حسابات عون وجعجع بين أزمتي الحكومة وسوريا

يقف رئيس " تكتل التغيير والاصلاح" النائب العماد ميشال عون ورئيس حزب "القوات اللبنانية" الدكتور سمير جعجع، على طرفي نقيض اليوم، في مقاربة التطورات اللبنانية في ضوء انعكاس الحدث السوري عليها، وما يمكن ان يصيب الوضع المسيحي اللبناني خصوصا والمشرقي عموماً.

حاول عون خلال تشكيل الحكومة، القيام بحركة داخلية لتحسين حصة المسيحيين في الحكم بعد غبن استمر خلال التطبيق السيئ لاتفاق الطائف والوجود السوري. وسعى ابان المفاصلة الشائكة مع رئيس الوزراء نجيب ميقاتي الى الحصول على حصة وازنة تعوض المسيحيين ما خسروه في عهد حكومتي الرئيسين فؤاد السنيورة وسعد الحريري بعد عام 2005. الا ان عون اصطدم، مثله مثل البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، باحداث سوريا التي لم تكن في حسبان اي من اطراف قوى الثامن من آذار، الذين بقوا في الاسابيع الاولى للثورة السورية يتعاملون معها على انها زوبعة في فنجان. حاول عون التغاضي عن الحدث السوري بالدخول في اللعبة الداخلية المحض، الا انه ُطوق فورا من قلب البيت. اولا بتعيين المدير العام للامن العام بخلاف ما كان يريده ويطالب به من استعادة الموقع للمسيحيين، مثله مثل رئيس الجمهورية ميشال سليمان، والبطريرك الماروني. وافق عون على اللواء عباس ابرهيم مكرها، وحاول المقربون منه تسويق فكرة مفادها ان المسيحيين سيحصلون في المقابل على منصب رئيس جهاز أمن المطار. لكن هذا المنصب طار فجأة بعد كلام حاسم مفاده ان أمن المطار سيبقى في عهدة قوى 8 آذار.

بعد قضية الامن العام جاء مشروع الكهرباء ليزيد من استهدافات عون الداخلية، وليضعه في مواجهة حلفائه المباشرين الذين لا يبدو انهم ممتعضون من تطويقه او تطويق الوزير جبران باسيل. وجاء العشاء غير السري، في غياب "التيار الوطني الحر" في منزل ابرهيم ليكشف قطبة مخفية بدأت اصداؤها تصل الى العونيين، وهي ان ثمة اتفاقات تحت الطاولة يحاول ابرهيم او بالاحرى من يمثل، القيام بها على حساب عون، سواء مع النائب وليد جنبلاط الذي كان نسج معه علاقة ابان عمله مساعداً لمدير المخابرات في الجيش العميد ادمون فاضل، او مع رئيس الجمهورية الذي لم يكن في البدء من محبذي ابرهيم، وهي علاقة قد تكون لها ارتدادات مستقبلية في الانتخابات المقبلة في الشوف وعاليه وبعبدا وجبيل.
ومع تفاقم الوضع السوري وارتداداته اللبنانية، يقف عون عند مفترق خطير، في كيفية مقاربة المرحلة الجديدة، واحتمالات انعكاسات اي سيناريو داخلي يقوم به "حزب الله" على المناطق المسيحية. وهنا يصبح لكلام جعجع خصوصية متمايزة عما سبق لـ"القوات" ان تعاملت به منذ الاحداث السورية. 
ففي كلمته خلال اطلاق النظام الداخلي لحزب "القوات" في 29 حزيران الفائت، قارب جعجع الثورات العربية محاذراً بخجل الدخول في الوضع السوري. وهو حذر عرفته معظم القيادات المسيحية بتجنب مقاربة الملف السوري تحاشياً لانعكاسه على الوجود المسيحي السوري واللبناني. ولكن بعد ستة اشهر على التطورات الدامية في سوريا، تحدث جعجع في مقابلة تلفزيونية اول من امس وللمرة الاولى بوضوح كأول قيادي مسيحي، قاطعا خطا فاصلا بينه وبين بكركي – الراعي، ومواقف قيادات روحية مسيحية ارثوذكسية وكاثوليكية مما يجري في سوريا، وما يمس الوجود المسيحي فيها.

ولا يمكن فصل الانعطافة القواتية – المسيحية بالخروج بموقف واضح وحاسم من فكرة التخلي عن اجتماع حكم الاقليات في لبنان وسوريا وحماية النظام العلوي للمسيحيين. ويأتي الموقف الاخير ثمرة نقاشات طويلة، خاضتها الدوائر السياسية في قوى 14 آذار المسيحية، وبعض اجوائها "المسيحية" لا يزال على حذره الدائم من خسارة نظام الرئيس بشار الاسد الحكم. ويعزز هذه الاجواء كلام البطريرك الراعي مرة تلو اخرى المؤيد للنظام السوري، ومواقف رئيس الجمهورية الذي هنأ الاسد بعيد الفطر، يوم فرضت واشنطن عقوبات على سفيره في لبنان.

وأهمية الكلام "القواتي" انه لا ينفصل عن الوضع اللبناني الداخلي إذا ما ارتد الوضع السوري عليه، وهو الاكثر ترجيحا. فالخطاب الجديد وضع اسسا جديدة للتعامل مع ما بعد نظام الاسد سورياً ولبنانياً. وهذا يعني ان "القوات" حددت مجددا خريطة طريق في وجه حلفاء سوريا في لبنان، في ظل السيناريوات التي يمكن ان تمس المناطق المسيحية من الشمال الى جبل لبنان.
اما عون فلا يزال منصرفا الى الملفات الداخلية، بكل ما تحمل من فتائل متفجرة، يتلقاها اولا من اهل البيت الذين يوفرون لاخصامه مادة سجالية دسمة ضده، ويقارب الملف السوري، بتقاطع مع بكركي، بخلاف ما كانت عليه الامور خلال الاعوام الفائتة. لكنهما على الاقل لا يزالان متفقين على عدم وضع خطوط حمر بينهما داخل المناطق المسيحية، رغم تعدد مجال السجالات حول الملفات المختلفة. 

السابق
نجاة النائب خريس من حادث احتراق سيارته
التالي
هكذا تحمي قلبك …