناس على حساب الإيمان والشريعة ولحق ودم الشهداء هو ليس عبداً للمسيح. نعم الكلام هو عن الراعي الذي لا يعرف البشارة والذي لم تعد تعرفه رعيته بعد أن طرد الروح القدس الذي كان حل عليه يوم انتخابه.

هذا الراعي بارك حكومة الميقاتي التي هي بالواقع حكومة إيران وسورية وحزب الله والغزوات وطالب بالحكم على أعمالها وكأن الأبالسة تتغير وتتبدل أعمالهم. وهو نفسه الذي بجل وأشاد ونفخ في انحرافات ميشال سليمان وعارض مشروع بطرس حرب لمنع بيع أراضي المسيحيين, وهو نفسه الصامت عما يجري في لاسا وأيضا هو نفسه الذي يماشي المصنج من اجل العودة إلى طاولة الحوار العقيمة لتشريع سلاح حزب الله.
نعم إنه الراعي البعيد عن البشارة الذي لا يعرف أن يرعى وقد تحول إلى شاهد زور يتفرج على الذئاب وهي تفترس رعيته وتهجر أهله وتستولي على ممتلكات الكنيسة المفترض أنه حاميها. وهل نحتاج إلى قول المزيد عمن انحرف عن خط سيدنا غبطة البطريرك الكاردينال ما نصرالله بطرس صفير أطال الله بعمره?

هذا الراعي يأكل الخراف والخراف لا تعرفه لأنه لا يزال صامتاً منذ 22 يوما أي منذ أن قدم ميشال عون الساقط في كل تجارب إبليس قانون مشروع التعهير إلى مجلس النواب ليشرع عماله أهلنا أفراد جيش لبنان الجنوبي المقيمين في إسرائيل استجابة لرغبة الإيراني والسوري في حين أنهم من اشرف اللبنانيين وأكثرهم تضحيات وعطاءات ووطنية وتعلقاً بالأرض. نعم البطريرك الراعي الذي يشبه أبو الهول بصمته لا يمثلنا ولا يشبهنا وهو ليس راعياً لنا, ونقطة على السطر. يطالبنا بالانفتاح على الشرق والغرب وهل الشرق الذي يريدنا أن ننفتح عليه هو إرهاب حكام سورية وإيران وارتكابات مرتزقتهما في وطننا المحتل? المطلوب التوضيح وعدم اللعب على الكلام والاستهزاء بذكاء الناس.
إن البطريرك والمطران والراهب وكل رجال الدين هم خدام لرعاياهم وللكنيسة وليس العكس, فهل يصحح بعض هؤلاء مفاهيمهم ويتصرفون كخدام وليس كأسياد عملاً بقول السيد المسيح "تعلمون أن رؤساء الأمم يسودونها, وأن عظماءها يتسلطون عليها, فلا يكن هذا فيكم. بل من أراد أن يكون عظيما فيكم, فليكن لكم خادما. ومن أراد أن يكون الأول فيكم, فليكن لكم عبدا: هكذا ابن الإنسان جاء لا ليخدمه الناس, بل ليخدمهم ويفدي بحياته كثيرا منهم". (متى 20/25-28).

نسأل مع السيد المسيح كل اللاهثين وراء مقتنيات الدنيا الفانية: "ماذا ينفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه". والجواب بالتأكيد لا شيء على الإطلاق. فهل من يسمع ويتعظ ويخاف الله ويشهد للحق?
يوم طلب الكتبة والفريسيين من السيد المسيح إسكات تلاميذه رد عليهم قائلاً: "لو سكت هؤلاء لتكلمت الحجارة" (لوقا 19-40), وحجارة بكركي سوف تتكلم وترفع الصوت عالياً إن لن يتعظ الراعي ويلتفت إلى رعيته ويقبل مرة ثانية أن يحل الروح القدس عليه.

السابق
النهار: خطة طوارئ كهربائية مقسّطة على 4 سنوات اشتباك اللحظة الأخيرة عوَّم اقتراح ميقاتي
التالي
لتنشر الوثائق