الكهرباء:سياسة النكايات بوجه عون!

باستثناء قطاع التجارة والمال، لا شيء يحصل في لبنان بصورة غير مسنودة الى انقساماته الطائفية والمذهبية المقيتة. المشكلة أن الأمر يتجاوز الجانب السياسي مباشرة ليلامس الجرب الطائفي الذي يعانيه اللبنانيون، فيكون الحكاك على جروحهم هذه أسهل ما يرغب فيه السياسيون الذين يستحقون، وعلى صحة السلامة كما يقال، أن يلقى بهم في مكان بعيد، حتى من دون طعام أو شراب!

في ملف الكهرباء، جلس أستاذ جامعي من أنصار «المستقبل» في أحد مقاهي بيروت قبل أيام، يتحدث بصوت مرتفع مع ندماء له. كان يعبّر عن احتجاج عميق على موقف قادة التيار من خطة جبران باسيل الخاصة بالكهرباء. قال إنه لم يعد ممكناً الصمت على «الأولاد» الذين يديرون الأمر على طريقة النكايات. قال صراحة: كيف يجرؤ أحد نواب التيار في عكار على الدعوة الى تظاهرات إن أقرّت خطة باسيل؟ هل التظاهر يحصل لأن هناك من يريد العمل على توفير الكهرباء، أو يحصل ضد من يمنع وصول هذه الخدمة الحيوية الى الناس؟ ومن ثم أضاف: لا أقدر على إقناع أفراد عائلتي بأننا نقف ضد الخطة فقط حتى لا يقال إن الكهرباء صارت جيدة على أيام نجيب ميقاتي وميشال عون؟
الموقف معبر، لناحية فهم القدر الهائل من الكيدية والهبل عند فريق كبير من سياسيي 14 آذار. وهو سلوك تعوّد عليه الجميع، في لبنان وربما في غيره أيضاً. سابقاً كان يقال إن الشيوعيين لم يرحّبوا بقيام بلدية في الجنوب بإصلاح تمديدات المياه بصورة عاجلة. قال أحدهم إن تلبية المطالب الشعبية قد تخفف من الحوافز لدى الجماهير على الانخراط في حركة مطلبية واسعة. اختصر الأمر أحد الكوادر بالقول: إن استمرار الأزمة من شأنه تعميق الحقد الطبقي عند الجماهير، وهو حق تحتاج إليه الثورة!
هو نفسه الموقف، عندما تظاهر يساريون وقوميون عرب ضد مشروع الطرقات الواسعة في خمسينيات القرن الماضي وستينياته، بحجة أن الأوتوسترادات سوف تتحول الى مطارات لطائرات الاستمعار الامبريالي. وهو أمر تكرر في تسعينيات القرن الماضي أيضاً، عندما شن معارضون لرفيق الحريري حملة على مشروع شبكة الطرقات السريعة بين الجنوب وبيروت والشمال، والتذرع بأنها تمهيد لوصل لبنان بالكيان الإسرائيلي ضمن الخطة الأميركية للتسوية في المنطقة.
الأمر لا يرتبط هنا بالسذاجة وعملية استهبال الناس، بل هو مرتبط في أن السياسيين عندنا لديهم الاستعداد الكبير، لدفع الناس الى مزيد من القهر إذا كان في ذلك ما يفيد مشاريعهم السياسية والشخصية. ألم يفعل ذلك رفيق الحريري بمساعدة رياض سلامة، ما غيره، في أيار 1992 لإسقاط حكومة عمر كرامي؟

طبعاً، يتولى وليد جنبلاط رأس الحربة هذه المرة. هو يقوم بالأمر نيابة عن كثيرين داخل الحكومة. هو هنا يقول للجميع إنه يريد أن يكون شريكاً، لا ملحقاً. وبالتالي له حقوقه كزعيم طائفي. ولائحة مطالبه طويلة جداً، تبدأ بموازنات لوزارات يشرف عليها سياسياً، الى تغطية مالية موازية، الى هوامش في العمل السياسي، وصولاً الى قانون الانتخابات النيابية. هو في هذه اللحظة ممثل 14 آذار داخل الحكومة… من قال إن حكومة الرئيس ميقاتي هي حكومة اللون الواحد؟ 
نفسه الرئيس ميقاتي، لا يريد أن تكون هناك حكومة داخل الحكومة. هو حقيقة لا يرتاح الى طريقة عمل فريق العماد عون الوزاري، ربما لديه حساسية إضافية تجاه جبران باسيل. ربما الأخير موهوب في تنفير الناس منه، لكن الأمر لا يتعلق بعلاقات شخصية. الرئيس ميقاتي يشعر بأن عون يريد أن يكون شريكاً له في رئاسة الحكومة لا في مجلس الوزراء. المسألة هنا بالنسبة إلى ميقاتي توازي الموقف من المحكمة الدولية. الرجل يشعر بأنه أمام معركة مفتوحة من الآن وحتى موعد الانتخابات النيابية المقبلة. هو يريد الصمود في موقعه، وهو يسمع من العرب ومن الغربيين كل يوم تهويلاً بعد تهويل، ويقال له إن بشار الأسد لن يصمد الى نهاية السنة، وإن حزب الله سوف يلتحق به، وإن إيران سوف تواجه عزلة قاسية، وإن التغييرات المقبلة تتطلب من الآن تسجيل مواقف مختلفة.

وسط هذه التعقيدات، لا يبدو أن حزب الله وحده قادر على إدارة الدفة. سوريا مشغولة بأوضاعها، أصلاً أبلغ الأسد معظم القوى والشخصيات اللبنانية أنه قد فوّض الأمر الى السيد حسن نصر الله، وما يوافق عليه السيد يكون هذا موقفه. ثم إن حزب الله نفسه لديه أولويات. بعضها سياسي بامتياز، لا تدخل فيه الحسابات الأخرى، لا الطائفية ولا المذهبية ولا الإصلاحية ولا أي شيء. لكنه في حالة المواجهة هذه، لا يرغب في انفجار الحكومة، هو يعرف أن ما يقوم به العماد عون صحيح من أجل معالجة مشكلة مزمنة. وحزب الله يثق بنيات عون وقدراته الإصلاحية. وهو يدعمه كحليف ومستعد لأن يخوض المعارك تلو المعارك. لكن حزب الله لا يريد أن يقود معركة تكون أولى نتائجها فرط الحكومة، وتعطيل مشروع الكهرباء، واستعادة مناخات التوتر الطائفي على أنواعه. وبالتالي، فهو مضطر هنا إلى الاستعانة بخبرات الداهية نبيه بري، الأخير لديه حساباته أيضاً، بعضها على طريقة جنبلاط، لكن بعضها الآخر مرتبط أيضاً بالتوازن السياسي داخل الحكومة. والمشكلة الكبرى هنا، ابتعاد الرئيس ميشال سليمان عن دوره الحاسم، والذي لو كان متوازناً منذ اليوم الأول لوصوله الى الرئاسة لكان بمقدوره الضرب على الطاولة وحسم النقاش. لكن…لا رأي لمن لا يطاع! 

السابق
التيار الوطني الحرّلن يستقيل..
التالي
فادي عبود: من يعرقل خطة الكهرباء يعرقل اولوية وطنية