عن المنتجعات في الجنوب: الشاطر…طلع مش شاطر

رغم الأجواء السياسية المُعوكرة في لبنان عامة، وفي المحيط القريب خاصة، ورغم محاولة المعارضة الجديدة التهويل بأن الموسم السياحي هذا العام "مضروب" إلا أن نسبة إشغال الفنادق في لبنان بلغت 70%، وهو أمر ملفت، يُثبت مرة بعد مرة أن لبنان لا زال مقصدا وموئلا للسياح العرب.
لكن … ليس كل لبنان. فقط، ربما، جبله وعاصمته.

فجنوب لبنان حُرم هذا العام من مهرجانات صور! لماذا؟ تحت حجة أن المغتربين لم يقصدوا البلد هذه العام.

كل البلد مشغول بالمهرجانات سواء في القرى أو المدن أو الحارات. فكل بلدة في المتن وجبيل وكسروان صار لها مهرجانها، وطبعا هذه المهرجانات مدعومة، ولو بجزء بسيط، من وزارتي السياحة والثقافة.
إلا أن أبناء الجنوب، والحمد لله، لا يقيمون سوى إحتفالاتهم السياسيّة والدينية. لماذا؟

لا بل لا يهتمون، على غير عادة، بالسياحة الداخلية، حيث تنتشر في القرى الجنوبية المُطلة على نهر الليطاني العديد من المقاهي والإستراحات، إلا أن مفهوم الجاذبيّة السياحيّة، وجذب الزبون والسائح أبعد ما تكون عن مهمّات أصحاب هذه الإستراحات.
فمفهوم السياحة والإستجمام ليسا، بالنسبة إليهم، إلا عبارة عن طلبيّة طعام يغيب عنها الترتيب والنظافة كليّا.

وسبب هذا الكلام هو أن مجموعة من العوائل قصدت، بالإتفاق فيما بينها، إحدى الإستراحات التي تطلق على نفسها لقب (الشطارة…)، لتمضية يوم عطلة طويل، إلا أن الجميع خرج نهاية النهار مشمئزا، قرفا من غياب النظام والنظافة، رغم شهرة هذه الإستراحة، مُعلنين جميعهم، كبيرهم وصغيرهم، عن توبتهم عن قصد هذه المنطقة للأسباب التالية:

أولاً: لسوء التنظيم الفاضح، ولإنتشار المهملات في كل زاوية، ولإنعدام النظافة في دورات المياه. أما مياه النهر، التي لم تعُد مياها، صارت مكبّا للقناني البلاستيكية والأحذية وكل أنواع أوراق التنظيف وأكياس النايلون وغيره.
ثانياً: الإهمال، حيث يترك الزائر طاولته، ولكن الفضلات التي خلّفها وراءه تأبى أن تترك الطاولة. وليس معذوراً هذا الزبون أو الزائر في أن يرمي فضلاته على الطاولة و على الأرض كالبزورات، وقشور البطيخ، وبقايا مشتريات الأولاد… والى ما هنالك من كبايات بلاستيكية وصحون… وغيره.

انه عالم مليء بالوسخ والفوضى وإنعدام النظافة.
أما الكارثة الكبرى فهو حين تدخل الى مطبخ المطعم، باحثا عن المسؤول عن تقديم الوجبة التي طلبتها، خاصة وأن ثمة ضيوف معك لا يجوز تأخير موعد الغذاء عنهم، والذي حددته للنادل بـ الساعة كذا….
إلا أن صاعقة قوية تضربك على رأسك حين ترى مظاهرة داخل المطبخ.. كلّ ينادي على وجبته ويبحث عن طلبيّته؟!! كأن إعاشة تموينية توزع هنا داخل المطبخ. الا ان عملية تعداد الموجودين داخل المطبخ لا تُغشي عيناك عن رؤية الأوساخ والتلوث

والقرف. وتسأل نفسك يا ترى لو دخل ضيوفي إلى المطبخ، ماذا سيقولون؟

واخجلتاه!!

وبعد البحث والتنقيب عمنّ سلمّته طلبيتك، يبادرك النادل المحترم:"تعال وساعدني، مدّ يديك يا أخي". فتتحول بين ساعة وساعة من زبون الى شغيّل.
والأنكى من ذلك كله يرفض المسؤول عن المطبخ إعتراضاتك، قائلا:" اليوم علينا ضغط قويّ".
بل إن هذا (الشاطر.. المش الشاطر) ينهرك ويزعق بوجهك عندما تجد أن ثمة نقصا طرأ على الطلبيّة، بل غيّر وجهتها كليّا من طاولة رقم 5 الى طاولة رقم 15. فذهبت اللحومات التي أعددتها بنفسك واهتممت بها، وأحضرتها تحت عنايتك من عند لحّام تعرفه وتعرف نظافة ملحمته، في ظل انتشار ما بات يُعرف بالتلوث الغذائي في اللحوم وغيرها، قد طارت الى طاولة غيرك، وبتّ محكوما بتناول لحومات لا تعرف من أين إبتاعها هذا(الشاطر الغشيم).
وبعد….

تدخل المُصلّى (حيث كنت تحدث نفسك بأهمية وجود مصلى في الإستراحات، محدّثا نفسك بأن هذا دليل على إهتمامهم بكافة أنواع الزبائن) لتؤدي صلاتك، فتجد دورات المياه في حالة يرثى لها. فالمغسلة "طافحة"، وحفاضّات الأولاد مرميّة على الارض، ومحارم التواليت في كل مكان، لا بل إن أبواب الحمامات معدومة الأقفال. إذ على كل قاصد للتواليت أن يُمسك الباب بيده ليحميّ نفسه من مستعجل مجنون.
وليست نظافة المُصلّى بأحسن، بل إن السابحات اللواتي ينزلن الى النهر، يقصدن المُصلى لأداء الصلاة بثيابهن، التي تُمطر على الأرض، فترى بركة من المياه أسفل كل مصليّة مؤمنة، لم تسمع بحياتها بالحديث الشريف:"النظافة من الإيمان"، وكل مؤمنة من هؤلاء ترمي أوراق المحارم على الأرض، إعتقادا منها أن ثمة خادمة تقف وراءها تنظّف المخلّفات.

العيب ليس فقط على المصليّات والزبائن، بل على إستراحة فتحت أبوابها للزبائن دون أن تجهّز فريق من العمال لمتابعة أمورالنظافة، إضافة الى عمال المطبخ والندلاء.
وبعد تأخير لأكثر من ساعة عن الموعد المتفق عليه، حلّ الغداء على الطاولات سبقه شبع طافح سببه انعدام الرغبة في تناول الطعام.
حملت العوائل أغراضها، وخرجت. فكان نصيب عدد من أفرادها التقيؤ وأوجاع في البطن والدوخة وغيرها.

وهذا أمر غير مستغرب في ظل إنتشار الأوساخ في هكذا إستراحات قامت ونشأت على الفوضى، واللامراقبة، واللاتدخل، لكل من وزاراتي الصحة والسياحة.
ويقول المثل:"الفاكهة بالنظر"، لكن مع هكذا "شُطّار" يفقد السائح الرغبة في التوجه نحو أي مطعم أو إستراحة أو منتزه في الجنوب.. ويفكر في أماكن باتت مستهدفة لكثرة شهرتها.
نعود كعائلة لبنانية، قليلا ما تخرج للنزهة بسبب العامل الإقتصادي، أدراجنا قاصدين الصيدلية لشراء أدوية مضادة للتقيؤ.
لكننا ومن جديد، وفي أوقات تعصبيّة، نعود لنقول أن إهمال الوزارات والبلديات ومكاتب الصحة والمراقبة لأمر مقصود. وأن هذا الغياب المقصود يهدف الى جعل الجنوب قرى بلا حياة، قرى غير موجودة على خارطة المكاتب السياحية ووكالات تنظيم الرحلات.

بالمقابل هل يتجرّأ أي منظم لرحلة سياحية أن يدخل هذه المطاعم والإستراحات ليفضح حالنا؟ وليكشف عوراتنا في إدعائنا النظائفية؟
طبعا لا.
لكن (الشاطر) الذي أردنا تمضيّة جزء من عطلتنا الإسبوعية في ربوع مطعمه، سخر منا حين أخبرناه أن بيننا صحفيون، وأنهم سيكتبون وسينقلون ما رأوا وشاهدوا، قائلا:" إننا نطرد الناس، ونزعبها، ولا نُلّحق، بل نكش الناس من عندنا كشا".
فعلا إنها لثقة عارمة بأن الضيوف اللبنانين يشبهون مطاعمهم وإستراحاتهم الرثة العفنة والمُهملة، إن لم نقل الوسخة.
واثق هذا الشاطر(واللبناني يعدُّ نفسه شاطرا على الدوام) من أنه مهما أهمل، فلن يقاطعه الزبون اللبناني.
وطبعا الخليجيّ والأوروبي لن يقصده ويقصده إستراحته.
إذن الوساخة (أهليّة بمحليّة).

السابق
الاخبار: خطة باسيل.. الحل يبحث عمن يتبنّاه
التالي
توتر شيعي من “العميل الوطني”