أبو غريب.. سوريا

منذ بدء الثورة السورية كانت تتسرب أو تسرَّب صور رجال أمن ينكلون بموقوفين ومعتقلين..
كانت دلالة تلك الصور تختلف كثيرا عن صور الجثث المنكل بأصحابها التي التقطت بعد موتهم وبعد أن انسحب من المشهد القتلة والمعذبون..
لكننا في صور التنكيل المباشر والحي أمام أعيننا حيال نموذج مختلف..

خلال الأيام القليلة الماضية شهدت تلك النوعية من الصور تصاعدا من حيث تكرارها ومن حيث مضمونها.. تنوعت الصور من ضرب مبرح وتعذيب وإهانة في «باص» أو في زنزانة أو في زاوية على الطريق أو حتى في صف مدرسة تحول فيه المعتقلون إلى طلاب على مقاعد يتلقون الضربات بالتتابع.. بات ظاهرا أن من يُنزل الألم بهؤلاء يريد أن يبدو ذلك جليا لا لبس فيه أمام الكاميرا.. في مشهد «الباص» المُسرَّب يظهر جمع من رجال يرتدون ملابس عسكرية بينما كان أحدهم يمعن ركلا في شاب مقيد، وإلى جانبه نجد عسكريا آخر حاملا هاتفه ويصور المشهد..
حين كُدس جمع من المعتقلين على الأرض، وبعد الدوس عليهم، وقفت مجموعة من الجنود على أجسادهم وكأنهم على وشك الرقص على ظهور أولئك المقيدين والمكومين أرضا، وابتسموا للصورة أو لملتقطها تماما كما فعل جنود أميركيون في سجون أبو غريب وغوانتانامو..

احتفلوا بمشهد العنف الذي أنتجوه.
المخاطَب في مشهد أبو غريب ثقافة عنف غربية، لكن المخاطَب في صورة «شبيحة سوريا» يبعث على الحيرة فعلا. فإلى من يتوجه هؤلاء في مشهدهم؟..

الأرجح أن أقرب الناس إليهم ستلحقهم إهانة كما لحقتنا جميعا عندما شاهدنا صورهم..
إنه وعي عار وصريح بأن هذا التعذيب والتنكيل سيصل للسوريين وللعالم. والسؤال هنا حول هذا الشغف الذي أبداه هؤلاء المعذِبون في التقاط صورهم وهم يرتكبون ذلك.
لكن مرة ثانية، إنهم ليسوا أفرادا مرضى..
إننا أمام جهاز كامل ونظام كامل وعقل آيديولوجي تربى على هذه الشراسة المجانية.. لقد كرس العقل الأمني السوري في تعامله مع الثورة الشعبية الحاصلة منطق العنف الأعمى. هل ننسى أن الثورة انطلقت من درعا بعد أن جرى تعذيب مجموعة أطفال من المدينة؟..

والحال أن الإهانة التي لحقتنا جراء ما شهدناه هو ما يمكن أن يكون الدافع لبثها. ضحايا التعذيب المباشرون هم في موقعهم أصلا كضحايا، أما ما «أبدعه» العقل الجهنمي هو محاولة تحويل المُشاهد إلى ضحية أيضا. ليس المشاهد السوري لكي يرتعب، إنما المشاهد العربي والعالمي المتضامن مع الثورة في سوريا.. المطلوب منا بعد مشاهدتنا الصور أن نخاف على السوريين، تماما كما المطلوب منهم أن يخافوا على أنفسهم..
وإذا كان السوريون أنفسهم قد أبطلوا هذه التقنية عبر إصرارهم وصمودهم، فالأجدى بنا نحن الذين خارج حدود المأساة أن نحذو حذوهم في عدم الارتعاد من ابتذالهم العنف وتحويله سلعة وجعل آلام الناس رسائل قذرة لم تعد تفعل فعلها.

السابق
نقاط الدويلة السبع
التالي
حميّد: لا احد يعبث بين بري وحزب الله