كرم ضحيّة جديدة على مذبح الجنرال

منذ 13 تشرين الأوّل 1990 بدأت رحلة العميد فايز كرم التي أدّت به في العام 2011 إلى أن يصبح ضحيّة أخرى من ضحايا العماد ميشال عون.

الضابط المقاتل الشجاع الذي أدّى واجبه شأن رفاقه في الجيش اللبناني دفاعا عن الأرض والكرامة في وجه جيش محتلّ اجتاح القرى والبلدات اللبنانيّة كما يجتاح اليوم حمص وحماه ودرعا، ونفّذ مجازر في حقّ الجنود في ضهر الوحش، كما يُنفّذ اليوم في حق المواطنين السوريّين في المدن الثائرة، ودفن شهداء الجيش في مقابر جماعيّة كما يتمّ دفن جثث الثوّار السوريّين لإخفاء المعالم، هذا الضابط وجد نفسه في سجن النظام السوريّ من دون أن يتمكّن من أن يلجأ إلى سفارة، إذ لم تكن لديه شأن زملائه الضبّاط الذين اعتقلوا الفرصة للقيام بقياس مسافة الوصول إلى أقرب سفارة كما فعل القائد، فكان مصيره الاعتقال والإذلال، وأعيد إلى وطنه سجينا مراقبا ما اضطرّه إلى الفرار عبر جزين فإسرائيل فباريس، حيث بدأت القصة التي انتهت به إلى السجن بتهمة التعامل مع إسرائيل، فهل أصبح يصح بعد كلّ هذه الرحلة أن تتمّ محاكمة فايز كرم على جرم الاتصال بالضبّاط الإسرائيليين بعد هروبه من لبنان، أم بات يجب السؤال عن دور ميشال عون بطبعه المغامر في تغطية هذه الاتّصالات أثناء وجوده في باريس، وفي تشجيع فايز كرم على الاستمرار بإبقاء هذه القنوات مفتوحة للاستعمال عند الضرورة؟

لم تعرف خلال التحقيق مع العميد فايز كرم كلّ الحقائق عن دور ميشال عون، لأنّ كرم بما يتحلّى به من إخلاص للقائد صمد وامتنع عن إضافة أيّ معلومة تتعلّق بالجنرال واكتفى بسرد واقعة استمزاج الجنرال في العام 2006 حول إمكان القيام بوساطة بين إسرائيل وحزب الله عبر هذه القنوات، وقد لا يكون الإخلاص وحده السبب في امتناع كرم عن توريط الجنرال، إذ إنّ هذه المعلومة التي تصلح وحدها لاستدعاء عون ومحاكمته قالها كرم بعدما تناهى له أنّ الجنرال وصف سقوطه بسقوط يهوذا فأراد إرسال رسالة تحذير ما لبثت أن أعطت مفعولها، إذ حوّل عون تنصّله من العميد إلى تَبَنّ لقضيّته، ذلك على رغم معرفته بأنّ هذا الملفّ سيحرج حزب الله الذي وصف عبر وسائل إعلامه كرم بالعميل الكبير في اليوم الأوّل لاعتقاله.

وإذا كانت محاكمة كرم قد بدت وكأنّها محاكمة رجل كان يمتلك خطوط اتّصال مع ضبّاط إسرائيليين، فإنّها بدت وكأنها محاكمة للشخص وليس لفايز كرم الذي اعترف من خلال التحقيق بأنّ عون كان مطّلعا على اتصالاته بالإسرائيليين، علما أنّ عون سبق له أن قام باتصالات على أعلى مستوى مع نوّاب أميركيين يعتبرون من صقور اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة الأميركية، وهؤلاء هم من أمّنوا له زيارته لواشنطن وإلقاءه كلمة أمام الكونغرس الأميركي غداة أحداث 11 أيلول.

وفي ظلّ غياب العماد عون عن قاعة المحكمة يوم إعلان الحكم بحق كرم وترك المهمة للمحامين والنواب الذين استفاضوا في محاولة تسييس الحكم، بدا واضحا أنّ التيار العونيّ دخل في حالة تخبّط وفوضى في التعبير لا مثيل لها، بدءا من اتّهام المحكمة بتزكية فرع المعلومات، مرورا بمحاولة إيهام الأنصار أنّ هناك مقايضة بين الحكم على كرم وبقاء فرع المعلومات، ذلك على رغم أنّ الجهة التي حكمت على كرم ومن يدعهما تنتظر اللحظة المناسبة للتخلّص من هذا الفرع وصولا إلى التلميح إلى دور للحلفاء في صدور هذا الحكم أو في عدم ممارستهم النفوذ لدى المحكمة العسكرية لإعلان البراءة. وفي هذا الكلام أيضا المزيد من الهروب إلى نظرية المؤامرة، وكأنّ بقائله يريد إيهام جمهوره بأنّ حزب الله يحمي فرع المعلومات برموش العيون.

لقد وقع فايز كرم ضحيّة لميشال عون مرّات كثيرة، أحدها في السياسة حين تركه وحيدا في انتخابات العام 2009 وآخرها في المحكمة العسكرية، حتى اعتقد كرم أنّ حماية الجنرال من شبهة رعاية الاتّصال بالضبّاط الإسرائيليين ستؤتي بثمار البراءة، فكان أن أنقذ الجنرال نفسه كعادته، وفق القاعدة التي يعمل بها دوما والتي تقول "أنا ومن بعدي الطوفان".

السابق
الحياة: الراعي أبدى تخوفه من نظام متشدد في سورية وساركوزي أبلغه اقتناعه بنهاية نظام الأسد
التالي
مَن الذي سقط…ومَن القادم؟