الحريري بات “حجر شطرنج”

منذ اللحظة الأولى التي خرج فيها الرئيس سعد الحريري من الحكم، وضع نفسه وفريقه السياسي أمام حالة مصادمة مع كل الناس، وتحديداً مع حزب الله الذي أعلن الحريري في يوم من الايام أن أمينة العام السيد حسن نصر الله والرئيس السوري بشار الاسد قد اسقطاه وأجبراه على الخروج من السراي الكبير.
لقد أوصل الحريري نفسه الى حالة ثأرية مع من يتهمهما بإسقاطه، ودخل في عراك معهما كمن يصادم الحيطان، وهو في كل يوم يعبِّرعن حقده وثأريته عبر تصريحات نوابه والمستفيدين منه من مشايخ ورجال دين وغيرهم ممن لا يزالون مراهقين في السياسة.
وإذا كان الايقاع السياسي للحريري لم يتغير منذ لحظة خروجه من السلطة، فإن المنحى التصاعدي لخطابه السياسي، بدأ يُظهر هذا الشخص على حقيقته، التي تقوم في عمله السياسي على قاعدة "عليّ وعلى أعدائي يا رب" من دون أن يعطي لنفسه ولو لحظة عناء للتفكير في المردود السلبي لهذا الخطاب، على الوضع الداخلي الذي يرزح تحت وطأة مناخات سياسية ومذهبية مشحونة، مع علمه المسبق أن لا قدرة له على اسقاط حزب الله أو تحجيمه، أو التأثير قيد أنملة في الوضع في الداخل السوري.

لقد تبين أن رفع الصراخ لدى الحريري وفريقه ما هو الا تعبير واضح على أن هذا الرجل لا يملك اي مشروع سياسي، أو على الأقل فشل في مشروعه الذي هو في الاساس عبارة عن نقاط مدرجة ضمن أجندة أجنبية ما، عليه تنفيذها.

ويبدو أن الرئيس الحريري يحاول من خلال لجوئه في الآونة الاخيرة الى التجريح الشخصي، التعويض عن خسارته في الحملة على سلاح المقاومة، ومن ثم التحريض المذهبي الذي لم يلقَ الصدى المطلوب خصوصاً على المستوى السني، وهو أمام ذلك بدأ بامتهان أدنى مستوى من الخطاب السياسي، وهو التجريح، ما حمل حزب الله على القيام برد محدود وبطريقة خاصة لتبيان "سخافة" وعدم انسجام هذه الحملة "الحريرية" مع الواقع اللبناني، ولا سيما أنه تبيّن أن كل الذين تحاملوا على حزب الله في الآونة الاخيرة، والذين لم يفرقوا بينه وبين الصهاينة، هم منتج "اسرائيلي" من الكبير الى الصغير.

وإذا كان حزب الله يعرف أن الحملة لن تؤثر عليه، وأنه مطالب من جمهوره برد الصاع صاعين، غير أنه يرفض ذلك لأن الحزب لم يعد يقرأ الحريري لا في السياسة ولا في غير السياسة، وهو يدرك تماماً أن الحريري ليس أكثر من "بيدق" يُحرّك وفق إرادة اللاعبين عندما تدعو الحاجة، أي أنه بات "روبوت سياسي" يُحرَّك غبّ الطلب.
في اعتقاد مصادر متابعة للحملة "الحريرية" على حزب الله، أن هذا الصراخ لن يوصل الى أي مكان، وسيبقى عبارة عن ضجيج سياسي مبني على أمرين أعلن حزب الله أنه غير معني بهما لا من قريب ولا من بعيد وهما: أولاً، القرار الاتهامي، وثانياً، سقوط النظام السوري.
إن حزب الله من أكثر الفرقاء اطمئناناً الى أن سورية قد خرجت من منطقة الخطر، وأنه سيصمد أمام ما يحاك ضده من مؤامرات من القريب والبعيد، كما أن الحزب يضع رجليه في مياه باردة حيال القرار الاتهامي الذي يدرك القاصي والداني انه مسيَّس من ألفه الى يائه.  
وفي رأي هذه المصادر أن حزب الله يرى أن تجربة الحريري دلّت على أنه لا يزال يراهن على سراب، وأن هذه الرهانات ستفشل اليوم وغدا كما فشلت في الماضي، غير أن المستغرب لدى الحزب، كيف أن الحريري لم يستفد من تجاربه الماضية، وكيف لا يلجأ الى تصحيح أخطائه، بل يصرّ على تراكم هذه الأخطاء التي أصبحت بحجم جبل.

وتعزو المصادر الحالة التي وصل اليها الحريري الى كونه يفتقد القدرة التي تساعده على تنفيذ مشروعه القائم على التفرد بالحكم والقضاء على المقاومة، وهو أمام هذا المشهد سيبقى في حالة من اللاتوازن السياسي وغير السياسي، وأنه محكوم بالتراجع يوماً بعد يوم، وأن هذه الحالة باتت تزعج اللصيقين به الذين باتوا يفتشون عن المخرج الذي يقودهم الى خلع هذا اللباس الذي بات "ضيقاً" عليهم، لا بل اصبح ثقلاً يهددهم بالغرق في أي لحظة.
وتخلص هذه المصادر الى القول، أن استمرار الحريري في نهجه الحالي سيؤدي الى انزلاقه نحو هاوية ربما لا يخرج منها أبداً مهما مدّه المستفيدون منه بحبال النجاة.  

السابق
كتاب موثق
التالي
حفل تأبيني في بلدة باريش