من أجل علاقات جنسيّة صحيّة

"لنتحدث عن الجنس.. "، عبارة ستلفت انتباهك عند دخولك لمعرض الأعمال الفنية "Good Sex/ Bad Sex/ No Sex/ Your Sex ". على لوح أبيض كتبت تلك العبارة، لكن اللوح لن يبقى كذلك لوقت طويل، بل سيمتلئ بعبارات عن الجنس كتبها بعض من حضر المعرض الذي أقيم في مركزAltCity” ".
ولكن ما مناسبة إقامة المعرض؟ ولما قد نرغب في الحديث عن الجنس؟
في الرابع من أيلول كان اليوم العالمي للصحة الجنسية، ولذلك أرادت رولا ياسمين، وهي منظمة المعرض وعضو في اللجنة الشبابية للرابطة العالمية للصحة الجنسية، أن تحتفل بهذا اليوم بطريقة مميزة. فبعد دراستها الصحة الإنجابية من الناحية العلمية وكذلك المخاطر والاعتقادات المرتبطة بهذا الشأن، لاحظت أنه لم يتم يتطرق إلى الإنسان كإنسان، ولا إلى مشاعره والطريقة التي يرغب أن يعبر بها عنها.
وترى رولا أن في لبنان طاقة جنسية وفيرة، بغض النظر إن كانت تترجم إلى نشاط جنسي أم لا، وهذه الطاقة يمكن لها أن تترجم عبر أعمال فنية، تسمح بعرض جميع الأفكار المختلفة حول الجنس. لكنها، في المقابل، تعترف بأنها واجهت بعض الصعوبات في إعدادها للمعرض، خصوصاً مع بعض الذين أرادوا أن يشاركوا لكنهم تراجعوا لاحقا، إما بسبب الخوف أو بسبب اعتبارهم أن ما يقدمونه شخصي جداً ولا يمكن عرضه في العلن.
وترفض رولا الفكرة القائلة بأن الفنانين يسعون عبر هذه الأعمال إلى إحداث صدمة عند الجمهور، بل الهدف الفعلي هو التعبير عن مشاعرهم ومشاعر الآخرين لا أكثر. وما السعي إلى تقبل المجتمع للحديث عن الجنس سوى وسيلة لتحقيق الهدف الأساسي، وهو العلاقات الجنسية الصحية.

الجنس.. فنياً

تنوعت الأفكار التي عرضها المشاركون في المعرض. السوري أحمد شعبان، وهو فنان تشكيلي ومصمم أزياء، يصوّر العلاقات الجنسية المثلية في لوحاته. يرى أن هذه العلاقات أمر غنيّ ويمكن أن يستوحي منها، خصوصاً أن فنّه يعبّر عنه وعن حياته كما يقول، رغم أنه يعاني كثيراً في عرض أعماله في العالم العربي، بسبب رفض العرب لفكرة الحديث عن الجنس بالمطلق.
الحديث عن الجنس والتمييز بين الجنس والجنسانية هو ما شجّع لين على حضور هذا المعرض، وهي التي ترى ضرورة التطرق إلى هذا الموضوع رغم رفض شريحة كبيرة من المجتمع تقبل الحديث عنها. لكن لين ترى أنه حان الوقت للخروج من المنظار الضيق للأمور المتعلقة بالجنس، مشددة على ضرورة تقبل العلاقات الجنسية المختلفة وخيارات أصحابها. كذلك فرح قبيسي التي أبدت سعادتها في الحديث عن الصحة الجنسية، الموضوع "المسكوت" عنه منذ زمن، لافتة إلى ضرورة البحث عن طرق جديدة للتطرق إلى هذه المواضيع بدل الاكتفاء بالبحث فيه من ناحية علمية، خصوصاً أن الفن يؤمّن طريقة تعبير تسمح بإيصال الرسالة من خلال الصور واللوحات.
بسيط ومعبر ووديّ، بهذه العبارات يصف وسام شعيب المعرض. ويرى أن الجميع يمارس الجنس ولذا لا بد من الحديث عن الحياة الجنسية بشكل أكثر، وبطرق مختلفة، لا العلمية فحسب. من هنا، أعجب وسام بإقامة معرض فني يلقي الضوء على النظرات المختلفة عن الجنس. 
ولريّا حداد نظرة مختلفة جدا، فعبر صورة فوتوغرافية من قطعتين تصوّران أجساداً عارية ترى ريّا أن الجسد ليس رمزا جنسيا فقط، بل هو تأكيد على أننا لا نشبه بعضنا بعضا. ومن خلال الصورة تسأل ريا لماذا نطالب دائما بالمساواة ونحن بأجسادنا لسنا متساوين؟
زائرات كثر حضرن المعرض وأبدين إعجابهن به، لكنهن ترددن في الإفصاح عن أسمائهن. إحداهن أتت لتدعم صديقة لها، لكنها أرادت أيضا أن تلبي رغبتها في معرفة أكبر عن الجنس، خصوصاً أن هناك من يصرّ على أن الجنس من المحرمات التي لا يجوز الحديث عنها. "من الضروري أن نعبّر عن أنفسنا، كما يجب أن تكون هناك تربية جنسية في المدارس"، تقول الفتاة التي تعترف بصعوبة تحقيق ذلك، مستشهدة بتجربتها هي، حيث لم تخبر أهلها بأنها ستزور المعرض خوفاً من اعتراضهم ومنعها من المجيء.
هذه الصعوبة في الخروج من تقاليد المجتمع التي تحرّم الحديث عن الجنس ألهمت نسرين الشاعر التي أعدت لوحة للمعرض. في اللوحة فتاة نصف عارية تقوم بالعادة السرية، مع نص يقول: "لن تكون هناك ثورة من دون ثورة جنسية، من السرير إلى الشارع.. السرير هو الحاجز الأخير للحياة البرجوازية، الثورة هي حبيبي، الثورة هي حبيبتي، الجنس الغيري هو أفيون الشعوب..".
تنوع في اللوحات ووسائل التعبير يثير إعجاب زينة (اسم مستعار) التي ترى أن الفكرة مميزة وكل الأعمال جميلة. لكن انطباعها هذا جاء متأخرا، حيث اعتقدت بداية، عند سماعها بإقامة المعرض، بأنه سيتناول الأمور المتعلقة بـ"الصحة الجنسية" بشكل أكثر تحديدا، إلا أنها فوجئت بهذه الأعمال الفنية التي وجدت فيها طريقة جديدة للتعبير عن المخاوف والأفكار المختلفة حول الجنس، للوصول إلى علاقات جنسية صحية.
وبالإضافة إلى اللوحات، عرضت قصص قصيرة لم يكشف جميع كتّابها عن أنفسهم، تحدثت واحدة منها عن فتاة مثلية صارت أما، وأخرى بعنوان "لعبة الجماع" وتتناول فتاتين تتحدثان عن علاقتهما الجنسية، فيما سلّطت بولا سلوان ضاهر في قصتها "ضباب أرجواني" على النفاق في المجتمع اللبناني عند التطرق إلى الجنس.
ومقابل تلك القصص تنتشر صور أراد أصحابها توصيل رسالة ما من خلالها، منها صورة للثورة المصرية مرفقة بجملة "إذا كل الناس مشغولة بالثورة.. ليش أنا مشغولة فيك"، وأخرى تقول فيها صاحبتها إنه ما أن يبدأ طبيبها النفسي بالحديث عن فرويد تغلق عيونها وتبدأ بالتفكير بحياة طبيبها الجنسية.
وتضمن المعرض كذلك زاوية لعرض كتاب "بريد مستعجل"، وهو مجموعة قصص شخصية لمثليي الجنس وثنائيي الجنس ومتحولي الجنس بالإضافة إلى مشاركة مركز الصحة الجنسية "مرسى" الذي تحدث عن الخدمات الطبية والنفسية والاجتماعية التي يقدمها.  

السابق
هكذا تحمي قلبك …
التالي
أسارتا عرض مع بري وميقاتي دعم الجيش جنوباً