عدنان السيد حسين: يروي حكايته الوزارية ويطرح رؤيته الإصلاحية

أتى من حيث "السياسة الخلاّقة" من مدارج الجامعات والفكر إلى فلك الأزمات والصراعات فكان بكل جدارة الوزير الملك يمسك بالتزاماته المبدئية ألغازاً لا زالت محور جدل دون أن يدرك البعض أن رجال المواقف لا تبددهم أهواء السياسة.
من هنا من حيث نجاحاته واهتماماته كان لا بد من الحوار مع "الوزير عدنان السيد حسين" حول تجربته الوزارية ورؤيته الإصلاحية فكان في منتهى الأمانة لتفاصيل الأزمة اللبنانية والثورات العربية وحكايته الوزارية…

• حملت أثناء توليك الوزارة أسماء كثيرة: الوزير الملك، الوزير الوديعة، الوزير اللغز، أي الأسماء تنطبق عليك؟
لا هذه ولا ذاك، أنا وزير توافقي، أتيت باختيار رئيس الجمهورية الذي أكنّ له كل التقدير وأشكره على موقفه، وحاولت أن أقوم بدور توافقي أثناء فترة تولي الوزارة وكنت وزير دولة، اشتغلت على ملفات عدة، لكن لا يوجد ملف محدد حصرياً، اشتغلت عليه، وكنت أعبر عن مواقفي بحرية داخل جلسات مجلس الوزراء. فضلاً عن علاقتي بوسائل الإعلام بعضها أنصفني وعرضت الكثير من مواقفي وبعضها الآخر لم ينصفني فأكيل لي التهم من هنا وهناك، وعندما اتهمت بالوزير الوديعة والوزير الخديعة، وبأنني خنت رئيس الجمهورية، وبأنني أسأت إلى الأكاديميين أو إلى التكنوقراط، وغير ذلك من الأوصاف. فضلاً عن وصول الأمر عند بعض من يسمون باعلاميين إلى التحقير والقدح والذم وهذه مسألة نتركها للقضاء لاحقاً، وفي ما يخص دوري كوزير كنت أسعى دائماً إلى دفع العمل الوزاري كوزير مشارك ضمن هذه الحكومة، وقد حزنت كثيراً لأن البيان الوزاري لم يُنفّذ وأن الحكومة أصيبت بالشلل في الشهور الأخيرة لعهدها وهذا ما دفعني للاستقالة إلى جانب استقالة وزراء المعارضة، فلم يعد لي دور توافقي، وشعرت أن الشارع تأججت فيه النعرة المذهبية بواسطة المغرضين بين السنّة والشيعة وهذا ما لن أقبله على الإطلاق.

• أتيت إلى الوزارة من عالم الثقافة، فكيف لك أن تقيِّم كمثقف جامعي هذه التجربة؟
تأكد لي أن هناك فارق كبير ما بين النظرية والتطبيق أو ما بين النص وتنفيذ النصوص القانونية فالمشكلة في رأيي ليست في النصوص، اتفاق الطائف لم ينفذ، البعض يقول نفذ منه، أنا أعترض على هذا التعبير، اتفاق الطائف لم ينفذ في أي بند من بنوده وما نفذ منه تحت اسم الطائف نفذ بشكل مشوّه، أتوقف عند مسألتين أساسيتين أعتبرهما مدخل أساسي للإصلاح لم ينفذا بموجب الطائف، الطائف دعى إلى تهيئة البلاد بقانون انتخابات نيابية من خارج القيد الطائفي على أن يتزامن ذلك مع التحضير لانتخابات مجلس شيوخ على أساس طائفي، هذا امر لم ينفذ. المسألة الثانية هي استقلالية القضاء بشكل تام. هذا لم يحصل لا بل دخلنا في وضع صعب يتمثل في ضغط السياسيين على القضاة وعلى القضاء بشكل عام هذا ما يعطل الدولة وكل مؤسساتها، لم يحصل التنفيذ لاتفاق الطائف ولهذين البندين الرئيسين لأن مصالح السياسيين الذين تولوا منذ العام 1990 إلى الآن كانت هي الحاسمة، بدل النصوص ومصالح الشعب. وعندما نعطل القضاء وأجهزة الرقابة وعندما لا نبتدع نظام للانتخابات مناسباً للتمثيل العادل من الطبيعي أن نصل إلى المأزق الذي وصلنا إليه.

• قلما يخلوا أسبوع من هجوم شرس عليك أو مديح مفرط لك، ماذا تقول للشتّامين، وماذا تقول للمدّاحين؟
أقول للاثنين معاً تكلموا بموضوعية وبواقعية لا نريد للبلد أن يكون في حالة انقسام بهذه الطريقة. مع أو ضد مع بالمطلق أو ضد بالمطلق، كل الأمور نسبية ولبنان لن يخرج من أزمته السياسية التي تتمظهر في الإعلام وأحياناً الإعلام يساهم سلباً في تأجيج هذه الأزمة، إلا في العودة إلى القانون. من هنا ركزت على استقلالية القضاء واستعادة أجهزة الرقابة لكي تقوم بدورها، أمر محزن أن ينقسم اللبنانيون عامودياً ليس فقط على مستوى النُخب والسياسيين وإنما على مستوى العامة من الناس هذا الأمر يحتاج إلى معالجة اجتماعية واقتصادية وسياسية وإعلامية.

• كيف تقيِّم الآن الثورات العربية التي تتفجّر في كل مكان؟
الثورات العربية نتيجة القهر الطويل الذي طاول الشعوب خلال عقود ماضية، الأمر المطروح اليوم في العالم هو أن العرب قد يثورون وأن الشباب العربي يتعامل مع التكنولوجيا الحديثة أو المعاصرة. كنا نسمع قبل الثورات أن العرب لا يهتمون ولا يقرؤون ولا يفكرون بالشأن العام وأنهم من أكثر الشعوب تخلّفاً في موضوع الدولة والسياسة. اليوم نجد الشباب يقودون هذه الثورات العربية إنما طبعاً قد ننتقد ربما بعض الآداء في التنفيذ. لكن هذا لا يلغي المبدأ الثوري الوطني الصحيح التي قامت على أساسه الثورات في مصر، تونس في الدرجة الأولى، في باقي الدول العربية هناك حراك شعبي وهناك أيضاً رغبة في التغيير والمطالب واضحة. تأخر ذلك طويلاً، فكانت ردة الفعل صاخبة عند الشباب العربي. ولا سبيل لنا للخروج من الواقع الحالي إلا بالعلم والتكنولوجيا والثقافة ومواجهة الفقر الناتج عن الفساد المستشري ولم يكن نتيجة عن نضوب الموارد أو قلة الموارد والثروات الطبيعية.

• بعد انطلاق الثورات العربية حصل حركة في لبنان تحت عنوان إسقاط النظام الطائفي، لكن هذه الحركة للأسف لم تستمر كيف تقيّمونها؟
لا أعتقد أن هذه الحركة أُجهضت، بقدر ما جرى عرقلتها باستطاعت هذه الحركة بعد فترة أن تجدد شبابها وأن تنطلق في السعي لتجاوز الطائفية إذا لم نقل إلغاء الطائفية، والدستور معنا في ذلك، لنتوقف عند المادة 95 من الدستور، التي دعت لتشكيل هيئة وطنية لإلغاء الطائفية، المؤسف أن الهيئة لم تتشكل منذ 20 سنة، وإذا التفتنا إلى المادة 7 من الدستور التي تدعو إلى التساوي بين اللبنانيين بالحقوق والواجبات، في الحقوق السياسية، والمدنية تحديداً، هذه قاعدة آمرة ناظمة للحياة العامة في لبنان نتجاهلها. إذا قرأنا في مقدمة الدستور، الشعب مصدر السلطات، لم يقل الدستور الطوائف مصدر السلطات أو الجماعات الطائفية، الشعب بمعنى مجموع المواطنين مجموع اللبنانيين، هذا هو الشعب، صحيح أن مقدمة الدستور تحدثت عن العيش المشترك، لكن العيش المشترك هذا بالمعنى الديني والحضاري. أما بالمعنى المدني والسياسي، اللبنانيون سواء بموجب الدستور. هناك تأخير بالتنفيذ، وهناك تجاهل حتى للقوانين المنبثقة من الدستور وبالتالي نعيش هذه الأزمة.
أزمة تغيب دور الشباب غير الطائفيين، أتوقع أن يعود الدور لهؤلاء الشباب قريباً نتيجة الأزمات الاقتصادية، والاجتماعية، وانتشار الفساد، ونتيجة أن اللبنانيين لا يمكن أن يبقوا منعزلين عما يدور حولهم من إرادات التغيّر وتحركاته.

• ما هي رؤيتك الإصلاحية للجامعة، في حال عُيّنت رئيساً لها؟
للأسف أهل السياسة في لبنان وأنتم في الإعلام تقولون الطبقة السياسية لم تساعد الجامعة كي تأخذ دورها وهذا دليل إضافي على عدم تنفيذ الطائف الذي يدعو لتعزيز التعليم الرسمي والجامعة اللبنانية، الجامعة اللبنانية ليست جامعة فئة واحدة من اللبنانيين، هي جامعة كل لبنان المتعدد الولاءات، والانتماءات الدينية والسياسية، والاجتماعية والثقافية، والفكرية، لذلك الجامعة هي تشكل الجيش الأول في لبنان، الجيش القادر على توحيد لبنان أو على تبديد الأمل لا سمح الله لقيام دولة لبنانية. تحتاج الجامعة إلى التفاتة من أهل السلطة. وعندما كنا في الحكومة طرحنا موضوع الجامعة مرات ومرات وطالبنا بتعيين عمداء للجامعة حيث لم يُعيّن عميد واحد أصيل منذ العام 2005، وكان العمداء بالتكليف. كل عميد هو رأس الهرم في كلية أو معهد وكان هناك عدم تشكيل أو تكوين لمجلس الجامعة موجب القانون هو الذي يقود العمل في الجامعة، الأكاديمي والإداري، والثقافي. فإذ بنا نعطل هذا الدور الكبير، ونقحم الجامعة في صراعات سياسية وأحياناً طائفية، ومذهبية، نحن لسنا ضد علم السياسة، بالعكس، أنا أستاذ في العلوم السياسية، وهناك كلية في الجامعة اسمها كلية الحقوق والعلوم السياسية والإدارية، لكن نحن ضد "السياسة اللبنانية" التي تعني الحرتقة والتي تعني الإلغاء والتحريض والطائفية، والتخلّف، هذه ليست سياسة. النهوض في الجامعة اليوم يحتاج إلى إرادة وطنية عامة من المجتمع الأهلي بشكل عام، ومن السلطة وثانياً يحتاج إلى استنهاض أهل الجامعة، من أساتذة وإداريين وطلاب كل هؤلاء مسؤولون عن إنهاض الجامعة. المسؤولية ليست فقط مسؤولية الرئيس أو بعض العمداء والمدراء، المسؤولية تقع على عاتق الجميع، إنما السؤال، كيف نحول الجامعة إلى مختبر علمي وطني ثقافي كبير؟ يقوم على التنافس الشريف ولا يقوم على قاعدة الإلغاء والتحريض، هذا أمر يجب أن يدرس بعناية. وإن نتولاه باقتدار وبمسؤولية وطنية كبرى، وأن نعيد الجامعة إلى ما كانت عليه طليعة التعليم العالي في لبنان. لأن طلاب الجامعة يشكلون 50 بالمئة من طلاب التعليم العالي في كل لبنان يعني كتلة الطلبة في الجامعة اللبنانية توازي كتلة الطلبة في كل الجامعات الخاصة الأخرى التي يتجاوز عددها الأربعين. نحن هنا لا نقلل من دور الجامعات الخاصة ولسنا في معرض الانتقاص من تجاربها ومن تاريخها وما أعطته إلى لبنان، لكن لنتذكر أن الجامعة اللبنانية في الستينات والسبعينات كانت هي الجامعة الأولى في الشرق الأوسط.

هل هناك أفكاراً محددة لكم لتعزيز وضع الجامعة اللبنانية فيما لو عيّنتم رئيساً لها؟
من بين الأفكار التي قد تطرح، تعزيز وضع الأستاذ الجامعي على جميع الصعد، وتمكين الأستاذ الجامعي من أن يكون مستقلاً في بحثه وأداؤه الأكاديمي، الحركة الأكاديمية شرط أساسي للإنتاج والتطوير ثم تحتاج الجامعة إلى ربط مفاصلها بعدما شُتت على صعيد الفروع والشُعب المنتشرة في كل لبنان، طبعاً للفروع أهمية إنمائية في المناطق، والفروع وجدت بسبب ضخامة حجم الجامعة، ولكن لا ننسى أنها في الأصل والأساس كانت نتيجة تفريع فرضته الأحداث اللبنانية في الحرب الأهلية، التفريع يكون على أساس مدروس، ديموغرافي، وجغرافي، وإنمائي، وليس على أساس طائفي أو مذهبي أو فئوي، هناك جامعات خاصة في لبنان لها فروع في المناطق، مثلاً الجامعة اليسوعية أو الجامعة اللبنانية الأميركية LAU لكن هذا الأمر لا يعني أن هاتين الجامعتين تتحركان على أساس طائفي. حتى الجامعة اليسوعية التي أوجدها الأباء اليسوعيين Jesuite’ باتت تضم في صفوفها نسبة عالية من المسلمين، فكيف نقسّم الجامعة الوطنية، جامعة الدولة اللبنانية، على أساس طوائف، ومذاهب، هذا الأمر أساسي.
الأمر الثالث والمهم باعتقادي، هو أن تنفتح الجامعة اللبنانية على العالم الأكاديمي الواسع في الدول العربية، وفي العالم الأجنبي الغرب والشرق، ولا أقول الغرب وحدة لأننا تعودنا في الجامعة اللبنانية أحياناً أن ندرِّس بعض المقررات والمواد على أساس غربي بحت أين نحن من الحضارات الروسيا، الصينية، اليابانية، وحضارات الشرق، الهند أين نحن من ذلك الانفتاح الأساسي للتطوير، يبقى أن للجامعة موازنة مالية جزء من الموازنة العامة للدولة اللبنانية ككل، نحن مع تعزيز هذه الموازنة وأن يكون للبحث العلمي موقع أساسي فيها.

• بماذا تَعِد الشباب اللبناني بخاصة المتخرّجين العاطلين عن العمل؟
المرحلة الحالية يجب أن تتحول إلى مرحلة نهوض اجتماعي وسياسي، وأن نتخلى عن الانقسام التقليدي الحاصل في البلد، وأن ندخل في مساعدة المجتمع والدولة في مؤسساتها من أجل التنمية الشاملة. المناطق اللبنانية البعيدة عن العاصمة اليوم لها دين عند الدولة من أقصى الشمال في عكار إلى أقصى الجنوب في بنت جبيل، لا يجوز أن نبقى في حالة اللامبالاة تجاه الأرياف في المناطق. الناحية الثانية الشباب اللبناني عليه أن يفيد من تجارب الشباب العربي، اليوم الغرب يدرس ويتأمل، ويفكر في واقع الثورات العربية والأجدر باللبنانيين أن يواكبوا هذه الثورات، أن يتعاملوا معها، وأن يتعاونوا معها، طبعاً وفق ما تسمح به القوانين والنظم المحلية الوطنية والعربية، أقصد قرارات جامعة الدول العربية، وميثاق الجامعة الشباب اللبناني قد يكون مدعواً إلى تكثيف نشاطاته في المجال النقابي واستعادة الحياة النقابية إن كان داخل الثانويات والجامعات أو إن كان داخل القطاعات المهنية والعمالية لا بد من استعادة الدور الرائد للاتحاد العمالي العام وضمنه استعادة تكوين الاتحاد الوطني لطلاب الجامعة اللبنانية الذي بمقدوره أن يحرك الحركة الطلابية ويدفعها.

• هل من أمل باستعادة هذا الدور للجامعة؟
نحن متفاءلون في هذا العمل، وللجامعة اللبنانية دور أساسي في هذه الحركة الوطنية.

السابق
خطة الكهرباء..ملغومة
التالي
نص مبادرة الجامعة العربية دمشق تؤجل زيارة العربي